نشر موقع مجلة "فورين أفيرز" مقالا لكل من المبعوث الأمريكي الخاص السابق للشرق الأوسط دينيس روس، والزميل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أندرو تابلر، ناقشا فيه طرقا لحل الأزمة السورية من منظور أمريكي.
وجاء في المقال: "عندما سيتم تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد
ترامب في 20 كانون الثاني/ يناير 2017، سيجد أن تحديه الأكثر تعقيدا في السياسة الخارجية هو ما يجب عليه فعله بشأن
سوريا، ففي ظل إدارة الرئيس باراك أوباما كانت سياسة واشنطن في سوريا تقوم على محاربة
تنظيم الدولة في العراق وسوريا، لكن التنظيم يترنح، وتحقق حكومة بشار
الأسد مكاسب على الأرض، وصارت القوى الخارجية، مثل
روسيا وإيران، متورطة أكثر، ما يجعل قتال تنظيم الدولة وحده أمرا ليس كافيا بالنسبة للقائد القادم للولايات المتحدة".
ويقول الكاتبان في مقالهما، الذي ترجمته "
عربي21"، إنه "من أجل اقتلاع التطرف الذي ولدته الحرب السورية، تحتاج الولايات المتحدة للمساعدة على تحقيق الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة ومواصلة الضغط، وفي الوقت ذاته على كل من روسيا وإيران التحرك نحو تسوية سياسية دائمة، ومن أجل تحقيق هذا الأمر، فإنه يجب أن يظهر الرئيس ترامب استعدادا لوضع ضغوط على موسكو وطهران، خاصة أنه أشار إلى أنه سيفعل هذا، وهذا يعني استعداده لفرض عقوبات على كلا البلدين لو لم يقوما بالوفاء بالتزاماتهما".
توازن هش
وتشير المجلة إلى أن "النظام السوري وتنظيم الدولة يسيطران اليوم على ثلث البلاد تقريبا، وبسبب المساعدة الروسية والمليشيات المدعومة من
إيران، فإن الحكومة استطاعت السيطرة على ما تقول إنها (سوريا الضرورية)، وهي المناطق الحضرية شمال جنوب البلاد، التي تربط دمشق مع كبرى المدن السورية، مدينة حلب، التي تقترب من استعادتها، ولو نجح الأسد فلا أحد يعرف ماذا سيحدث بعد، حيث تنقصه القوة البشرية لاستعادة المناطق التي يسيطر عليها السنة في شمال غرب سوريا وفي شرق وجنوب سوريا، ولن يتمكن من ذلك إلا من خلال استيراد مقاتلين شيعة من الخارج، بشكل سيؤدي إلى استفزاز جيران سوريا، ويزيد من تورطها، ويشعل التمرد السني المحلي".
ويلفت الكاتبان إلى أن "شرق سوريا ظل خلال العامين الماضيين منقسما بين تنظيم الدولة وقوات حماية الشعب، وهي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني (بي كي كي)، الذي تعده تركيا منظمة إرهابية، وأصبحت قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكلت بشكل كبير من قوات حماية الشعب ومقاتلين عرب ومن الأقليات، خيار واشنطن الوحيد لقتال تنظيم الدولة، وفي نهاية آب/ أغسطس دخل المقاتلون العرب والتركمان السنة المدعومون من أنقرة، وبمساعدة من الجيش التركي، شمال شرق سوريا، كجزء من العملية التركية (عملية درع الفرات)، وسيطرت هذه الوحدات بشكل سريع على المناطق التي كانت خاضعة لتنظيم الدولة قرب الحدود التركية".
وتنوه المجلة إلى أن "دخول أنقرة إلى الحرب السورية يعد التطور الأهم منذ ظهور تنظيم الدولة عام 2014، ويهدف التحرك إلى سحق عدوين في مرة واحدة، فتريد أنقرة أولا منع قوات حماية الشعب، التي تعدها أنقرة فرعا لـ(بي كي كي) من توحيد المناطق الواقعة تحت سيطرتهم في الشرق قرب منبج مع الكانتون الكردي عفرين في الغرب، وثانيا، يريد الأتراك استخدام المنطقة نقطة انطلاق لعمليات محتملة ضد تنظيم الدولة، وهناك من يتكهن بأن تركيا تنوي الهجوم من الشمال، ومدينة تل أبيض، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، التي تعد البوابة الشمالية لمدينة الرقة، ونتيجة لهذا أطلقت أنقرة وقوات سوريا الديمقراطية سلسلة من التصريحات، زعم فيها كل فريق فيها أنه سيحرر الرقة".
