ستجد (تصديقا لما نذهب إليه) أن كل المراكز التجارية والأماكن السياحية والشركات الكُبرى.. إلخ، بل وحتى المنتديات الثقافيَّة؛ تُخصص غُرفا منزوية للصلاة، تقع عادة في أحقر أماكن البناية أو التجمُّع
كل نشاط إنساني يحتاج روَّادا ومُجددين يخلقونه خلقا كل حين، سواء من عدم أو ببثّهم فيه الروح حين يهبونه كل طاقاتهم؛ لتأكل تفاصيله حيواتهم فعليّا، وتتغذَّى صحوته على وجودهم. هؤلاء الرواد هم أهم عناصر نهضة أي مجال إنساني بإطلاق
الروح التي يُريد مولانا بثَّها لا يبُثَّها في الهواء، وإنما هي روح ينفخها بالأصل في سالك الطريق، ثم في العلوم الكسبيَّة التي حصلها طلابه، وصارت جُثثا هامدة لا روح فيها. إنه لا يُريد منهم هجر العلم وطلبه بالكليَّة، وإنما يُريد منهم البدء به، وتجاوزه كما يتجاوز السالك درجات السلم
لقد أساء كثير من العجم وأكثر العرب تأويل شعر جلال الدين، وحمله على عكس مقصوده. وما بين زندقة أشباه المثقفين المحدَثين، الذين يُريدون اتخاذ مفهوم "الحب" عند مولانا بابا للإباحية والتفلُّت من التكليف؛ وجحود غُلاة المتسلِّفة الذين لا يؤمنون بما وراء عالم الشهود
إن الوظيفة الأساسية للعُصبة المؤمنة مُستمدَّة من وظيفة الأمة، وهي تكثيف لوظيفة الأمة وتركيز لها، إنها وظيفة أخلاقيَّة: وظيفة مراقبة اضطلاع مجموع الأمة بوظيفته الأخلاقية تجاه الإنسانية..
هذه المسؤولية لا تقتضي الوعي السياسي والاقتصادي والاجتماعي فحسب، ولا تُغني فيها الشعارات والترهات والجماعات والأحزاب، ومدى صلابتها التنظيمية أو حجم جماهيريتها الآنية أو قدرتها الدعائية على إشباع الحاجات الديماغوغية للجماهير. إن هذه المسؤولية أخلاقية في المقام الأول
لقد تطوَّرت تلك المعارك واكتسبت ذلك الزخم الهائل بالإعلام، وليس بما تحمله أو تدافع عنه، وكأنها شهوة ظهور محضة ولذَّة شبقيَّة لا تتحقَّق إلا بالمبارزة العلنية. مبارزة أفكار ومقولات نخبويَّة هشَّة لا قيمة لها في الواقع ولا وزن.
إن أي تغيير ينتظر وقوعه في مثل هذا المجتمع المنخور يجب أن يبدأ تربويّ، وبصورة راديكالية عميقة تعزِل النشء شعوريّا عن الفساد المتأصل اجتماعيّا ونفسيّا، للحد من حجم مؤثراته التي تنتقِل من الآباء إلى الأبناء. وهذا يقتضي وعيا متوهِّجا من الآباء، ويقضي عليهم بأن يحيوا حياة مزدوجة.
وإذا كانت السردية الأمنية عن سيد قُطب، بوصفها السرديَّة الأعلى صوتا بقوَّة السلاح، قد أوجدت ارتباطا دائما لازما (ارتباطا صلبا لسبب بنتيجة) بين من أخذ عن قطب وانتسب إليه، وبين الرجل نفسه، فإن هذا الارتباط "التآمُري" يلزم كشفه وإظهاره وإبراز ملامحه في حقبة "ما بعد الإسلام السياسي" التي ننتقل إليها
ليس التصوف محض تزكية رهبانية تنسحب بها النفس من الوجود وتنفصِل عنه. صحيح أن هناك أمثلة عديدة لزُهاد ونُسَّاك من هذا النوع في تاريخ الإسلام العريض، لكنها ليست الأصل الذي ارتضاه الله لكل عباده، بل هي رهبانية فرديَّة افترضها بعض الصالحين على أنفسهم
كان المسيري، كأي عبقري؛ يبحث عن إجاباته الخاصة مهما كبَّدهُ ذلك من عناء، وليس عن إجاباتٍ مُقولَبة جاهزةٍ؛ تُريحه من عناء البحث والدراسة والاختبار والهضم والتأمُّل والتمثُّل والتفكيك وإعادة التركيب.
الإلحاد عمل قلبي، كما أن الإيمان عمل قلبي؛ حتى إن توهَّم البعض أن مجرَّد الكلام عن الإيمان دليل على إسلام القلب أو أنه قد يؤدي بالضرورة إلى إسلامه. لكن الحال الوحيدة التي قد يؤدي فيها الكلام عن الإيمان إلى اقتراب المتلقي منه بعض الشيء؛ أن يكون سردا لتجربة مشابهة نفسيّا، أو مكابدة قريبة روحيّا.
بدأت موجة الإلحاد(1) الحالية في مصر قبل أحداث 2011م بسنوات قلائل (2007- 2009م تقريبا)، وقد شَهِدتُ بنفسي بدايات تفشيها بين شباب الإسلاميين الحزبيين (الإخوان والسلفيين بشكل أساسي) من أبناء الطبقة الوسطى وسكان المدن، وذلك قبل انتقالها لغيرهم.
يُمكن رصد مؤشرات هذه الحال "الإلحادية" في سلوكيات فرديَّة وجماعيَّة تنظر إليها الغالبية باعتبارها شظايا غير مترابطة؛ لا تُعبر عن شيء أكبر أو قدر أعمق من الوحدة خلف التنوع