الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب يشن هجوما على جمهورية
إيران الإسلامية، ويلمح لإمكانية الحل العسكري للملف الإيراني، ويكتب في إحدى تغريداته إيران تلعب بالنار التي ستحرقها.
الرد الإيراني جاء سريعا عن طريق أكبر رأس في الجمهورية الإسلامية.. آية الله خامئني يؤكد أن إيران لا تخشى أحدا، وأنها سترد على أي عدوان أمريكي ويهاجم الرئيس الأمريكي ترامب، ويصف سياساته بالحمقاء.
من يتابع المشهد الآن وينخدع بصورة المعارك المزعومة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية؛ يعتقد جازما أن حربا ما ستقع بين الدولتين، وأن إيران قد تلقن ترامب درسا دفاعا عن نفسها أولا، وعن المسلمين الذين يعاديهم ترامب منذ وصوله للحكم، ثانيا.
ربما لو أعدنا النظر والتفكير قليلا، وعدنا لقراءة التاريخ، سنجد أن الشعارات والخطابات والعداوة المزعومة اليوم هي نفسها منذ قيام الثورة الإيرانية سنة 1979، بقيادة آية الله خامنئي تحولت إيران بموجبها من نظام ملكي إلى جمهورية إسلامية ومشروع خلافة إسلامية بثوب شيعي.. منذ ذلك اليوم والشعار الأكبر هو الحرب على أمريكا صانعة الإرهاب، والشيطان الأكبر في العالم، والعدو الأول لإيران وللمسلمين.. رغم أنها مجرد أصوات عالية وشعارات بالية تناقضها أفعال طهران وملاليها.
بدأت ايران يومها تخدم مصالح الولايات المتحدة حتى وان كانت العداوة ظاهرة بين الطرفين.. من الحرب ضد الجارة العراق والمقصد يومها كان بغداد ومن ورائه الخليج العربي.. واستنفدت فيها الطاقات والقوى، ووُجه السلاح الإيراني للعرب طوال عقد من الزمن، قبل أن يتوصل الطرفان لاتفاق سنة 1988.. ثم بدأت تصدير المشروع الشيعي للمنطقة العربية، بداية بدولة الجنوب اللبناني وحركة المقاومة، تحت مسمى حزب الله الذي قسم لبنان ويقف إلى اليوم في سبيل لبنان الدولة والسيادة.. مرورا بجماعة الحوثي في اليمن إلى الجماعات المسلحة في سوريا.
ثم جاءت حرب العراق سنة 2003م لتفضح العلاقات الأمريكية الإيرانية الحميمة، حين دعمت إيران الدولة الإسلامية والعدو المزعوم للولايات المتحدة الأمريكية الغزو الأمريكي للعراق، وساهمت ولا تزال تساهم في تدمير العراق ونهاية حلم الدولة فيها. وتلك البصمات الإيرانية في وجه العراق الجريح لا تزال شاهدة، وليس آخرها الحشد الشعبي.
أما الربيع العربي والثورة السورية واليمنية، فقد كان وصمة عار في جبين الدولة الإسلامية المزعومة، حين تدخلت إيران علنا، وتحت عيون العدو المزعوم والشيطان الأكبر، كما تسميه.. تدخلت في سوريا ودمرت وقتلت وشردت، ثم واصلت مشروعها الصفوي الذي لا يخدم إلا مصالح أمريكا؛ حين دعمت الثورة المضادة في اليمن ممثلة في الحوثي وصالح، واستولت على صنعاء. والحديث اليوم يجري عن المنامة ومن ثم مكة والمدينة، وهو أمر غير مستبعد في ظل تدهور العلاقات مع السعودية خاصة، والخليج العربي عامة.
كانت المكافأة الأمريكية والغربية لإيران جاهزة؛ على إحلالها السلام في منطقة الشرق الأوسط والدور الذي لعبته في إجهاض الربيع العربي.. اتفاق نووي غربي أمريكي مع إيران في تموز/ يوليو 2015، ضمنت به إيران رفع العزلة عنها، وتجنبت العقوبات الاقتصادية المرفوعة عنها وارتفعت معنوياتها كثيرا، وزادت أطماعها كثيرا في المنطقة العربية وأطلقت يدها أيما إطلاق.
شهدت العلاقات الإيرانية الأمريكية بعد الاتفاق النووي أزهى فتراتها، حين تبادل الطرفان الزيارات والتعاون الاقتصادي والسياسي واللوجستي في المنطقة، وبدأت معركة الموصل الشهيرة، التي دخلت فيها ايران كحليف عسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة في تاريخ الدولة الإسلامية، حتى وإن كانت إيران يومها تلبس ثوب الحشد الشعبي.
بعد وصول ترامب للسلطة بدأت المخاوف المعلنة عن عودة العلاقات لنقطة الصفر، خاصة بعد هجوم ترامب المتكرر على طهران وساستها، ولكن الجميع يعلم أنه في السياسة الأمريكية لا يوجد أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، لقد كان أسامة بن لادن والقاعدة ذات يوم حليفا للأمريكان إبان الحرب الأفغانية السوفييتية.
إيران ليست بريئة براءة الذئب من دم الشرق الأوسط المسكوب؛ حتى تظهر في ثوب المدافع عنه ضد سياسات ترامب والولايات المتحدة الأمريكية تعلم أن إيران ورقة رابحة في المنطقة لا يمكن الاستغناء عنها.
على الأقل لن نحتاج لغزو عراقي آخر. هناك من سيحارب نيابة عنا ومن أجل مصالحنا، ذلك لسان حال السياسة الخارجية الأمريكية تجاه طهران اليوم.
فمن يخدع الساسة غير أنفسهم؟ إنها مجرد حرب وهمية قديمة جديدة بين الدولة الإسلامية الإيرانية، كما تسمى، وبين الشيطان الأكبر كما تسميه هي.