ويذكر الكاتبان أن "أفضل السيناريوهات هو قيام قوات سوريا الديمقراطية أو تركيا باستعادة الرقة من تنظيم الدولة، بشكل يوجه ضربة فاسية وضرورية لـ(الخلافة)، ولدى الأكراد ميزة من ناحية الدعم الأمريكي والوحدة في الهدف، لكن عددهم يظل قليلا، ولا توجد لديهم رغبة بدخول الرقة ذات الغالبية العربية، التي تنظر بعين الشك للأكراد، وبالمقارنة، فإن درع الفرات لديه ميزة من ناحية توفر العدد الأكبر من القوات السنية الراجلة ودعم الناتو، مع أن مبعوث أوباما للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة بريت ماكغيرك لم يكن متحمسا لهم".
وترى المجلة أن "السيناريو الأسوأ هو استمرار قوات سوريا الديمقراطية والقوات التركية في مواجهة مستمرة، بشكل يجعل تنظيم الدولة مسيطرا على الشرق والأسد أمن في الغرب".
ويبين الكاتبان أن "الغرب يعيش انقساما مناطقيا مشابها للانقسام في الشرق، وفي هذه المرة بين نظام الأسد والجماعات غير الجهادية، وتسيطر المعارضة على إدلب ومناطق في ريف حلب، وكذلك على جيوب في درعا والقنيطرة، وفي كل منطقة تسيطر عليها المعارضة هناك مزيج من الجماعات المقاتلة: مقاتلون محليون وجهاديون وجماعات سلفية غير جهادية، ومن أهم هذه الجماعات –عدا عن تنظيم الدولة- جبهة فتح الشام، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، التي كانت تعرف باسم جبهة النصرة، وفي الوقت الذي بدأت فيه الجماعات المعارضة للنظام السوري تشك بقدر التزام الولايات المتحدة في الإطاحة بنظام الأسد، فإن الكثير منها اختار الانضمام لجبهة فتح الشام".
وبحسب المجلة، فإن "صعود جبهة فتح الشام المتزايد في شمال غرب سوريا أدى إلى قلق وزير الخارجية الأمريكي، الذي دعا إلى اتفاق ينسق الغارات الأمريكية الروسية ضد التنظيم، الذي لو نفذ لكان المستفيد الأول منه نظام الأسد، لكن نظامه لم يعد لديه سوى ما بين 20 ألفا إلى 25 ألفا من القوات الجاهزة للانتشار، وهي كافية لحصار حلب وبعض الضواحي الواقعة تحت سيطرة المعارضة في دمشق، ومع ذلك لم يستطع تحقيق هذا إلا بدعم من حزب الله والمليشيات الشيعية من أفغانستان والعراق، واحتاج أن يستورد مزيدا من المقاتلين الشيعة من الخارج ليواصل سياسته الجوع أو الركوع، وعادة ما عانت هذه المليشيات من مشكلات تدريب، ووجدت صعوبات في العمل في المناطق الريفية السنية، وستكون الولايات المتحدة محظوظة لو صمد المقاتلون في حلب بشكل يعطي إدارة ترامب الفرصة للضغط على الروس من أجل استئناف اتفاق وقف الأعمال العدائية، الذي انهار في أيلول/ سبتمبر، لكن هذا احتمال غير وارد".
ويشير الكاتبان إلى أن "الأسد سيواصل قصف حلب الشرقية، بدعم من الروس، بشكل سيؤدي إلى استمرار تدفق اللاجئين للدول الجارة، وسيدفع معارضي النظام أكثر إلى أحضان جبهة النصرة وبقية المتطرفين، ونتيجة كهذه ستقوي من حالة موسكو، التي تقوم بتقديمها نيابة عن الأسد، حلا للازمة السورية، وسيعزز هذا بالضرورة دور روسيا في شرق المتوسط".
