نشرت مجلة "ذي ناشونال إنترست" الأمريكية مقالا للخبير العسكري دانيال ديفيس، يقول فيه إن أي عمل تفكر إدارة الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب بالقيام به يجب أن يركز على النتائج الاستراتيجية له.
ويقول ديفيس: "يجب القيام بالعمليات التكتيكية فقط بصفتها وسيلة لتحقيق الأهداف القومية للقائد العام، وبناء على بعض الأحداث الأخيرة يبدو أن هذا المفهوم غير واضح لعدد كبير من المسؤولين الكبار في البيت الأبيض والبنتاغون، فتسريع المعركة ضد
تنظيم الدولة يحقق تقدما تكتيكيا، لكنه يصيب أمريكا بجروح استراتيجية هي المتسببة بها".
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه تم طرح الأدلة على شكل صور الأسبوع الماضي، عندما خرجت التقارير لتقول بأن الغارات الجوية الأمريكية ضد تنظيم الدولة في
الموصل أدت دون قصد إلى قتل أكثر من 200 مدني بريء، حيث اعترف مسؤولون أمريكيون كبار بأن الطائرات الأمريكية هاجمت المنطقة، ووعدت بتحقيق كامل، لكن التعليقات التي جاءت بعد ذلك لم تساعد.
وتنقل المجلة عن القائد الأمريكي في
العراق وسوريا الفريق ستيفين تاونزإند، قوله إن القتال في الموصل هو "الأصعب والأكثر وحشية، حيث يتم في شوارع متلاصقة، وهو ما لم أواجهه في خدمتي العسكرية التي بدأت منذ 30 عاما"، لكنه ركز على أن وقوع الضحايا المدنيين لم يحصل بسبب التخفيف من قواعد الاشتباك، وأضاف: "ما لم يتغير هو اهتمامنا وحذرنا وتحملنا للضحايا المدنيين.. لم يتغير شيء من هذا".
ويورد ديفيس أنه لتأكيد تصريح الفريق، فإن المتحدث باسم الجيش الأمريكي في بغداد جوزيف سكوروكا قال إن واشنطن تضع "أعلى المعايير لحماية المدنيين، حيث أن تفانينا وانضباطنا في تنفيذ عملياتنا القتالية مع حماية المدنيين في الوقت ذاته لم يسبق لهما مثيل في تاريخ الحروب".
ويعلق الكاتب قائلا إنه "يمكن فهم أن هذه الكلمات منهما لم تكن لتريح عائلات المئتي ضحية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن تقريرا لصحيفة (واشنطن بوست) أرسل من المنطقة وجد أن الارتفاع الكبير في أعداد المدنيين الذين يقضون في الغارات الجوية الأمريكية في العراق وسوريا ينشر الذعر، ويعمق الارتياب، ويتسبب بالاتهامات بأن أمريكا وشركاءها يتصرفون دون إعارة أي قيمة لحياة غير المقاتلين".
وتلفت المجلة إلى أن مؤسسة "إيروورز"، وهي مؤسسة غير ربحية، تقوم بمتابعة تقارير الغارات الجوية في العراق وسوريا وليبيا، نشرت تقارير حول الضحايا المدنيين للغارات الجوية الروسية في
سوريا، لكنها أغرقت في الشهرين الأخيرين بالتقارير عن زيادة الغارات الجوية الأمريكية، التي تسببت بضحايا مدنيين، مشيرة إلى أنه للمرة الأولى منذ عام 2015، فإن عدد الضحايا المدنيين للغارات الجوية الأمريكية زاد عن الغارات الجوية الروسية، بالإضافة إلى أن الكثير من المواطنين العراقيين، الذين كانوا يطالبون بالمزيد من المساعدة الأمريكية، باتوا مصدومين ويحاولون فهم لماذا يقتل الكثير منهم.
