نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا للكاتب أندرو وورد، حول جاذبية
تركيا لاستثمارات الشركات متعددة الجنسيات، بسبب القوى الديمغرافية، بالرغم من الأجواء السياسية، التي يصفها بأنها غير مشجعة للاستثمار.
ويقول الكاتب إن هذه الجاذبية يمكن أن يراها أي شخص من ناطحات السحاب في مدينة إسطنيول المترامية الأطراف، ذات الخمسة عشر مليون نسمة.
ويضيف وورد أن "رافعات البناء في كل مكان في أفق المدينة، والناس والسيارات في الشوارع، ذلك كله يعكس الديناميكية التي منحت تركيا نموا اقتصاديا سنويا بنسبة 5% على مدى الخمسة عشر عاما الماضية، لكن بناية ضخمة تطل على المدينة من سفوح أعلى هضابها تحذر من المخاطر السياسية المتنامية".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن هذه البناية هي مسجد كامليكا الضخم، بمآذنه الست، وبمساحته التي تتسع لـ37500 مصل، حيث يشكل هذا المسجد بؤرة لحركة بناء مساجد أمر بها الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان في أنحاء البلاد، مستدركا بأنه بالنسبة لدعاة تركيا علمانية ديمقراطية، فإن البناية لا تشكل مجرد أسلمة زاحفة للبلاد، لكنها أيضا تذكير بنفوذ أردوغان المتزايد.
وتلفت الصحيفة إلى أنه "بعد محاولة الانقلاب الفاشلة الصيف الماضي، والحملة ضد الشبكة التي يعتقد أردوغان أنها تقف خلف الانقلاب، وهي جماعة فتح الله غولن، فإنه كسب بفارق بسيط استفتاء في شهر نيسان/ أبريل، منحه سلطات تنفيذية، ما عمق من قلق المستثمرين الدوليين بشأن الاتجاه الذي تسير به البلاد، التي كانت حتى وقت قريب أفضل أماكن
الاستثمار".
ويفيد الكاتب بأن الوكالات الرئيسية الثلاث "موديز" و"ستاندرد أند بورز" و"فيتش"، المتخصصة بالتصنيف الائتماني للدول، منحت الديون التركية درجة "خردة"؛ بسبب الاضطراب السياسي، وبحسب ما قالت "فيتش" تقويض "الاستقلال المؤسساتي".
وينوه التقرير إلى أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تراجعت بنسبة 31% عام 2016، إلى 12 مليار دولار، بحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، الذي قال إن محاولة الانقلاب "ألقت بظلالها على مدى الاستقرار السياسي للبلد، وعطلت النمو
الاقتصادي".
وتنقل الصحيفة عن المديرين التنفيديين من الشركات المتعددة الجنسيات ومحللين، قولهم إن العام الماضي ترك آثارا محبطة لمشاعر المستثمرين، حيث قال مديران يديران مجموعات دولية لـ"فايننشال تايمز"، بأنهم يواجهون أسئلة صعبة من مقراتهم حول الحكمة من استثمار المزيد، وقال أحدهم، بشرط عدم ذكر اسمه: "ليس هناك الكثير من الناس الذين يسعون للتمدد.. فالشركات كلها تركز على حماية استثماراتها الموجودة".
ويشير وورد إلى أن المديرين اتفقا على أن العاملين المحليين محبطون؛ بسبب التطورات السياسية الأخيرة، التي تهدد في جعل هجرة العقول الشابة العلمانية مشكلة أكبر، حيث قال مدير أجنبي خدم مدة طويلة: "رأيت صعودا وهبوطا، لكن الوضع الآن هو أسوأ ما رأيت".
ويجد التقرير أنه ليس جميع المستثمرين الأجانب مترددين، فشركة النفط الوطنية في أذربيجان "سكر" أعلنت خططا لاستثمار 18 مليار دولار بحلول عام 2020، وهذا سيجعلها أكبر المستثمرين الأجانب في تركيا، في الوقت الذي تسعى فيه لتحسين العلاقات الاقتصادية في مجال الطاقة بين البلدين، ويتضمن مشروعها بناء مصفاة بترول بقيمة 5.5 مليار دولار، يتم إنشاؤها في مدينة ألياجا، بالقرب من إزمير على ساحل بحر إيجة.
