مع تصاعد الجدل حول اتجاه الحكومة المصرية لتغيير شكل العملة المحلية، تتبادر إلى الأذهان تساؤلات عدة بشأن الدوافع والأسباب التي تجبر الحكومات على تغيير عملتها المحلية، وأبرز الدول التي غيرت أشكال العملة الوطنية، والآثار الاقتصادية التي ترتبت على ذلك.
أكد خبراء ومحللون اقتصاديون، في تصريحات لـ
"عربي21"، أن هناك عدة أسباب رئيسية تجبر الدول على تغيير شكل عملتها أبرزها، انتشار تزوير العملة بشكل مكثف، ورواج سوق الأموال السوداء، إلى جانب انفلات معدلات
التضخم بشكل تصبح قيمة العملة المحلية لا وزن لها أمام العملات الأجنبية الأخري، وكذلك ارتفاع معدلات تهريب أموال الدولة إلى الخارج وخاصة في حالة الحروب، أو إفلاس الدولة وعدم قدرتها على سداد التزاماتها.
وقال المحللون أن هناك إيجابيات وسلبيات لقرار تغيير شكل العملة المحلية، تختلف باختلاف طبيعة اقتصاد الدولة، ومدى قدرة الدولة على إدارة سياساتها النقدية.
وتتمثل أبرز إيجابيات تغيير شكل العملة، - بحسب المحللين- في جذب مدخرات المواطنين إلى القطاع المصرفي للدولة، بينما تتمثل أبرز سلبيات ذلك في تكلفة إصدار العملة الجديدة، وزيادة الطلب على العملات الأجنبية نتيجة اتجاه غالبية المواطنين لتحويل مدخراتهم لتلافي الضوابط التي تضعها الحكومات على عمليات السحب الكاش بعد إيداع كل مدخراتهم في
البنوك، ما يؤدي إلى سعر صرف العملات الأجنبية أمام العملات الأجنبية لزيادة الطلب عليها.
وخلال السنوات الأخيرة الماضية، اضطرت عدة دول إلى تغيير شكل عملتها المحلية، على الرغم من الدوافع والأسباب التي اختلفت من دولة إلى أخرى، ومن أبرز هذه الدول الهند، فنزويلا، تركيا، الأرجنتين، البرازيل، استراليا، تركمانسـتان، انجلترا، وعربيا السعودية والمغرب.
ورصدت "
عربي21" 4 تجارب للدول التي غيرت شكل عملتها، منها تجربتين على الأقل لم تلق
بآثار سلبية على الاقتصاد المحلي، أو تشكل عبئا على المواطنين في
تغيير العملة القديمة إلى العملة الجديدة، كما في تركيا والسعودية، وتجربتين ترتب عليهما احتجاجات شعبية واسعة، وآثار سلبية كبيرة على المواطنين، كما في الهند وفنزويلا.
الهند
مرت الهند بتجربة مريرة بعد قرار السلطات الهندية، في نوفمبر الماضي، بإلغاء التعامل بعملات من الفئات الكبيرة، والتي تمثل أكثر من 80% من العملة المتداولة في الهند. وحض رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، الشعب الهندي على المساعدة في القضاء على الفساد والتهرب الضريبي وتنظيف البلاد من الأموال السوداء، وتحمل الآثار السلبية المترتبة على قرار تغيير العملة.
ومع تصاعد الغضب الشعبي من طول الانتظار في طوابير تغيير العملة أمام البنوك وماكينات صرف النقود، ومطالبات شعبية وسياسية بإلغاء القرار، منحت السلطات المواطنين فرصة شهرا، لاستبدال العملات القديمة التي بحوزتهم أو إيداعها في حسابات مصرفية.
وأدى القرار لتعثر الملايين من الشعب الهندي لعدم قدرتهم على سحب أموال لتغطية نفقاتهم اليومية وشراء متطلباتهم الأساسية من الغذاء ودفع نفقات المواصلات، خاصة في ظل وجود اعتماد كبير على التعاملات النقدية.وزاد من المعاناة إعلان وزير المالية تأخر ضخ الفئات النقدية الجديدة في ماكينات صرف النقود بسبب مشكلات تقنية.
كما اشتكى العديد من المواطنين البسطاء، الذين لا يمتلكون حسابات مصرفية ويحتفظون بالأموال في منازلهم، من ضياع جميع مدخراتهم وتراجع قيمتها.
فنزويلا
كانت فنزويلا من أغنى دول أميركا اللاتينية حتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وكانت أكثر الدول سعادة، إلى أن وصل بها إلى تجاوز معدلات التضخم 400 في المئة، واضطرت السلطات إلى طبع العملة دون رصيد اقتصادي، وخسر البوليفار الفنزويلي ما يتجاوز 60% من قيمته في شهر واحد فقط وذلك خلال نوفمبر الماضي، مقابل الدولار الأميركي بالسوق السوداء، وسجل سعر الدولار الواحد نحو 4000 بوليفار.
وأصبحت المؤسسات الحكومية في فنزويلا، التي تمتلك أكبر احتياطي من النفط في العالم، تعمل يومين فقط من الأسبوع في محاولة من الحكومة لخفض فاتورة استهلاك الكهرباء والمياه يرافق ذلك نقص كبير في السلع الغذائية والدواء وغيرها من الضروريات مما جعل هذا البلد يعاني أكثر من زيادة معدل الجريمة بسبب الضغوط التي يتعرض لها الشعب الفنزويلي وفقا لتقارير دولية وعالمية.
