أثار مشروع قانون متعلق بـ"العنف ضد النوع"، عُرض على مجلس النواب الموريتاني الأسبوع الماضي، جدلا واسعا في البلاد، بعدما اعتبرت بعض مواده مخالفة لدستور البلاد المستمد من
الشريعة الإسلامية، فيما أكدت مصادر خاصة لـ"عربي21" أن الحكومة قررت سحب القانون ومراجعته؛ إثر الضجة التي أثارها بعد عرضه على البرلمان.
ووجه عدد من نواب المعارضة والأغلبية الحاكمة انتقادات حادة للقانون، خصوصا في مادته 19، التي تنص على أنه "يعاقب من سنة إلى سنتين حبسا كل زوج يمنع أو يقيد شريكه عن ممارسته لحرياته العامة"، مطالبين بتوضيحات حول نوعية الحريات المشمولة في هذا القانون وحدودها، ومدى اختلافها عن الحريات العامة لدى الغرب.
ورأى عدد من السياسيين وأعضاء في البرلمان أن القانون الجديد حمل مصطلحات تحيل لمعان "غريبة" على المجتمع الموريتاني المحافظ، وغاب عنه تحديد مدلول المصطلحات المستخدمة فيه، مثل "الممارسات اللا إنسانية"، و"المس من الكرامة"، و"المس من الشرف"، ومدى حدود كل منهم.
وقال ولد امبارك، في تصريح لـ"عربي21"، إن القانون اشتمل على العديد من التناقضات، و"يهين
المرأة بدل أن يضمن حقوقها"، وفق تقديره.
وأضاف: "واضح أن هذا القانون تم نسخه من
قوانين أجنبية بشكل حرفي، ولم تتم غربلته، لذلك اجتمعت أغلب القوى السياسية والبرلمانية على رفضه".
ودعا رئيس ائتلاف أحزاب الأغلبية الحاكمة عثمان ولد الشيخ أبي المعالي النواب إلى رفض القانون، وإعادته للجهة التي أعدته أصلا؛ من أجل تعديله، كما أصدر حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية توصية لفريقه البرلماني بعدم التصويت لصالح القانون.
واحتدم الجدل بشكل خاص على مواقع التواصل الاجتماعي، بين المعارضين للقانون والداعمين له، كما دار الجدل أيضا على عدد من المحطات التلفزيونية، بينها التلفزيون الموريتاني الرسمي.
ورأى المحامي والخبير القانوني، محمد المامي ولد مولاي علي، أن هذا القانون تضمن عددا من الاختلالات الإجرائية المخالفة للمبادئ والقواعد الإجرائية المعروفة، وفق منشور له عبر صحفته على فيسبوك.
وعلق نقيب الأساتذة الموريتانيين السابق، محمد ولد الرباني، على فيسبوك، بالقول: "لا أفهم ما الذي يضير الحكومة لو قدمت مشروع قانون يحمي المرأة، وهي بحاجة إلى ذلك فعلا، دون أن يبطن بسموم تهلك حرث ونسل هذا المجتمع في دينه وقيمه وتشوش على أمنه وسكينته!! يحمل مشروع القانون هذا كوارث جمة"، كما قال.
لكن الناشطة الحقوقية، فاطمة بنت محمد المصطفى، رأت أن هذا القانون "سيسد فراغا قانونيا عانت منه المنظومة القانونية في البلد، وسيساهم في التخفيف من معاناة وآلام ضحايا العنف"، وأبدت الناشطة الحقوقية "رغبتها في أن يصدر القانون وينفذ على أرض الواقع".
بدوره، علق الشاعر والكاتب الموريتاني، أحمد أبو المعالي، على الجدل المثار بشأن القانون، قائلا: "هذا القانون ضروري جدا، خاصة في مجتمع يتأرجح بين بداوة تتحكم فيها السلطات الاجتماعية، بما لها من سلبيات وإيجابيات، وبين مدنية لم تنضج بعد، ولم تأخذ فيها السلطات المكلفة دورها المطلوب".
وقال إن "كثيرا من الجرائم والاعتداءات، خاصة ضد المرأة، تكون الأخيرة مجبرة على السكوت أو التنازل عن حقها. والدولة مطالبة بلعب دورها في هذا السياق، فالمصادقة على القانون ملحة وضرورية، وإذا كان القانون بشكل عام لا يناقض الشرع ولا يمس الثوابت، فإن بعض المواد، وهي قليلة جدا، تحتاج توضيحا أو تعديلا يناسب مقتضيات الشرع".
أما النائبة البرلمانية عن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، زينب بنت التقي، فقد كتبت عبر صفحتها على فيسبوك: "نؤمن بكرامة المرأة وحريتها وضرورة مشاركتها الفاعلة في عملية التنمية وضرورة وصولها لمراكز القرار ودوائر الفعل، ورغم ذلك، سنقف في وجه تجذير المفاهيم الجندرية، وسنقولها صراحة بلا مداهنة مقاربات النوع التي يود اللوبي الصهيوني تنميط العالم عن طريقها خطر علي منظومتنا القيمية والأخلاقية".
ولم تتمكن "عربي21" من الوصول للمسؤولين في وزارة العدل الموريتانية للحصول على تعليق حول هذا المشروع.