وتذكر الصحيفة أن كثيرا من الاستثمارات الكبيرة في تركيا في السنوات الأخيرة أتت من آسيا والشرق الأوسط، وبالذات من قطر، ما أدى إلى تقوية الشعور بضعف العلاقات مع أوروبا، في وقت تبدو فيه عضوية الاتحاد الأوروبي، التي طرحت منذ زمن طويل، خيالية أكثر من أي وقت مضى.
ويلفت الكاتب إلى أنه ينظر في قطاع المال إلى الهدف الذي وضعه أردوغان بزيادة نصيب التمويل الإسلامي الخالي من الفوائد، من 5% إلى 25%، على أنه تفضيل لتمدد البنوك العربية والمحلية على حساب البنوك الغربية الأوروبية والأمريكية.
ويستدرك التقرير بأنه بالرغم من المخاوف التي تسود بين المستثمرين الغربيين، فإن العديد من المديرين التنفيذيين والمحليين يقولون إن تركيا تبقى بقعة مضيئة لاستثمارات الشركات المتعددة الجنسيات، مشيرا إلى أن النمو الاقتصادي تراجع العام الماضي بنسبة 2.9%، لكنه عاد وارتفع بنسبة 5% في الربع الأول من عام 2017، مقارنة مع العام الماضي.
وتنقل الصحيفة عن رئيس العمليات في تركيا لمجموعة دولية، قوله: "إذا ما أخذنا التقلبات الجيوبوليتيكية في المنطقة بعين الاعتبار، فإن تركيا كانت مرنة جدا"، مشيرة إلى أن المتشائمين يقولون إن النمو تزوده نفقة الحكومة، التي لا يمكن استمرارها، وتسهيل الاستدانة، الذي يخشى البعض أن تؤدي إلى تخزين مشكلات الديون، ويقولون إن غياب الشفافية والتنظيم المستقل يزيد المخاطر.
ويقول وود إن المتفائلين يقولون إن تركيا مرت بأزمات مالية وسياسية من قبل، وكانت دائما تتجاوزها، حيث يقول دينس لوهيست، مدير شركة "إنجي"، وهي شركة الطاقة الفرنسية، التي كان اسمها "جي دي أف سويز"، إن النظرة البعيدة كانت مجزية، حيث كان أول عمل لشركته إنشاء الترامواي في إسطنبول قبل أكثر من مئة عام، واليوم تقوم شركة "إنجي" بتوليد وتوزيع الكهرباء، ويقول لوهيست إن مجموعته تسعى للتمدد بعد إطلاق وحدة تجارة في الطاقة العام الماضي، وهي أول وحدة تقوم بعرض الطاقة مباشرة للزبائن.
ويذهب التقرير إلى أن "النظرة الإيجابية تبدو واضحة لدى الشركات التي تختص بالمنتجات الاستهلاكية، التي تشجعها زيادة الطلب المحلي للطبقة المتوسطة في تركيا، وشعب شاب يتزايد عدده، فوصل إلى 79 مليون نسمة، أي أقل من ألمانيا بمليونين، وبمتوسط عمر في المجتمع يقدر بـ31 سنة، فيتوفر في تركيا من الديناميكية الاقتصادية والديمغرافية الشابة التي تفتقر إليها دول الاتحاد الأوروبي، حيث متوسط العمر في المجتمع 42 سنة".
وبحسب الصحيقة، فإن شركة "بيبيس" أعلنت بأنها ستفتح مصنعا جديدا، قيمته 120 مليون دولار، في مدينة مانيسا في غرب البلاد، بالإضافة إلى أن شركة "تقسيم كابيتال"، وهي شركة مسجلة في جزر القنال الإنجليزي، اشترت في شهر أيلول/ سبتمبر، سلسلة مطاعم تسمى "بيغ تشيفز".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن هذه الشركات كلها تأمل بأن تكون القوى الديمغرافية التي تدفع النمو الاقتصادي، ستعمل على تجاوز رياح السياسة، حيث يقول لوهيست: "إن تركيا شابة وديناميكية وشعبها مبدع.. ولا تزال تعد فرصة رائعة".