يذكر أن قوة الاقتصاد الفنزويلي قبل انهياره والتي استند عليها الرئيس السابق هوجو تشافيز طيلة فترة حكمه، كانت عبر النفط، حيث اعتمدت اعتمادا كليا على البترول كمصدر وحيد لاقتصادها وناتجها الإجمالي.. كما أن سياسة تشافيز في التأميم والمصادرة دفعت المستثمرين للهروب برؤوس أموالهم الضخمة إلى الخارج، ما أدى إلى انهيار القطاع الخاص.
وقرر الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، في ديسمبر / كانون الأول الماضي، إلغاء العملة من فئة 100 بوليفار، وقامت الحكومة الفنزولية بطرح أوراق نقدية بقيمة 500 و5000 بوليفار، ستتبعها طباعة فئات من 1000 و2000 و10000 و20000 بوليفار، لتدخل في الدورة النقدية خلال النصف الأول من العام الجاري 2017.
تركيا
وفي تركيا بعد أن بلغ سعر صرف الليرة التركية عام 2005، نحو مليون و514 الف ليرة للدولار، قامت الحكومة التركية في تجربة اقتصادية ناجحة، باستبدال العملة القديمة وسحبها من التّداول عام 2005، حيث طرحت بدلاً منها العملات الجديدة الخالية من الأصفار، ومنحت المواطنين فترة 10 سنوات لاستبدال عملاتهم القديمة بالعملة الجديدة وذلك من مقر البنك المركزي وفروع بنك "زراعت" الحكومي.
وفي 1 يناير/ كانون الأول 2009، طرحت الحكومة التركية ورقة بفئة 200 ليرة بعد أن كانت الـ100 ليرة هي أكبر ورقة مالية متداولة، وتم تغيير شكل العملة وزيادة تأمينها وصعوبة تزويرها، حيث تم وضع 10 علامات على العملات الورقية بدءا من الليرة الواحدة إلى المائتي ليرة.
وأضاف يلماظ أن تكلفة حملة الترويج لاستخدام العملة الجديدة بلغت 14 ر1 مليار يورو، فى حين أن تكلفة تغيير الليرة الجديدة بالليرة السابقة يتراوح ما بين 11 إلى 12 ليرة لكل ورقة بنكنوت.
وفي أبريل/ نيسان 2016، أعلن البنك المركزي التركي عن انتهاء فترة تبديل العملة التركية القديمة ذات الأصفار الستة مع نهاية العام 2016. وحذّرت إدارة البنك المواطنين بالإسراع في عملية تبديل العملة القديم الموجودة في حوزتهم بالعملة الجديدة الخالية من الأصفار.
ورسميا، فقدت العملة القديمة صلاحيتها منذ تاريخ 1 كانون الثاني/ يناير عام 2016، حيث لم يعد بإمكان المواطنين الأتراك منذ ذلك التاريخ، تغيير العملات الموجودة في حوزتهم.
وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15يوليو/تموز 2016. أصدرت سلطة النقد التركية نسخا معدنية جديدة من عملة الليرة التركية تحمل صورا ورموزا جديدة تكريما للقتلى والجرحى الذين سقطوا في أثناء محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها عدد من ضباط الجيش التركي، ضد الرئيس رجب طيب أردوغان.
السعودية
وفي 26 ديسمبر 2016، أعلنت مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" طرح الإصدار السادس من العملة الورقية والمعدنية للتداول والمرسوم عليها صورة العاهل السعودي الحالي الملك سلمان بن عبد العزيز.
وقال محافظ "ساما"، أحمد الخليفي، إن سيتم تداول الإصدار الجديد جنبا إلى جنب مع العملة المتداولة حاليا، ولتلبية احتياجات السوق من النقد، فسوف تستمر المؤسسة في طرح ما لديها من مخزون من الإصدار الخامس للعملة.
وبررت مؤسسة النقد إصدار العملة المعدنية لفئة الريال الواحد، بتأكيدها أنه "مع ارتفاع كميات فئة الريال الواحد الورقي في التداول، الذي أصبح يشكل نصف عدد الأوراق النقدية المتداوَلة، زادت التحديات التي تواجه المتعاملين بالنقد، بما في ذلك المؤسسة والبنوك والمحال التجارية، ما فاقم صعوبة عد وفرز الكميات الضخمة منها".
وأضافت مؤسسة النقد: "وعليه، فقد تقرر أن يحل الريال المعدني تدريجيا محل الريال الورقي، إذ إن سك وتداول الريال المعدني له العديد من الآثار الإيجابية على الاقتصاد السعودي، فالعمر الافتراضي للعملة المعدنية يقدر بما بين 20 و25 سنة، مقارنة بالعمر الافتراضي للعملة الورقية الذي يقدر بما بين 12 و18 شهرا، حسب ظروف تداولها".
وقالت المؤسسة: "أظهرت الدراسات أن إضافة فئة جديدة إلى فئات العملة المعدنية ستؤدي إلى تقليل عدد القطع المعدنية التي يحملها الشخص، وتساعد على إيجاد نوع من التوازن بين العملتَيْن المعدنية والورقية، خاصة ما دون فئة (الخمسة ريالات الورقية)، وهي الممارسة المعتادة في العديد من الدول. وبناء عليه، تقرر إصدار فئة نقدية معدنية جديدة للتداول، قيمتها ريالان".