كان من الممكن اعتبار الانتخابات التركية حدثا عاديا في لإطار الاحتكام إلى صناديق الاقتراع ومبدأ التداول السلمي على السلطة المعمول به في عدد كبير من دول العالم وبعض دول المنطقة
مشكلة هذا الجيل الجديد من الحكام الذي أعمته شهوة السلطة والمال، أنه يفتقد الحد الأدنى من الحس التاريخي، ولا يدرك قوانين الجغرافيا والاجتماع في هذه المنطقة من العالم
رغم أن هذا الجدل قد خفت بعض الشيء بعد تشكيل لجنة مختصة في الغرض، وتأجيل عرض نتائجها إلى مرحلة لاحقة، إلا أنه عاد مجددا وبصورة صاخبة على مشارف الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها بداية شهر أيار/ مايو القادم.
لا أحد يشك اليوم بوجود معركة ساخنة بين التوجهات الديمقراطية الإسلامية والتي يمكن تسميتها بالإسلام الديمقراطي، والتوجهات التسلطية المغلفة بطلاء إسلام المشيخات التسلطية أو الإسلام التيوقراطي.
كنت تحدثت في المقال الماضي عما أسميته بالحاجة إلى الليبرالية الإسلامية، وقد أثار ذلك موجة من الغضب والضيق لدى عدد واسع من القرّاء، وسيلا من التعليقات تراوحت بين الرفض القاطع والمستنكر، وبين والتحفظ والاعتراض.
ربما تكون كلمة ليبرالية قد اكتسبت معنى سلبيا في الثقافة العربية الإسلامية لاعتبارات كثيرة، بعضها يتعلق بالماضي القريب وبعضها الآخر يتعلق بالحاضر الراهن.
رغم كل ما قيل ويقال عن ثورة 25 يناير فإنها تظل من اعظم احداث هذا القرن السياسية في العالم العربي وربما في ما هو أبعد منه. ليس هناك حدث يضاهي في زخمه وقوة تأثيره حجم الثورة المصرية العظيمة. فقد نجح ذلك التدفق الجماهيري الهائل على ميدان التحرير وسائر ميادين مصر الكبرى في فرض تنحي مبارك بعد طول عناد.
تتجه بعض دول الخليج إلى انتهاج نوع من الليبرالية الجديدة على صعيد الثقافة والاقتصاد، ولكن من دون ليبرالية على مستوى السياسة وشؤون الحكم.. بل إن هذه الليبرالية الثقافية والاقتصادية يتم اللجوء إليها هروبا من الاستحقاق السياسي وإضفاء جرعة من الليبرالية السياسية.
رغم أنه لا يمكن تفسير كل شيء بالمؤامرات والدسائس الخارجية، إلا أنه من السذاجة بمكان إنكار وجود استراتيجيا إقليمية تقودها بعض دول الخليج تعمل جاهدة على إطفاء جذوة التغيير التي انطلقت في تونس، .وأمامنا كم من الوثائق والتسريبات التي تبين وجود مثل هذا المخطط الذي يشتغل على الأرض بقوة المال والإعلام.
لم تكن الخطوة الأخيرة التي أقدمت عليها دولة الإمارات بمنع كل التونسيات، ومن دون تمييز، من السفر على الخطوط الإماراتية، سوى حلقة في سلسلة مترابطة ضمن سياسة ثابتة انتهجتها إزاء تونس..