استعرض جنرال
إسرائيلي سابق، مجموعة من الأحداث المهمة التي وقعت في المنطقة مؤخرا، والتي يتوجب على "إسرائيل" حيالها أن تتعلم الدرس وتأخذ الحذر وتبدي التصميم، في رسم خطوط حمراء لأعدائها حتى وإن كان ثمن ذلك مواجهة عسكرية.
تغييرات في المحيط السياسي
وفي سياق الدروس التاريخية المفيدة، رأى الجنرال الإسرائيلي يعقوب عميدرور، رئيس هيئة الأمن القومي الإسرائيلي السابق؛ بأن "إسرائيل كدولة صغيرة، ملزمة بأن تأخذ في الحسبان العالم المحيط والواقع الذي تعمل فيه، كي تمتنع عن إدخال نفسها في أوضاع من شأنها أن تجعل من الصعب حماية مصالحها، كما يجب عليها أن تتمكن من الدفاع عن نفسها بنفسها".
وأشار عميدرور في مقال له اليوم بصحيفة "إسرائيل اليوم"، إلى وقوع عدة تغييرات في المحيط السياسي مؤخرا، و"كل واحد يمتلك إمكانية كبيرة للتأثير، منها؛ الهجوم الأمريكي في
سوريا واستعدادات الإدارة الأمريكية تجاه
كوريا الشمالية"، مضيفا: "هذا يشي بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يريد أن يعيد للولايات المتحدة مصداقيتها كقوة عظمى، حتى بعد الموافقة الأمريكية للسماح لإيران بدائرة تخصيب نووي نشطة في إطار ضيق".
ولفت الجنرال، إلى أن روسيا استغلت الضعف الأمريكي بالتوقيع على الاتفاق النووي مع إيران وقامت بنشر قواتها في سوريا، منوها إلى أن "آثار الصراع الذي يدور بين أمريكا وروسيا على طريق إعادة المصداقية، ويجري على مقربة من إسرائيل؛ هام للغاية".
فلدى "إسرائيل مصلحة مباشرة من نتائج الحرب في سوريا، والتي أصبحت بعد الهجوم الأمريكي جزءا من الصراع بين روسيا وأمريكا"، بحسب عميدرور الذي أكد أن "إسرائيل لا تريد أن ترى إيران أو حزب الله كجزء من القوات المسيطرة في سوريا على مقربة منها؛ وهما المساعدان الرئيسيان لسوريا في الحفاظ على حكم بشار الأسد".
وقال: "لن يكون سهلا على إسرائيل المناورة بين هذه القوات المتضاربة، ولكن يجب عمل ذلك بالحذر الجدير بدولة صغيرة ولكن بتصميم لا يسمح بتجاهل المصلحة الإسرائيلية".
نشاط إسرائيلي يستغل الخصومات
وحول التغيير الثاني الذي حدث في المنطقة، أوضح الجنرال الإسرائيلي، أن "الثورة التي تجري في تركيا، ذروتها هي
الاستفتاء الشعبي، الذي عند تطبيقه سيمنح الرئيس صلاحيات غير محدودة تقريبا".
وتابع: "إن تركيا السنية وهي الأكثر تحفظا ستكون أقرب إلى فكر الإخوان المسلمين، وسيكون من الصعب عليها العمل بتعاون مع الدول السنية العربية مثل؛ مصر، السعودية والأردن، لأن العرب لن يوافقوا على زعامة تركية"، معتبرا أن "التقدير السليم في المستقبل، يشي بظهور خلافات غير بسيطة بين الشيعة بقيادة إيران وتركيا التي تدعي قيادة السنة"، وفق تقديره.
