نشرت صحيفة "إندبندنت" تحقيقا موسعا عن الدور الذي بات يمثله موقع "
بريتبارت نيوز" في السياسة الأمريكية، خاصة بعد فوز دونالد
ترامب في الرئاسة الأمريكية العام الماضي.
وتتحدث الصحيفة في البداية عن استقالة أهم تلاميذ ونجوم محررها السابق
ستيف بانون، وهو ميلو
ييانوبولس المعروف بمقالاته الاستفزازية، التي لا تلتزم بالقيود، مشيرة إلى أن ييانوبولس أثنى على بانون بعد تعيينه مسؤولا للتخطيط الاستراتيجي في البيت الأبيض في حديث للقناة البريطانية الرابعة، قائلا: "أنا مثلي الجنس يهودي، وهو جعلني نجما"، حيث إنه في الوقت الذي أشرف فيه بانون على شبكة "بريتبارت"، فإن ييانوبولس قام ببناء قاعدة شعبية عبر مقالاته اللاذعة.
ويشير التحقيق، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن ييانوبولس أعلن في إحدى مقالاته أن تحديد النسل يجعل المرأة "غبية وغير جذابة"، وعارض وسائل منع الحمل؛ لأنه "يجب أن يكون لدينا أطفال، ويجب أن نتوالد لمواجهة الغزاة المسلمين"، ويرى أن النساء يتصرفن بهستيريا، وينتقدن، ويتصفن بالطمع تجاه الأزواج والأصدقاء.
وتقول الصحيفة إن "ييانوبولس استقال هذا الأسبوع، بعد تعليقاته التي بدت كأنها موافقة على التحرش بالأطفال، وهي تعليقات لم يتحملها الممولون للموقع، وهذا موقف يكشف عن الكثير؛ ليس لأن الممارسة المعروفة لدى كتاب الموقع أنهم عندما يقومون بإثارة الكراهية من خلال كتاباتهم اللاذعة العنصرية والمعادية للسامية فإنهم يمارسون حقهم في حرية التعبير، الذي يرون أن لا حدود له، وعلى ما يبدو ففي موضوعات معينة ليس هذا هو الحال، ومن هنا فإن الحديث عن تحرش جنسي يقوم به الكبار ضد الصغار ليس مقبولا، مع أن ييانوبولس لم يتحدث عن شيء غير قانوني".
ويلفت التحقيق إلى أن ييانوبولس كتب في الماضي مقالا، مدح فيه ذكاء جماعات التفوق العرقي الأبيض، ومنع من استخدام "تويتر" بعدما سخر من الممثلة الأمريكية الأفريقية ليزلي جونز، وقال إنها مثل "رجل أسود"، مشيرا إلى أن هذه التعليقات لم تؤثر في موقعه في "بريتبارت"، حيث ظل بانون يدعمه حتى اللحظة الأخيرة، ففي مقابلة مع المحرر المسؤول للموقع "بانون يؤمن بميلو" ألكسندر مارلو، قال إن بانون "كرس الوقت والمصادر، الشخصية والمالية، لتوسيع ماركة ميلو".
وتورد الصحيفة أنه في تموز/ يوليو، وقبل شهر من مغادرة بانون الموقع؛ لينضم إلى حملة ترامب الرئاسية، أدت تهديدات بالقتل إلى إلغاء مشاركة ييانوبولس في مسيرة للمثليين في حي من أحياء ستوكهولم، وصفها الموقع بأنها "غيتو مسلم"، واعتبر بانون أن "علامته المميزة للحرب الثقافية مهمة جدا، ولا تجب المخاطرة في أوضاع تهدد الحياة".
ويجد التحقيق أن "بروز بانون الجديد في البيت الأبيض، وتعيينه الأخير في مجلس الأمن القومي يجعله من أقوى الرجال في أمريكا، وهو ما يجعل الموقع قوة ضاربة في عهد ترامب، وتحمل بالتأكيد بصمة بانون، وهناك الكثير من الإشارات إلى تمتع الموقع بمعاملة خاصة في البيت الأبيض، حتى في الوقت الذي تخوض فيه الإدارة حربا كلامية مع الإعلام الرئيسي في البلاد".
وتذكر الصحيفة أن ممثل "بريتبارت" ماثيو بويل حصل في كانون الثاني/ يناير على المقعد الوحيد المحجوز أمام ترامب في أول مؤتمر صحافي له، بالإضافة إلى أن ترامب دافع بداية هذا الشهر عن ييانوبولس، بعد تظاهرات عنيفة دفعت جامعة كاليفورنيا بيركلي إلى إلغاء كلمة كان ييانوبولس سيلقيها، وكتب ترامب تغريدة، قال فيها: "لو منعت جامعة كاليفورنيا بيركلي حرية التعبير، ومارست العنف ضد الناس الأبرياء، الذين يحملون أفكارا مختلفة، فإنها لن تحصل على دعم مالي فيدرالي".
وينوه التحقيق إلى أن صعود بانون (63 عاما) أدى إلى تكهنات قليلة حول تحول "بريتبارت"، الذي دعم ترامب بقوة أثناء حملته الانتخابية، إلى وسيلة إعلامية رئيسية وبلغة محايدة، مستدركا بأن الاحتمال ليس قائما على ما يبدو؛ لأن الموقع معروف بمواقفه الجريئة والتحيز لطرف ضد آخر، كما يقول الموظفون السابقون، حيث يقول مارلو: "بشكل عام، فنحن نخوض قتالا من أجل القومية، مع اتباع نهج من شقين؛ الأول نحن نؤمن بالحفاظ على القيم الأمريكية ويجب احترامها، والثاني هو أننا نؤمن بوجود دول قوية وجيران أقوياء، ونعارض الفساد في المؤسسات الدولية".