استخدام العصا
وتقول المجلة: "حتى هذا الوقت التزمت الولايات المتحدة بوحدة الأراضي السورية، بناء على قرار مجلس الأمن الدولي 2254، الذي أكد (سيادة واستقلال ووحدة وسلامة أراضي الجمهورية العربية السورية)، لكن سوريا مقسمة منذ نصف عقد تقريبا، ومن أجل التعامل مع هذا الوضع فإن على الولايات المتحدة قلع جذور التطرف، وتقديم الحماية الإنسانية للأجزاء المتكونة منها سوريا، وإعادة تركيب البلاد من جديد".
ويذهب الكاتبان إلى أنه "لتحقيق هذا الأمر، فإن إدارة ترامب أمام خمسة خيارات تكتيكية يمكن تطبيقها: مناطق حظر جوي/ آمنة، وغارات ضد النظام لفرض اتفاق وقف إطلاق النار، ودعم المعارضة، التي تم التأكد منها، والعقوبات والدبلوماسية".
وتجد المجلة أنه "أيا كانت الخيارات، منفردة أو مجموعة التي ستتبناها الإدارة، من أجل تخفيف مخاطر تعرضها للتطرف والهجرة (التي يولدها النزاع)، فإن عليها أن تعترف بأن فعل هذا يحتاج إلى استعداد من جانب واشنطن للتسامح مع المخاطر المرتبطة باستخدام القوة، وبالنسبة للخيار الأول، إقامة مناطق أمنة/ حظر جوي، التي حظيت بدعم مبدئي من ترامب ونائبه مايك بينس، فإنه عندما يتم الإعلان عن نية إقامة مناطق آمنة/ حظر جوي، فإنها سترسل رسالة للأسد بأن الإدارة الجديدة لا تعتقد بقدرته على استعادة (كل شبر) من الأراضي السورية".
ويقول الكاتبان إن "منطقة حظر جوي فوق كامل البلاد تحتاج إلى قيام الولايات المتحدة بضرب الدفاعات الجوية السورية والروسية، وهو أمر لم يفكر به أي رئيس أمريكي؛ خشية استفزاز حرب مع روسيا، ومع ذلك، فإن هناك مناطق حظر جوي محدودة قائمة فعليا على الحدود السورية مع الأردن، ومنطقة الحظر التركية القائمة شمال حلب هي مثال على الطريقة التي يمكن من خلالها حماية هذه المناطق دون مواجهة عسكرية".
وتجد المجلة أن "وجود استراتيجية أمريكية ذكية، تشمل نشر قوات خاصة لحماية هذه المناطق، والقيام بغارات جوية، وإطلاق صواريخ كروز لاستهداف الطيران والمدفعية التابعة للنظام، يمكن أن يوفر الحماية لهذه المناطق، ويمكن استخدام خيار عسكري آخر، واستخدام صواريخ طويلة المدى من أجل تعزيز اتفاقيات وقف إطلاق النار، التي انهارت بشكل مستمر، فهذه الاتفاقيات تنجح عندما تتوفر للأطراف المتنازعة حوافز إيجابية للتفاوض، وحوافز سلبية كافية تؤدي إلى عدم خرق اتفاقيات إطلاق النار".
ويبين الكاتبان أنه "لهذا كان الأسد والروس قادرين على معاقبة المعارضة، وليس العكس، ويمكن أن تؤدي الولايات المتحدة دورا لتعديل موازين القوة، عن طريق عقاب النظام، من خلال صواريخ كروز والغارات الجوية على المطارات العسكرية التابعة له، وقد يؤدي هذا، وبشكل غير مقصود، إلى قتل جنود روس، إلا أن تركز القوات الروسية في مناطق جغرافية محدودة يعني وجود مواقع عسكرية متعددة متوفرة، مثل المدارج ومواقع الآليات والطائرات المكشوفة والمروحيات، يمكن توجيه ضربات لها من خارج الأجواء السورية".
وتفيد المجلة بأنه "بشكل بديل، يمكن للولايات المتحدة تقديم دعم نوعي وكميات كبيرة من السلاح للجماعات السورية، التي تم التحقق منها، وهو أمر لم تكن إدارة أوباما راغبة بعمله، ولأن السيطرة على مناطق تحتاج إلى قوات بشرية، وفي ضوء العدد المحدود المتوفر منها للأسد، وزيادة تأثير المتطرفين، فإنه من الضروري تقديم الدعم للعناصر التي بقيت من الجماعات غير الجهادية، ولن يتوفر هذا الدعم إلا في حالة كرست الولايات المتحدة نفسها لقتال نظام الأسد، وهو خيار حاولت إدارة أوباما تجنبه، ولا يبدو ترامب حتى هذه اللحظة راغبا في متابعته".