وأوضح عميدرور، أن "إسرائيل في الوضع الناشئ قد تشكل العنصر الأهم في منظومة شرق أوسطية واسعة يبرز فيها ثلاثة مراكز قوى هي؛ العربي - السني، الشيعي - الإيراني والتركي"، منوها إلى أنه "ليس لأي من مراكز الثقل سابقة الذكر؛ صديق طبيعي لدولة اليهود، ولهذا فإن عليها أن تناور بعقل وأن تستغل قدراتها كي تحسن علاقاتها مع كل من يبدي الاستعداد لذلك، وفي نفس الوقت يجب أن تعطل كل من يهددها".
وأضاف: "يبدو هذا معقدا وحساسا جدا، ولكنه يتيح مجالا لنشاط إسرائيلي يعرف كيف يستغل على نحو سليم؛ الفوارق والخصومات بين العناصر الثلاثة الكبرى هذه، كما أن لدى إسرائيل القدرة على المساهمة عند الحاجة في تقدم المصالح المشتركة".
وذات مرة تحدثنا عن "حلف الأقليات؛ الذي تكون فيه إسرائيل عنصرا هاما"، أما اليوم - يقول الجنرال – فإن المحرك لهذه التحالفات، وخاصة مع الدول العربية السنية، هي مصالح الدفاع القائم ومنع نجاح من يسعى لخرق الوضع الراهن، ولا سيما إيران وعناصر سلفية في أوساط العالم السني"، وفق قوله.
ولفت رئيس هيئة الأمن القومي الإسرائيلي السابق، إلى أن "نتيجة الحرب ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا يمكنها أن تؤدي بطريقة ملتوية لتعزيز المكانة المستقلة للأكراد في العراق وسوريا أيضا؛ وهذا بدوره سيؤدي إلى تغيير جغرافي واستراتيجي واسع في المنطقة".
الخوف من الرد التركي الحاد
ومضى يوضح؛ "المعنى العملي لذلك، هو تقسيم سوريا والعراق بناء على خطوط هيكلية طائفية ودينية، وهذه الخطوة يمكنها أن تؤدي إلى تفككهما التام في المستقبل"، مبينا أن "التهديد الأكبر للاستقلال الكردي سيكون تجاه تركيا، حيث توجد الأغلبية الساحقة من الشعب الكردي".
وأكد عميدرور، أن انفصال الأكراد عن تركيا "له معان إقليمية كبيرة للغاية، وعليه فإن الأتراك سيفعلون كل ما في وسعهم، بما في ذلك اجتياح المناطق الكردية في سوريا لمنع مثل هذا التطور، كما أن الخوف من الرد التركي الحاد هو الذي يمكنه أن يمنع هذا التطور، ولا سيما عقب امتناع أمريكا عن دعم الأكراد".
وفي سوريا نفسها "لا يبدو أن نهاية المعارك قريبة، أو أن القتال الداخل يوشك على الانتهاء"، بحسب الجنرال، الذي قال: "لقد كان يخيل للروس (للحظة) بأنهم نجحوا في حمل المعارضة إلى ما يشبه الاستسلام على طاولة المفاوضات، بعد صدمة حلب واستخدام الأسد للسلاح الكيميائي، لكن دخول أمريكا على الخط غير الوضع، ولا يبدو أن المحادثات ستستمر الآن".
ونبه الجنرال الإسرائيلي، إلى أن ما سبق هي بعض الأحداث الجارية، دون الحديث عن الضغط الداخلي في الأردن ومصر؛ الجارتين لإسرائيل والفلسطينيين.
وشدد عميدرور على أهمية أن توضح إسرائيل وعبر الاستخدام المقنن للقوة العسكرية، بأن هناك خطوطا حمراء من الأفضل لأعدائنا المختلفين ألا يجتازوها، وأن إسرائيل لن تسمح بوجود تهديدات جديدة وستتعامل معها في مهدها، حتى وإن كان الثمن مواجهة عسكرية.
وقال: "وعلى خلفية تلك الدروس والأحداث التي تتميز بها الرزنامة اليهودية، على إسرائيل أن تكون حذرة ومصممة".