أعلن المجلس العسكري لمدينة
مصراتة (غرب) سحب اعترافهم من حكومة الوفاق الوطني، مما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت جميع
كتائب مصراتة أكبر داعم عسكري للمجلس الرئاسي قررت الإطاحة بهذا الأخير وإعادة الوضع إلى ما قبل اتفاق الصخيرات في نهاية 2015.
جاء ذلك في بيان تناقلته عدة وسائل إعلام ليبية، الأحد الماضي، وظهر فيه قائد لواء الصمود وأحد قادة تحالف فجر
ليبيا (السابق) صلاح بادي، الذي سبق ورفض الاعتراف بشرعية المجلس الرئاسي، وانحاز لحكومة الإنقاذ.
ودعم البيان الهجوم الذي قامت به القوة الثالثة (التابعة للمجلس ولحكومة الوفاق والتي يتحدر أغلب عناصرها من مصراتة) على قاعدة براك الشاطئ التي تسيطر عليها قوات موالية لخليفة
حفتر قائد القوات المدعومة من مجلس النواب في (طبرق)، والتي أوقعت 141 قتيلا أغلبهم من قوات حفتر.
وأكد البيان تبعية المجلس العسكري لمصراتة، واتحاد الثوار والأهالي للمؤتمر الوطني العام (برئاسة نوري أبو سهمين) ولحكومة الإنقاذ بقيادة خليفة الغويل في طرابلس.
ودعا ثوار ليبيا إلى إعلان النفير وتقديم الدعم والمساندة للقوة الثالثة في الجنوب.
وفي هذا السياق، أوضح المحلل السياسي الليبي جمال ناجي زوبية، أن المجلس العسكري لمصراتة بقيادة العميد إبراهيم بن رجب، الذي يضم نحو 270 كتيبة، يسعى من خلال هذا البيان إلى الضغط على المجلس الرئاسي بقيادة
السراج، للتراجع عن مواقفه التي أدان فيها القوة الثالثة.
واستبعد زوبية، أن تقوم كتائب مصراتة بالإطاحة بحكومة الوفاق الوطني، لكنها تمارس ضغوطا عليها.
وأشار إلى أن المجلس العسكري لمصراتة يتبع شكليا لحكومة الوفاق من أجل الحفاظ على مرتبات عناصره فقط.
ولفت إلى أن المجلس العسكري لمصراتة كان ينتظر إدانة قصف طيران حفتر لبلدات (هون، وودان، وسوكنة) بمحافظة الجفرة (جنوب)، عقب يوم واحد من الهجوم على قاعدة براك الشاطئ الجوية، الخميس الماضي، لكن هذه الإدانة لم تحدث مما أثار غضب المجلس العسكري.
واعتبر المحلل السياسي المتحدر من مصراتة والمقيم حاليا في بريطانيا، أن رفع قوات بن نائل، المتمركزة في قاعدة براك الشاطئ شعارات مناوئة لأهالي مصراتة، في الاستعراض العسكري الذي شاركت فيه في منطقة توكرة شرقي البلاد، كان أحد الأسباب التي أدت إلى هجوم القوة الثالثة على براك الشاطئ كاستباق لأي هجوم لقوات حفتر على مصراتة أو طرابلس أو سبها وقاعدتها الجوية تمنهنت.
ويعد المجلس العسكري لكتائب مصراتة، أقوى كتلة عسكرية في الغرب الليبي، لكنه أعلن في يناير/كانون الثاني الماضي، حلّ نفسه وانضم للمنطقة العسكرية الوسطى، الخاضعة لسلطة حكومة الوفاق، إلا أن عدة كتائب تابعة له رفضت الاعتراف بحكومة الوفاق، وأبقت على ولائها لحكومة الإنقاذ التي يتحدر رئيسها من مصراتة أيضا.
وسبق لمجلس أعيان وحكماء مصراتة، أن أدان تصريحات لوزير الخارجية في حكومة الوفاق محمد الطاهر سيالة، في 8 مايو/ أيار الجاري، وصف فيها خليفة حفتر بـ"قائد الجيش الليبي".
وتسود ليبيا حالة احتقان شديدة بعد هجوم قامت به القوة الثالثة التابعة لحكومة الوفاق الوطني، على قاعدة براك الشاطئ الجوية، أوقع 141 قتيلا أغلبهم من قوات حفتر، وأدان المجلس الرئاسي الهجوم وقرر إيقاف وزير الدفاع المهدي البرغثي عن العمل، وكذلك جمال التريكي قائد القوة الثالثة، "إلى حين تحديد المسؤولين عن خرق الهدنة ووقف إطلاق النار".
كما لاقى الهجوم إدانات أممية ودولية، خاصة من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ومبعوثه إلى ليبيا مارتن كوبلر، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي ومصر وتونس.
ونفت وزارة الدفاع بقيادة مهدي البرغثي، إصدارها قرارا بالهجوم على القاعدة المذكورة، لكنها حملت قوات حفتر مسؤولية القتال في الجنوب، بعد أن هاجمت قوات اللواء 12، في 23 مارس/ آذار الماضي، قاعدة تمنهنت الجوية، ومدينة سبها (750 كلم جنوب طرابلس) التي تتواجد بهما قوات تابعة لحكومة الوفاق.
لكن المجلس الأعلى للدولة (هيئة استشارية نيابية) رفض قرار توقيف البرغثي والتريكي إلى حين انتهاء التحقيقات، وانتقد، في بيان له، عدم اتخاذ السراج موقفا مماثلا بشأن وزير الخارجية محمد سيالة، الذي وصف حفتر بأنه "قائد الجيش الليبي".
وفي تحدٍ لقرار المجلس الرئاسي، جرى استقبال وزير الدفاع مهدي البرغثي بشكل رسمي بعد عودته إلى طرابلس من رحلة علاجية في تونس، كما عقد اجتماعا مع قيادات البنيان المرصوص، التابعة لحكومة الوفاق الوطني، والتي تتشكل في معظمها من كتائب مصراتة، مما يطرح مجددا تساؤلات حول حجم تبعية القوات الموالية للمجلس الرئاسي لرئيسه فائز السراج.
جمال التريكي، قائد القوة الثالثة، من جانبه نفى في تصريحات صحفية، تبليغ قواته بأي هدنة في جنوب ليبيا لوقف الاشتباكات مع قوات حفتر، وقال، إن "القوة الثالثة تأتمر بأوامر فايز السراج، ونائبه عبد السلام كاجمان (قيادي في حزب العدالة والبناء)، ولديها إثباتات مكتوبة وصوتية تثبت تلقيها تكليفات وأوامر شفهية مسجلة بالصوت لهما لمهاجمة براك الشاطئ".
هذا الشد والجذب، بين المجلس الرئاسي من جهة، ووزارة الدفاع، ومن ورائها كتائب مصراتة والقوة الثالثة والمجلس الأعلى للدولة من جهة ثانية، من شأنه تقويض الاتفاق السياسي الموقع في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015 بالصخيرات المغربية، ودفع الأوضاع للتأزم في الجنوب بعد انهيار الهدنة الهشة.
ويبدو أن أكبر المستفيدين من هذا التأزم، هي قوات حفتر الساعية للسيطرة على إقليم فزان، ولن يتم ذلك إلا بإخراج القوة الثالثة من الجنوب، أما المستفيد الثاني فهي حكومة الإنقاذ في طرابلس، والتي تستثمر في الخلافات بين المجلس الرئاسي وداعميه السياسيين والعسكريين، من أجل العودة إلى المشهد السياسي من جديد.