ويقول الكاتبان إنه "يمكن للولايات المتحدة تبني خيار تشديد العقوبات، وبفعلها هذا فإنها ستحصل على النفوذ الذي تريده في المفاوضات المستقبلية، ما يسمح لها برفع العقوبات التي يواجهها الأسد، وزيادة الحوافز له، في حال قبل بنقل حقيقي للسلطة يسمح بتوحيد البلاد، وهذا بالتحديد أمر مهم في ضوء حاجة النظام اليائسة لإعادة بناء البنى التحتية في المناطق المدنية التي دمرها، وهناك ملمح مهم في الدبلوماسية مفقود، وهو شمل محاكمات بجرائم الحرب نظرا لاستخدامه السلاح الكيماوي".
وتورد المجلة أن "الخيار الأخير هو الدبلوماسية، سواء كانت بالإكراه أو غير ذلك، وحتى الآن فشلت الدبلوماسية الأمريكية في إجبار الأسد على التنازل عن السلطة، وفشل الروس والإيرانيون في دفع وكيلهم للتفاوض، ومن هنا فإن القوة العسكرية والعقوبات ستؤديان إلى تقوية يد المفاوضين، إلا أن دبلوماسية مع الحلفاء وتفاوضا صعبا مع الأعداء سيؤديان إلى النتائج المطلوبة لوقف الحرب".
فن الصفقة
ويرى الكاتبان أنه "بعيدا عن التداعيات الإنسانية، فإن قرار واشنطن التركيز على حرب تنظيم الدولة لا الأسد قد منح إيران وروسيا يدا حرة لتغيير ميزان القوة في سوريا، وبالنسبة لشركائنا العرب والإسرائيليين في المنطقة، فقد طرحوا أسئلة حول اهتمام الولايات المتحدة في النزاع على السلطة الجاري فيها بين دول الخليج العربية وإيران، حيث وقفت موسكو إلى جانب طهران، ومن هنا، فإن السلبية من جانب إدارة ترامب ستعزز صورة الولايات المتحدة بأنها سترضى بالخطط الروسية والإيرانية للمنطقة، وطالما استمرت هذه الحالة فإن الولايات المتحدة ستجد صعوبة في إقناع الشركاء السنة بقتال تنظيم الدولة، الذي يرون أنه تهديد يمكن التحكم به أكثر من إيران".
وتستدرك المجلة بأن "أمريكا لديها نفوذ؛ لأن استراتيجيتها هي القادرة على توحيد سوريا، فمن خلال قصف حلب يأمل الروس بدفع المعارضة للقبول بواقع التقسيم الفعلي، الذي يترك الأسد في السلطة، ونتيجة كهذه لن تكون أساسا لإعادة الوحدة الوطنية، ويجب أن يفهم بوتين أن الولايات المتحدة ستوافق على وقف إطلاق نار حقيقي إذا كان مرتبطا بقرار مجلس الأمن 2254، الذي يشمل رفع الحصارات، وبناء ممرات إنسانية، وكتابة مسودة دستور جديد، وموافقة الأسد على مغادرة السلطة بعد 18 شهرا من العملية الانتقالية، ويجب على بوتين أن يفهم أنه في حالة خرق الأسد أيا من هذه المبادئ، فإن الولايات المتحدة ستكون جاهزة للقيام بغارات جوية عقابية، وهذا يعطي للمنطقة رسالة تفيد بأن ترامب يعني ما يقوله".
ويقول الكاتبان إنه "ينبغي على ترامب أن يرسل رسالة واضحة لبوتين، مفادها: لو استمرت روسيا بدعم الأسد، وحتى لو فشل بالوفاء بالتزاماته المتعلقة بقرار 2254، فقد تجد روسيا نفسها في مصيدة حرب مكلفة لا يمكنها الانتصار فيها".
ويخلص الكاتبان إلى القول إنه "من خلال هذه الخيارات، فإن على الولايات المتحدة التأكيد أن لا حل سياسيا شاملا طالما ظل الأسد في السلطة، فقد سُفك دم كثير، وارتكبت جرائم كثيرة، وعانت المعارضة والداعمون الخارجيون من آلام كثيرة حتى يقبلوا بنتيجة كهذه".