وينوه ديفيس إلى أن الجنرال تشارلز دونلاب من سلاح الجو الأمريكي كتب في أحد منشورات جامعة ديوك، بأن مسؤولية وقوع الضحايا المدنيين في الموصل لا تقع على عاتق الطيران الأمريكي بل على تنظيم الدولة، ودعا إلى الشجاعة في الاستمرار في الحملة للتخلص من تنظيم الدولة، بالرغم من وقوع الضحايا المدنيين الذين قد يسقطون في العملية.
وتستدرك المجلة بأن رأي ابتسام عطا الله، البالغة من العمر 44 عاما، لا يتفق مع ذلك، فتقول: "لقد قتلوا معظم من في الحي لأجل عنصر واحد من تنظيم الدولة ولم يقتل.. أنا لا أفهم ذلك"، لافتة إلى أنه "بغض النظر عن المبررات وعدمها، فإن هذه العمليات مهما كانت فعالة تكتيكيا فإنها مضرة بالمصالح الأمريكية".
ويقول الكاتب: "سيرى المواطنون في العراق وفي سوريا أن العمليات العسكرية الأمريكية تستخدم لقتل أعداء أمريكا دون إعارة أي اهتمام للمدنيين الأبرياء، ولن يصدق أحد بأننا بذلنا جهودا كبيرة لمنع وقوع ضحايا مدنيين".
ويذهب ديفيس إلى أن "الحقيقة الصعبة هي أن صانعي السياسة الأمريكيين فشلوا في إدراك الآتي: حتى بعد قتل مقاتلي تنظيم الدولة في الموصل والرقة وطردهم منهما في النهاية فإنه لن يكون التهديد الإرهابي لأمريكا قد انتهى، أو أنه أصبح أقل من ذي قبل، فسيختفي تنظيم الدولة تحت الأرض، كما فعل تنظيم القاعدة بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، وستظهر مجموعات متطرفة أخرى بكل تأكيد، وسيكون الناجون من الغارات الأمريكية، الذين وقع أقاربهم ضحايا، والذين هدمت بيوتهم، عرضة للتطرف والانضمام لتك المجموعات".
ويرى الكاتب أن "إخراج تنظيم الدولة من الموصل والرقة سينجح على المستوى التكتيكي، لكن وبسبب المآسي غير المقصودة، مثل الغارات الخاطئة في الموصل، فإن أفعالنا عن غير قصد منا، وإن كان يمكن توقع ذلك، تحقق مكاسب استراتيجية للإرهابيين الإسلاميين المتطرفين".
ويقول ديفيس: "نعم إن تنظيم الدولة بربري وإرهابي، ويتعمد وضع المدنيين الأبرياء في مرمى النار، وأحيانا يستخدمهم دروعا بشرية، وأحيانا أخرى يحاصرهم في طريق الخطر ليقتلوا مع مقاتلي التنظيم، وهم يدركون أنه عندما تقتل قوات التحالف مدنيين فإن عناوين الأخبار في أنحاء العالم ستركز على من أطلق القنابل -حتى عندما تتسبب الغارات عن طريق الخطأ بضحايا مدنيين- وليس على من وضع المدنيين في ذلك المكان، وسيكون الأمريكيون هم الملامون".
ويبين الكاتب أن "الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين يقومون بالتلاعب في تلك العناوين وتشويهها، ثم يقدمونها على أنها (دليل) على استهداف أمريكا للمسلمين، وهو ما سيساعد على تجنيد المزيد من الإرهابيين ليحلوا محل من قتل في العمليات المختلفة، بالإضافة إلى أنه سيحرك الكثير حول العالم للقيام بعمليات فردية، أو ما يوصف بهجمات الذئب الوحيد، أو أن يدعموا فكرهم المنحرف واللاإنساني".
ويخلص ديفيس إلى القول إن "أمريكا محقة في مكافحة تنظيم الدولة، وبأن تفعل ما يلزم لحماية مصالح الأمريكيين وأرواحهم، ويجب أن نتبع استراتيجية معقولة وهادفة، وأن نتوقف عن القيام بأفعال تقدم نجاحا تكتيكيا لكنها تتسبب بخسائر استراتيجية، كما يحصل الآن".