وتبين الصحيفة أن "النبرة التحريرية للموقع تعكس معتقدات بانون القومية، وضرورة تقييد حركة دخول المهاجرين، فيما يواصل الموقع هجومه والحديث عن المظلومية ضد من يتجرأ وينتقد عالمه من الأفكار، وتعكس الصفحة الرئيسية للموقع مجمل ما يقف من أجله، فهو يمدح الرئيس ترامب، ويهاجم نقاده والطريقة التي يغطي بها الإعلام قرارات الرئيس الجديد، وفيه موضوعات تدعم الجماعات المشابهة لفكر الموقع في أوروبا، مثل الفرنسية ماريان لوبان، وغيرت ويلدرز في هولندا، ومقالات ناقدة لمن يميل لليسار الناقدين لليمين المتطرف، مثل مايكل مور ولينا دينهام والملياردير جورج سوروس، بالإضافة إلى تقارير متنوعة عن المهاجرين الذين يثيرون مشكلات في بلادهم التي قرروا العيش فيها، مثل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية".
ويفيد التحقيق بأنه عندما قرر ترامب فرض منع على مسلمي سبع دول إسلامية دخول الولايات المتحدة، فإن الموقع قرر أخذ اتجاه مختلف، حيث لام جماعات الحقوق المدنية المسلمة الأمريكية، المفترض أنها مرتبطة بالإرهابيين، على المحاكم وقرارات القضاة تعليق العمل بها، بدلا من التركيز على الاحتجاجات الواسعة في المطارات واحتجاز القادمين.
وتشير الصحيفة إلى وفاة مؤسس الموقع اليهودي عام 2012، أندرو بريتبارت المفاجئة، ما ألقى ظلالا على مستقبله، وشارك الموظفون في هاشتاغ يؤكد أن الموقع في حرب مستمرة وأنهم سيواصلونها، حيث يقول موظف سابق إن خلف التظاهر بالصمود كانت هناك مخاوف من إغلاقه، لافتة إلى أن أحد مصادر القلق هو صعود بانون لرئاسة الموقع، وشعر الآخرون في الموقع أن "بريتبارت"، الذي ميز نفسه بالهجوم على الإعلام الرئيسي ربما تحول إلى شيء مختلف يشبه موقع "بانون دوت كوم".
وبحسب التحقيق، فإن "بانون قام على مدى الأربع سنوات اللاحقة بإنشاء موقع إعلامي، يؤكد فكر اليمين الذي أعجب أتباعه به وبغطرسته أمام نقاده، فاعتبره معاديا للأجانب وعنصريا أو ما هو أسوأ من ذلك، وعمل من بيت كبير قريب من الكابيتال هيل، وعرف باسم (سفارة بريتبارت)، بالإضافة إلى مكتب آخر في لوس أنجلوس، وكان بانون ذكيا وماكرا ومستبدا، مريحا في المعاملة عندما يرضى، وينفجر مثل البركان عندما يغضب، ويرى مارلو أن غضبه كان في الكثير من المرات عبارة عن تمثيل مسرحي، و(لم يكن أفضل مدير في العالم، لكن كانت هناك استراتيجية وراء ما يقوم بعمله)".
وتقول الصحيفة إن "الموقع الصدامي ظهر إلى الواجهة خلال مأدبة عشاء في إسرائيل عام 2007، وكان بريتبارت، المخترع الإعلامي الكاريزمي سافر إلى هناك في مهمة إعلامية مع المحامي لاري سولوف، وكانا صديقين، حيث ترعرعا معا في عائلتين يهوديتين في حي برنتوود الثري في لوس أنجلوس، وأخبر بريتبارت أنه يفكر في إنشاء موقع إخباري، ويريده أن يكون معه، وقال إنه يطمح بأن (يغير هذا الموقع العالم)، وبدأ بريتبارت بالعمل أولا من الطابق الأرضي في بيته، وبعد ذلك أعطاه بانون مكانا في مكتبه".
ويذهب التحقيق إلى أن "النبرة الخبيثة ساعدت الموقع على الانتشار، إلا أنه ورط نفسه في ملاحقات قانونية، فمثلا نشر الموقع في عام 2009 شريط فيديو يظهر فيه ناشط إنشاء ماخور مستخدما فتيات قاصرات مع موظف يعمل في مؤسسة المنظمات المجتمعية للإصلاح الآن (أكورن)، التي تدعم توفير البيوت والعناية الصحية، وتبين أن الشريط تم تحريره بطريقة مضللة، وتمت تسوية القضية مع (أكورن)، وفي المرة الثانية نشر الموقع شريط فيديو تم حذف الكثير منه، ويصور فيه موظفة أفروأمريكية في وزارة الزراعة، وهي تتحدث في فرع من فروع الجمعية الوطنية للدفاع عن الناس الملونين، وظهرت وكأنها تنتقد البيض، ما أدى إلى طردها من وزارة الزراعة، وعندما رفعت قضية تم الكشف عن أنها كانت تقول العكس، وهو انتقاد العقلية المعارضة للبيض".
وتستدرك الصحيفة أن رغم الخطوات الأولى المتعثرة، إلا أن الموقع نشر أخبارا مثيرة عن نشاطات النائب الديمقراطي عن نيويورك أنتوني واينر الجنسية، التي استقال عقبها، واستفاد الموقع من خبرات الخبير مات درج، الذي تركه لاحقا، وساهم في إنشاء الموقع اليساري "هافنغتون بوست"، لكن خبراته فتحت الباب أمام الموقع لبناء علاقات مع الكابيتال هيل.
وتختم "إندبندنت" تحقيقها بالإشارة إلى أن الداعم الرئيسي لموقع "بريتبارت" هو الملياردير روبرت ميرسر وابنته ربيكا.