قضايا وآراء

ماذا أبقى السيسي من انتصار أكتوبر؟

1300x600
لم يفوت الرجل مناسبة ولا فرصة ظهور على العامة إلا وحيا الجيش الذي كان وزيرا لدفاعه، والذي استخدمه للوصول للسلطة عبر انقلاب عسكري على الإرادة الشعبية التي أتت برئيس شرعي عبر آليات الديمقراطية بعد ثورة عظيمة شهد لها العالم.

فلم يكن الرجل ليفوت مرة واحدة إلا ويتحدث عن الجيش وإخلاصه لهذا الوطن وتضحياته المستمرة واللا مقطوعة لهذا البلد وشعبه، بل واستعداد هذا الجيش لتقديم أكثر من المال الذي يدفعه أو الخدمات التي يقدمها فداء لهذا الشعب.

ومن باب فذكر، كان الرجل كثيرا ما يأتي على ذكر فضائل الجيش بهذا الانتصار العظيم الذي يتشرف به كل عربي ومخلص محب لعروبته ودينه، انتصار أكتوبر العظيم، هذا النصر الذي يعد فاصلة من فواصل التاريخ، والذي غيّر في المفاهيم الاجتماعية والاقتصادية ومفهوم الوحدة العربية، قبل أن يغير في المفاهيم العسكرية.

فأكتوبر كانت واحدة من الملاحم البارزة التي يجب أن يفتخر بها العرب كثيرا بين ملاحمهم وانتصاراتهم المجيدة التي حققوها على مدى تاريخهم، وبطولة تضاف إلى بطولات الشعب العربي قبل جيوشه. فالمواقف الشعبية كانت أسبق، وفاتحة لهذا النصر الذي حققه الجيش العربي بقيادة الجيش المصري المدعوم من كل الدول العربية اقتصاديا وعسكريا، والمواقف في ذلك كثير، فالحرب ضد المحتل الصهيوني لم تكن تهدف في الأساس لتحرير سيناء والجولان، بل كانت فصلا في كتاب الصراع العربي - الصهيوني المحتل في سبيل الهدف الأكبر المتمثل في تحرير فلسطين.

لكن السؤال: هل بقي من انتصرنا عليه في حرب 1973؛ العدو الذي حاربناه ونتذكر كل عام بفرح انتصارنا عليه؟

لقد قادت مصر حركات التحرر في الوطن العربي منذ 1952 وآلت على نفسها إلا أن تواجه الاستعمار في كل شبر من أرض العرب. ولقد كانت القضية الفلسطينية قضية مصر الأولى منذ عهد الملك، فخاض الجيش المصري ملاحم في فلسطين بغض النظر عن النتائج. وبالتوازي، قدم الشعب تضحيات أكبر مما قدمه الجيش الرسمي في معارك فلسطين، والمتمثل في المقاومة الشعبية المصرية التي قدمت كتائب شهد لها العدو قبل الحكومات العربية بالبطولة والتضحيات، وما كان ذلك إلا لعقيدة قاتل بدافعها المجاهد المصري في حرب اعتبرها عقدية.

في السابع والعشرين من أيلول/ سبتمبر الماضي التقى السيسي برئيس وزراء الكيان المحتل على هامش أعمال الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وبحسب المتحدث باسم السيسي، فإن اللقاء شهد بحث سبل إحياء عملية السلام، والعمل على التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن ما ستسهم به التسوية النهائية سيكون من وجهة نظر السيسي ونظامه تسوية عادلة للقضية الفلسطينية والتي ستوفر واقعا جديدا في الشرق الأوسط... انتهى كلام الناطق باسم النظام المصري.

لكن في اللقاء أورد السيسي جملة توضح ما هو الحل العادل من وجهة نظره، لقد قال السيسي لنتنياهو، بحسب موقع "i24News" العبري: "إنني أؤمن بك وأعوّل على مساعيك"، كلمات يجب ان يحاسب الجيش عليها السيسي، ذلك الجيش الذي طالما تفاخر السيسي بانتصاره على العدو الصهيوني.

فأما الإيمان، فهو من أعمال القلوب ولا يمكن أن نناقش السيسي فيه. فالرجل آمن بالصهيوني، وهو في ذلك حر، لكن أن يعول على مساعي نتنياهو، فهذا ما يجب التوقف عنده.

ماذا يمكن أن يسعى إليه نتنياهو سوى مصلحة كيانه التوسعي لكي يعول عليه رأس النظام المصري؟ وهل يعول السيسي على نتنياهو في الضغط العسكري على غزة ليساعده في ضغطه السياسي على فصائل المقاومة في القطاع؟

لم يكن ليسمع العالم عما يسمى بصفقة القرن إلا من رأس النظام المصري في لقائه مع راعي البقر الأمريكي خادم الكيان الصهيوني، والذي فعل ما لم يجرؤ رئيس أمريكي على فعله منذ اعتراف أمريكا بالدولة اللقيطة في 1948، هذه الصفقة التي يسعى رأس النظام المصري من خلالها إلى تحقيق ما يحلم به الصهاينة بإنشاء دولة كبيرة على كامل الأراضي الفلسطينية مع تهجير أهلها إلى سيناء ليضيع ما ضحى به الجيش المصري في أكتوبر، ويضيع ما ضحى به العرب من أجل تحرير فلسطين، في ضربة مزدوجة لا يحلم بها تيودور هرتزل نفسه.