نشرت صحيفة "
دير شبيغل" الألمانية تقريرا، تحدثت فيه عن سياسة دونالد
ترامب، التي تتصف بالرعونة، خاصة أن هذا الأخير قد أبدى تحديه للقضاء والإعلام والمجتمع المدني. وفي الأثناء، يبقى الأمل في أن يتمكن رجال
الاقتصاد من التصدي له قائما، نظرا لأن أسلوب إدارته من شأنه أن يزعزع ثقة المستثمرين ورؤوس الأموال.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إن رئيس
الولايات المتحدة يعتبر نظريا الرجل الأقوى في العالم، باعتبار أنه يقود الدولة التي تمتلك أكبر ترسانة عسكرية وأضخم اقتصاد وأهم عملة، كما أنه منتخب مباشرة من الشعب وهو ما يجعله يحظى بشرعية كبيرة.
وذكرت الصحيفة أن ترامب وخلال شهره الأول في البيت الأبيض، قد مارس صلاحياته بشكل لم تشهده الولايات المتحدة في عهد سلفه، وهو ما دفع الكثيرين لطرح السؤال التالي: من يستطيع إيقاف ترامب؟
وبينت الصحيفة أن سلطات الرئيس عادة ما تخضع لقيود من قبل البرلمان والمحاكم الفيدرالية، والرأي العام الذي يتمتع بحرية التعبير في الشارع، والإعلام والعلماء، إذ أن كل هذه المؤسسات تتمتع بنفوذ يضمنه الدستور.
وأوضحت الصحيفة أن ترامب قد أظهر خلال الأيام الماضية عدم استعداده للاستماع لكل هذه المؤسسات، في حين أنه يرفض السماح لها بتقييد تصرفاته الفردية، حيث إنه هاجم القضاء عبر تغريداته في "تويتر"، وسلط العديد من الضغوط على البرلمان من خلال إصدار عدد كبير من المراسيم، فضلا عن أنه قد هاجم وبشكل مباشر وسائل إعلامية مرموقة في الولايات المتحدة؛ مثل صحيفة "نيويورك تايمز" وقناة "سي أن أن".
واعتبرت الصحيفة أن إحدى العوامل التي يمكن أن تحد من سياسة ترامب الهوجاء وتدفعه لتعديلها هي أسواق المال وأصحاب رؤوس الأموال، إذ أن ترامب الذي يرفع شعار إعادة المجد لأمريكا، يواجه في الوقت الراهن خطر تزعزع الثقة اللامتناهية التي لطالما حظي بها الاقتصاد الأمريكي أمام المستثمرين الدوليين. ومن المعروف أن الحكومة الأمريكية في حاجة دائمة لتعاون وثقة هؤلاء، خاصة وأن الدين الخارجي للولايات المتحدة يشهد ارتفاعا مستمرا. علاوة على ذلك، سيؤدي تخفيض الضرائب في الفترة المقبلة لارتفاع نسق الإنفاق، حيث ستحتاج أمريكا للمزيد والمزيد من الاقتراض من مصادر تمويل خارجية، وعلى نطاق واسع.
وأكدت الصحيفة أن هذه المسألة لم تشكل في السابق أي مشكلة بالنسبة للولايات المتحدة، حيث أن سندات الحكومة الأمريكية تعد أكثر أشكال الاستثمار أمنا في العالم، في الوقت الذي يعتبر فيه الدولار الأمريكي العملة الأهم والأكثر جاذبية في العالم. بالإضافة إلى ذلك، تتمتع الولايات المتحدة بامتياز لا يقدر بثمن؛ حيث أنها تستطيع الاقتراض بأقل نسبة فائدة يمكن الحصول عليها، دون أن يتردد الدائنون أو يشعروا بالخطر حتى في ظل ارتفاع ديونها الخارجية التي بلغت أكثر من نصف تريليون دولار في مطلع سنة 2017، ولا تزال تسجل ارتفاعا سريعا.
وتساءلت الصحيفة عما إذا كانت الولايات المتحدة ستواصل التمتع بهذه الثقة لدى المستثمرين تحت إدارة ترامب؟ وهو أمر ليس مؤكدا، حيث أفاد كبير الاقتصاديين في مؤسسة "جي سافرا" العملاقة للخدمات البنكية، كارستين يونيوس، أن "المسألة أصبحت مثيرة للقلق، مع ظهور علامات التخوف والتردد لدى المستثمرين الدوليين حول القيمة المستقبلية للسندات التي تصدرها الحكومة الأمريكية".
والجدير بالذكر أن هذه المسألة تعتبر حساسة للغاية خاصة وأن حوالي 42 بالمائة من قروض الحكومة الأمريكية تأتي من خارج البلاد، ولذلك فإن أية إعادة تقييم للتصنيف الائتماني للولايات المتحدة سوف تكون له عواقب وخيمة جدا.
وذكرت الصحيفة أن تخوف أسواق المال من الإدارة الأمريكية الجديدة لديه ما يبرره، فخلال الحملة الانتخابية الأخيرة أصدر ترامب تصريحات خطيرة جدا، حيث قال في إحدى الخطابات إنه ليس من الضروري دفع كل الديون بشكل كامل. فضلا عن ذلك، أظهر ترامب في العديد من المناسبات استعداده للتنصل من كل المعاهدات والاتفاقيات الدولية، في مجالات التجارة وحماية المناخ والسياسة الخارجية، دون أن يشعر بأي حرج. وبالتالي فإنه لن يتردد في التنكر للدائنين الخارجيين إذا عزم على ذلك.
وأوردت الصحيفة أن العامل الثاني الذي لطالما ضمن ثقة الدائنين هو حيوية الاقتصاد الأمريكي وتطوره، فقد ساهم النمو السريع للاقتصاد وسياسة قبول المهاجرين، في تنشيط الاقتصاد بشكل أفضل من دول أوروبا الغربية واليابان، على مدى العقود الماضية. في المقابل، تواجه هذه الحركية الاقتصادية الآن خطر التعثر بسبب سياسات ترامب، إذ أن الرئيس الجديد تعهد بوضع قيود على المبادلات التجارية وتدفق السلع، بالإضافة إلى تقييد الهجرة وإعادة الاهتمام بالصناعات القديمة مثل السيارات والنفط وأعمال البناء، وهو ما سيلحق ضررا كبيرا بحالة الاقتصاد.
واعتبرت الصحيفة أن أسوأ الكوابيس التي يمكن أن تتحقق في ظل هذا السيناريو، هو إفلاس الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، قد يؤدي ارتفاع سعر الفائدة وانهيار قيمة الدولار، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة التضخم وتراجع الاستثمار الخارجي، إلى تدهور المستوى المعيشي في المدن الأمريكية، وهو ما قد يترتب عليه تبعا تراجع شعبية ترامب.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أنه وعلى الرغم من تخوف الكثيرين من التبعات الكارثية للسياسات التي يعتمدها ترامب على الاقتصاد في الولايات المتحدة والعالم أجمع، إلا أنها قد تكون ذات فائدة بالنسبة لبعض الفئات في الولايات المتحدة، إذ أن ترامب دون وعي منه يمكن أن يقدم خدمة للموازنة الأمريكية، لأن ضعف الدولار من شأنه أن يخفض من نسبة الواردات من خلال جعلها أكثر كلفة، وهو ما سيشجع المنتجين المحليين. علاوة على ذلك، فإن ارتفاع نسبة الفائدة أيضا سيحد من الإنفاق وهو ما سيخدم الاقتصاد الأمريكي.