آلاف من السنين تفصلنا عن حكاية سيدنا إبراهيم مع النمرود، الذي دخل في تحد مع الله في ملكه الهائل لإظهار قدراته أمام رجاله وتابعيه، أفشل سيدنا إبراهيم ما أراده النمرود عندما طلب منه أن يأتي بالشمس من المغرب، فهذا أحد قوانين الطبيعة وأدرك سيدنا إبراهيم أن فقط مالك الملك هو القادر على تجاوز القوانين التي تحرك الكون.
وعلى طول التاريخ لم تتوقف المحاولات على منازعة الله في ملكه؛ فتارة بمحاولة مشاركة الله فيه كما فعل فرعون والنمرود؛ وتارة بنفي ملك الله للكون والادعاء بملك آخر سواء الطبيعة أو اللا شيء؛ إلا أن الهدف النهائي هو نفي ملك الله ووجوده، وتارة أخرى بمحاولات إنهاء علاقة الإنسان بالله عن طريق فرض أنظمة اجتماعية متعارضة مع شريعته.
والحالة الأخيرة الشديدة الوضوح هي ما قاله أحد كبار المجرمين عن الطلاق منذ أيام؛ هي محاولة جديدة ليست فقط لفصل المجتمع عن الله وطمس ما ينبغي فعله؛ ولكنه تجاوز ذلك إلى تقنين إجراء مختلف عما يشرعه الله لعباده.
القضية ليست في ورقة تكتب لإثبات وضع ما ولكنه تغيير في طبيعة العلاقات التي فرضها الله؛ فالطلاق هو أبغض الحلال ولكن النصوص القطعية التي تتحدث عن كيفية التعامل مع الطلاق تتعارض بشكل واضح مع ما يطرحه المجرم الأكبر.
وهي محاولة للسيطرة من "الدولة" على القواعد المنظمة للمجتمع عكس ما يراه الإسلام؛ والطلاق حالة تحتاج بالتأكيد إلى معالجة في المجتمع المصري الذي يعاني من تفاقم حالات الطلاق في الفترة الأخيرة، ورأت "الدولة" أن الحل في السيطرة على الإجراء حتى لو كان منافيا لإرادة الله.
هذا الفعل هو إعلان مباشر أن العقل و"الدولة" لهما الحق في تغيير الإجراءات والمفاهيم الشرعية في صالح ما تراه في مصلحة المجتمع؛ وكأن "الدولة" تعلم أكثر من الله؛ تلك كارثة كبرى؛ فلم تكن تلك الحادثة الأولى ولن تكون الأخيرة؛ فعلى مدى تاريخ طويل نازعت الكثير من القوانين والإجراءات ما أقره الله لحماية المجتمع.
قد يدعي البعض أن الحلول الإجرائية نحتاجها للضبط وللتحكم؛ والمثال الشهير بقانون المرور وعلاقته بالشريعة، وهذا نمط طويل من التدليس لم ولن يتوقف ويحتاج للكثير من الكلام؛ ولكن الموقف الأخير تحديدا هو متعارض مع نصوص قطعية الدلالة مما يخرجها من نطاق قانون المرور الشهير.
على أية حال فمشكلة الطلاق ليست في إجراءاتها؛ فكل طلاق بائن يتم تسجيله فعلا؛ والمشكلة الحقيقية هي مشكلة في بنية المجتمع الأخلاقية والفكرية والمادية؛ فالفقر الذي تغرق فيه مصر دافع للطلاق والأفكار المسمومة التي ملأت مصر دافعة للطلاق؛ وفساد الأخلاق الذي ملأ مصر أيضا دافعا للطلاق وليس عدم ضبط الإجراءات.
وإذا افترضنا أن الكل يدرك ذلك وأن الطلاق ليس سببه عدم ضبط الإجراءات وإذا افترضنا أيضا أن الطلاق أفضل من ترك المرأة معلقة لا هي متزوجة ولا مطلقة في حالة غياب الزوج وتركه زوجته سواء بالاختفاء أو الزواج الثاني أو غيرها من الأمور، وإذا وضعنا في اعتبارنا حجم الضغوط النفسية الهائلة التي يتعرض لها أكثر من نصف المجتمع المصري تحت وطأة الفقر والظلم والفساد؛ فلماذا يفعلون ذلك؟
لا أجد إجابة إلا أن ما يحدث هو في مسار العداء مع الله وطمس كل ما له علاقة بوجود الله في حياة الناس، واستمرار بناء الإله الجديد الذي يملك ويحكم ويعادي الله كما فعل فرعون والنمرود، وفي أيام النمرود كانت حادثة بقاء سيدنا إبراهيم في النار المخالفة لقوانين الطبيعة حتى يدرك الجميع أن ملكا للكون خالقا له ولقوانينه لا يعجزه ما خلق عن فعل ما يشاء؛ وأيضا مع فرعون عندما انفلق البحر وأصبح الماء يتصرف كأحجار الجبال الصلبة متجاوزا أيضا قوانين الطبيعة ليعلم الجميع وعلى مر الزمان أن العلاقات الطبيعية تحاصرنا نحن ونحن فقط.
سيستمر العداء مع الله وستستمر المحاولات الدائمة لحجب الإنسان عن الله، إن الله فلق البحر أيام موسى وبرد النار أيام إبراهيم عليهما السلام؛ أما الآن فلا فلقَ للبحر ولا بردَ للنار ولكن علينا الدفاع عن أنفسنا بالارتباط بما شرع الله لنا فنحن لا ندافع فقط عن الله بالتمسك بما أقره لنا؛ بل ندافع به عن وجودنا ومستقبلنا وعن ما تبقى من الإنسانية.
ولمن يدعون أنهم رجال دين؛ ربما يكونون رجال دين حقا ولكنه دين آخر يصنعون به أصناما ينازعون بها الله في ملكه، فلا أسوأ منكم؛ فأنتم مشاركون في عداء الله وإن كنتم تدعون أنكم رجاله، "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".