نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا أعدته نجمة بوزرغمهر، تحدثت فيه عن أبعاد انهيار عمارة
بلاسكو في العاصمة طهران، وما كشفته عن صراع داخل المؤسسة
الإيرانية الحاكمة.
وتقول الكاتبة إن "مأساة الشهر الماضي، التي قتل فيها 16 من عمال الإطفائية، صدمت الإيرانيين كلهم من مجالات الحياة في البلاد كلها، إلا أن الجماعات الإصلاحية كانت صريحة في نقدها، حيث اتهمت عمدة طهران محمد باقر
قليباف بسوء الإدارة، وطالبت باستقالته".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن قليباف تحدث أمام البرلمان الأسبوع الماضي، قائلا إن النقد الموجه ضده له دوافع سياسية تخريبية، لافتا إلى أن المتشددين في النظام الإيراني يعتقدون أن نقاد عمدة طهران لديهم دوافع سياسية متعلقة بالانتخابات الرئاسية القادمة، التي يأمل الرئيس الحالي حسن
روحاني بالفوز بها مرة ثانية.
وتنقل الصحيفة عن السياسي المقرب من المتشددين حامد رضا تراقي، قوله: "أدى الإصلاحيون، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال صحفهم، دورا في تعبئة الرأي العام ضد قليباف"، وأضاف: "اعتقدوا أن انهيار عمارة بلاسكو ستكون فرصة لتخريب فرص قليباف ومنعه من دخول السباق الرئاسي".
وتبين بوزرغمهر أنه "بعد هجوم الإصلاحيين على بلدية طهران، وبالضرورة على قليباف نفسه، قام الإعلام المرتبط بالمتشددين بمواجهة النقد، وإصدار أشرطة فيديو تظهر تحذيرات العمدة قبل عامين من الأوضاع (الرهيبة)، التي تعاني منها البناية، وقالوا إن قليباف لو قرر إغلاق المركز التجاري كان سيتهم بالتحرك ضد حكومة روحاني، التي تحاول التقليل من البطالة".
ويفيد التقرير بأن روحاني، الذي وقعت حكومته رسميا على الاتفاق النووي رسميا، لم يعلن عن ترشحه للرئاسة، لكن يعتقد أنه سيدخل السباق الرئاسي، لافتا إلى أن الجماعات المتشددة في النظام الحرس الثوري والنظام القضائي ورجال الدين المحافظين تضم الذين لم يعلنوا بعد عن المرشح الذي سيدعمونه.
وتورد الصحيفة نقلا عن محللين، قولهم إن غياب المرشح الكاريزمي للقيادة أدى إلى انقسام التيار المتشدد، لافتة إلى أن هذا زاد من التكهنات حول إمكانية اختيار المتشددين قليباف، البالغ من العمر 55 عاما ورئيس الشرطة السابق والقائد السابق في الحرس الثوري، الذي اختير عمدة لطهران منذ عام 2005، مرشحا لهم.
وتلفت الكاتبة إلى أن "قليباف كون صورة وطنية عن نفسه، وقدم نفسه على أنه شخصية معتدلة آمنت بتحديث الجمهورية الإسلامية، لكن عدم الوضوح فيما يتعلق بولاءاته السياسية عنى أنه لم يحظ بدعم الإصلاحيين أو المتشددين، ولهذا خسر في السباقات الرئاسية عامي 2005 و2013، واعتبر البعض أنه تحول باتجاه التيار المتشدد منذ خسارته أمام حسن روحاني، وهناك تكهنات بكون عمدة طهران مرشح التوافق بين المتشددين".
وينقل التقرير عن سياسي مقرب من المتشددين، قوله: "لدى المتشددين مرشح واحد يمكنه أن يحصد الأصوات ألا وهو قليباف، لكنه وضع شروطا بأنه لن يدخل السباق الرئاسي إلا في حال عدم وجود مرشح يمثل المتشددين غيره حتى يستطيع هزيمة روحاني".
وتذكر الصحيفة أنه عندما تحدى قليباف روحاني عام 2013 بدا وكأن أمامه فرصة للنجاح، إلا أن وجود عدد آخر من المرشحين المتشددين جعل حصته من الأصوات قليلة، فيما تعززت فرص روحاني عندما قرر التيار الإصلاحي في اللحظة الأخيرة القيام بحملة تعبئة لصالحه.
ويقول تراقي للصحيفة إن المتشددين قد يحاولون تقليد هذه الاستراتيجية، من خلال ترشيح أكثر من مرشح يقومون بالانسحاب مع اقتراب يوم الانتخابات، وعليه تذهب الأصوات كلها لصالح مرشح واحد، وهو قليباف.
وتعلق بورزغمهر قائلة إن "الطرفين في الوقت الحالي يركزان على محاولة تشويه الآخر، قبل موعد تسجيل أسماء المرشحين في منتصف نيسان/ أبريل، فمن جهة يهاجم المتشددون روحاني، ويقولون إن شعبيته تراجعت، وفشل في ترجمة الاتفاق النووي في عام 2015 إلى منافع اقتصادية، وتم تشويه شقيق روحاني ومستشاره أيضا حسين فريدون، بتهم الفساد، التي روجت لها وسائل إعلام المتشددين، ونفى فريدون في رسالة للبرلمان يوم الأربعاء تلك الاتهامات، ووصفها بالظالمة".
وينوه التقرير إلى أن الإصلاحيين ردوا واتهموا رئيس القضاء صادق لاريجاني، بتهم التزوير، وقالوا إن قليباف استغل منصبه، وسمح ببيع أراض تابعة لبلدية طهران لجمعية خيرية تديرها زوجته وعدد آخر من السياسيين بأسعار زهيدة، مشيرا إلى أن قليباف وصف في شهادة أمام البرلمان هذا الأسبوع اتهامات الفساد بأنها ذات دوافع سياسية، ولم يرد لاريجاني مباشرة على الاتهامات، إلا أن المؤسسة القضائية دافعت عنه.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن المحلل الإصلاحي سعيد لايلاز يرى أن الانتخابات الإيرانية أصبحت مرة أخرى معقدة، ومن الصعب التكهن بها، وقال: "أصبح المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي ساخنا مثل بناية بلاسكو الملتهبة، ويجب على قادة البلد التفكير بخطة وطنية لمنع الانهيار".