أكّد رئيس الحكومة
التونسية أنّه اختار خوض معركة ضدّ الفساد حتّى النهاية، طالبا من التونسيين الوقوف صفا واحدا في هذه المعركة.
وقال يوسف الشاهد، في تصريح إعلامي مقتضب، مساء الأربعاء، تعليقا على سلسلة الاعتقالات التي شملت رجال أعمال وقيادات في الجمارك: "في الحرب على الفساد ليس هناك خيارات.. إما الفساد، وإمّا الدولة.. إمّا الفساد، وإمّا تونس..".
وتابع: "أنا مثل جميع التونسيين، اخترت الدولة، واخترت تونس، وأطمئن الجميع، وأقول إنّ الحكومة متحملة مسؤولياتها، وستخوض المعركة على الفساد إلى النهاية".
اعتقالات
وتواصلت حملة الاعتقالات التي تنفذّها السلطات التونسية منذ مساء الثلاثاء، حيث شملت عددا من رجال الأعمال البارزين، على غرار شفيق الجرّاية المقرّب من نداء تونس، المعروف بمشاركته لعائلة "الطرابلسية" قبل الثورة في تجارة الموز والعقارات.
كما اعتقلت فرق مختصة تابعة للحرس الوطني ياسين الشنّوفي، الإطار السابق بالجمارك، والمترشح لـ"رئاسية 2014"، ونجيب بن إسماعيل "إمبراطور الفواكه الجافة".
كما تمّ، الأربعاء، إيقاف الإطار بالجمارك سليم زروق، ورجلي الأعمال؛ علي الغدامسي بمحافظة صفاقس، وأحمد خير الدين المؤدب، وهو أصيل محافظة
تطاوين بأقصى الجنوب، ويعمل في مجال الخدمات النفطية.
وكشفت مديرة المشاريع بمنظمة "أنا يقظ"، منال بن عاشور، الأربعاء، أنّ ثمانية رجال أعمال وإطارات جمارك تّم اعتقالهم خلال يومي الثلاثاء والأربعاء.
وتابعت بن عاشور في تصريح لإذاعة "شمس أف أم" بأن هناك قائمة تضم 360 شخصا صدرت في شأنهم أوامر بالمنع من السفر.
سياسات واضحة
واعتبر أستاذ القانون الدستوري والمحلل السياسي، جوهر بن مبارك، أنّ الشروع في تتبع كبار الفاسدين لا يمكن أن يكون إلا مؤشرا إيجابيا، مضيفا: "ننتظر أن يتم تدعيم هذا الإجراء بسياسات واضحة، حتى نقول إن الحكومة دخلت بجدية في محاربة الفساد الذي نخر البلاد"، وفق تعبيره.
وتابع ابن مبارك، في تصريح لـ"عربي21"، بأنّ الاعتقالات التي تمّت وفق قانون الطوارئ هي "تصرف إيجابي، لكن سننتظر مآلها وما سيأتي بعدها؛ لأن محاربة الفساد استراتيجية كاملة تفضي إلى نتيجة، وليست مجرد اعتقالات لعدد من الأشخاص".
وأشار إلى أن تطبيق إجراء الإقامة الجبرية ليس بالجديد؛ "فالدولة التونسية تقوم به بشكل منتظم في علاقتها بالعائدين من بؤر التوتر، وطبعا تمتد مدة الاعتقال مع تواصل حالة الطوارئ، التي بمجرد رفعها تصبح الإجراءات لاغية، ويجب المرور إلى الإجراءات القضائية العادية أو على معنى قانون الإرهاب".
وفسّر ابن مبارك لجوء الحكومة إلى اعتقال هؤلاء وفق قانون الطوارئ وليس من خلال الإجراءات القضائية العادية بتخوف السلطات من فرارهم، مستدلا بمحاولة رجل الأعمال نجيب بن إسماعيل الفرار مساء الثلاثاء، قبل أن يتم اعتقاله في الجنوب.
