نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا لمديرة مجلس العلاقات الخارجية الألماني دانييلا شوارزر، تقول فيه إن رد المستشارة الألمانية أنجيلا
ميركل على الهجوم الإرهابي يوم الاثنين في سوق لعيد الميلاد في العاصمة برلين، اتسم بالهدوء والعقلانية.
وتقول الكاتبة إن "ألمانيا عانت أخيرا من الجرائم ذاتها التي عانت منها فرنسا وبلجيكا، حيث ضرب الهجوم قلب البلاد، وليس فقط رمزها، فالسوق تعد من الأسواق المعروفة في الكريسماس، الذي يجمع في داخله أجيالا، وبالتأكيد ثقافات متعددة، من صناعة الخزف في شمال إفريقيا، إلى المنسوجات في البيرو، ولم يختر المنفذ هجومه على سوق مزدحمة وتعج بالحركة فقط، بل تمتاز هذه السوق بقربها من كنيسة (الذكرى)، التي تهدمت في أثناء الحرب العالمية الثانية، وبقيت على حالها منذ ذلك الوقت، لتذكر المارين بها بالماضي المظلم للنازية، وتداعيات العنف والتعصب والحرب".
وتضيف شوارزر في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، أن "قرار قتل الأبرياء في أكثر المدن ليبرالية في ألمانيا، يعيد ذكريات الهجمات المروعة في باريس ونيس، التي وقع فيها قتلى أكثر من
هجوم برلين، فتحولت هذه الأماكن التي تثير الفرح والبهجة إلى أماكن للحزن والأسى وعدم الثقة، ومع ذلك فقد أظهرت هذه المدن الثلاث تصميما مثيرا للإعجاب، حيث حاولت العودة إلى الحياة الطبيعية، ورفضت الاستسلام للقلق والخوف."
وتستدرك الكاتبة بأنه "على الرغم من المقارنة، إلا أن رد الفعل الألماني على الهجوم يختلف عن الرد الفرنسي المباشر في عدد من الطرق، مثلا، انتظرت المستشارة الألمانية 12 ساعة قبل أن تلقي خطابا للرأي العام، مقارنة مع رد فعل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند السريع والحماسي على الهجمات التي ارتكبت ضد بلاده، فأعلن عن إجراءات أمنية، وأنزل الشرطة والجنود إلى الشوارع، حيث يبدو حضورهما قويا هناك، بالإضافة إلى تفتيش الحقائب قبل الدخول إلى مراكز التسوق، وتم استبدال صناديق النفايات بأكياس بلاستيكية شفافة، وبعد ذلك الهجوم المدمر أعلن هولاند عن حالة الطوارئ، ولا يزال العمل بها قائما حتى اليوم."
وتشير شوارزر إلى أن "لا أحد في ألمانيا يتخيل أو يفكر بالحد من الحريات المدنية، ولو مؤقتا، من أجل زيادة الأمن، ويشعر المواطنون الألمان والقادة السياسيون بالقلق، ولأسباب تاريخية، من توسيع صلاحيات الأمن، وكان قرار نشر القوات بعد هجومي ورزبيرغ وأنسباخ، اللذين جرح فيهما 20 شخصا، لفترة قصيرة".
وتبين الكاتبة أنه "بالمقارنة، فإن الرئيس هولاند أعلن مباشرة بعد هجمات تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، أن فرنسا في حالة حرب، واستخدم بندا في معاهدة لشبونة للتضامن الأوروبي، ودعا شركاءه للمساعدة في محاربة الإرهاب القادم من شمال إفريقيا والشرق الأوسط".
وتجد شوارزر أن "هذا الخطاب الحماسي غائب في الحالة الألمانية ولأسباب وجيهة، والنقاش يدور في الوقت الحالي حول الخروج بقوة أكبر في مقاومة الإرهاب الدولي، بالإضافة إلى أن القادة السياسيين في برلين عبروا عن حذر كبير من ناحية الربط بين الإرهاب والهجرة، وكان هذا موقفا متعقلا، حيث لم يتم تحديد هوية المنفذ، ولا علاقته بالإرهاب، إلا ليلة الخميس، لكن الرد على هجوم الاثنين كشف عن موقع سياسة
الهجرة في أذهان الألمان".
وتلفت الكاتبة إلى أن "ألمانيا فتحت أبوابها في عام 2015 لحوالي 890 ألف مهاجر، حيث دافعت ميركل بحماس ضد إغلاق الأبواب أمام طالبي اللجوء وحرية الحركة داخل دول الاتحاد الأوروبي، وقد تغير المزاج العام، فبحسب استطلاع (إبسيوس)، فإن هناك نسبة 71% من الألمان تعتقد أن الإرهابيين دخلوا ألمانيا مع اللاجئين، ويقول 4 من كل 10 أشخاص إنه يجب إغلاق الحدود الأوروبية، مع أن استطلاعا أجراه (كويبر) في تشرين الأول/ أكتوبر، أظهر أن نسبة 11% دعت إلى إغلاق الحدود".
وتنوه شوارزر إلى أن "هناك قلقا داخل الطبقة السياسية من صعود اليمين المتطرف وحزب البديل الألماني، الذي حصل على مقاعد في أكثر من 16 برلمانا محليا، وأصبح له صوت عال ضد الهجرة والإسلام والأمن الداخلي، وكان موقف الحزب عنيفا من هجوم الاثنين، حيث ربطه بالهجرة والإسلام".
وتقول الكاتبة إن شهية الحزب لإحداث الاستقطاب داخل المجتمع تعطي صورة عن الانتخابات العامة في 2017.
وتفيد شوارزر بأنه "بعيدا عن موقف الحزب الشعبوي، إلا أن الردود على مواقع التواصل الاجتماعي كانت أكثر اتزانا وهدوءا، حيث دعا الكثير من المستخدمين إلى عدم التحيز والتكهن والاتهام، وهناك آلاف من المتطوعين لا يزالون يعملون في خدمة المهاجرين، في الوقت الذي خصصت فيه مدينة برلين أموالا ضخمة لدعم سياسات الاندماج، وكان واضحا شكر ميركل المتطوعين في خطاب التعزية للضحايا".
وتختم الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أن دعم المجتمع المدني لسياسات المستشارة يظل مهما من الناحية العملية والسياسية.