وتطرق إلى وجود احتمال ثان، وهو أنّ الملفات التي تدين رجال الأعمال غير جاهزة؛ لذلك تم اعتقالهم كإجراء احتياطي؛ خوفا من فرارهم خارج البلاد، وهو ما يفسّر صدور قرار بمنع 360 شخصا مشتبه بهم من السفر.
احترام القانون والدستور
من جانبه، قال رئيس الهيئة السياسية لحزب المؤتمر، سمير بن عمر، إنّ حزبه "مع إعلان الحرب على الفساد ومحاسبة الفاسدين، بل يجب أن تكون هذه الحرب لا هوادة فيها، وفي كنف الشفافية واحترام القانون والدستور وإجراءات التقاضي"، وفق تعبيره.
وانتقد ابن عمر، في تصريح لـ"عربي21"، عدم خروج مسؤولي الدولة لتوضيح ما يحدث للرأي العام والإجابة عن بعض التساؤلات، على غرار أسماء المعتقلين، ولماذا تمّ اعتقالهم؟ وأين يتم الاحتفاظ بهم؟
وقال: "لا أحد اليوم أجاب عن هذه الأسئلة لعائلات الموقوفين ومحامييهم؛ لأنّ الحكومة لازمت الصمت، واكتفت بتسريب بعض الأخبار في مواقع التواصل وبعض الصحف الإلكترونية، وهذا طبعا يثير الريبة والشبهات حول حقيقة الأهداف من هذه الاعتقالات".
واعتبر ابن عمر أنّ حزبه متحفظ عن إبداء أي موقف للغموض الذي يكتنف عمليات الاعتقال، التي قال إنّها تتضارب مع النظم الديمقراطية.
الابتعاد عن الانتقائية
من جهتها، عبّرت حركة النهضة عن دعمها الكامل لـ"جهود الحكومة في مقاومة الفساد، باعتبارها واحدة من أهم استحقاقات الثورة وأولويات المرحلة وحكومة الوحدة الوطنية ووثيقة قرطاج".
وطالبت الحركة، مساء الأربعاء، في بيان حمل توقيع رئيسها راشد الغنوشي، وتلقت "عربي21" نسخة منه، بالابتعاد بحملة مقاومة الفساد عن الظرفية والانتقائية، وانضباطها بالدستور والقوانين، واحترام معايير حقوق الإنسان، وأن تكون هذه الخطوة "سياسة ومسارا، وليست عملا ظرفيا ولا انتقائيا.
وأصدر عدد من الأحزاب والمنظمات، الأربعاء، بيانات مساندة لرئيس الحكومة بعد سلسلة الاعتقالات، من بينها حركة نداء تونس والحزب الجمهوري وآفاق تونس ومشروع تونس والمسار ومرصد مقاومة الإرهاب والجريمة المنظمة والاتحاد العام التونسي للشغل.
نفي
ونفى رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر، رجل الأعمال سليم الرياحي، ما راج من أخبار، الأربعاء، حول
مغادرته التراب التونسي نحو وجهة غير معلومة بعد سلسلة الاعتقالات الأخيرة.
وقال الرياحي بمنشور في فيسبوك إن "سفره المفاجئ إلى إحدى عواصم أوروبا هو من عاداتي بحكم طبيعة عملي".
واستنكر فيصل الجدلاوي، محامي رجل الأعمال شفيق جراية، "عدم القبض على عديد الأسماء الأخرى المتهمة في قضايا فساد".
وتوجّه الجدلاوي، في مقابلة على القناة الوطنية، مساء الأربعاء، لرئيس الحكومة الشاهد بقوله: "اعتقل كمال اللطيف (يعرف برجل الظل الذي يأتمر مسؤولو الدولة بأوامره) وياسين إبراهيم (رئيس آفاق تونس ووزير سابق) وحافظ قائد السبسي (نجل الرئيس والمدير التنفيذي لنداء تونس)، هم أيضا لديهم ملفّات".