اضطر عشرات الأطفال ذكورا وإناثا في العاصمة السورية
دمشق مؤخرا، إلى ترك المقاعد المدرسية، رغم مرور شهرين فقط على بدء العام الدراسي في
سوريا، والالتحاق بمهن وأعمال شاقة غير محددة الأجر والساعات، بسبب مصاعب الحياة المادية والفقر الذي آلت إليه عائلات كثيرة.
وفي الوقت ذاته؛ باتت عشرات العائلات في دمشق وأريافها تسعى بجد للهجرة خارج البلاد، وبعضها بدأ فعليا ببيع ممتلكاته لتأمين أكبر مبلغ مالي يكون سندا لهم في المهجر، وجميعهم ينتظر تسهيلات دولية للعبور، وخاصة إلى تركيا أو الأردن أو أوروبا.
وأكد الناشط الميداني في دمشق، يوسف الشامي، عزوف عشرات الفتيان والفتيات عن ارتياد
المدارس وخاصة
طلاب المراحل الإعدادية، والتوجه نحو أعمال أشد قسوة كـ"أعمال البناء، والمطاعم، ومحال بيع الألبسة" وغيرها، مشيرا إلى أن "هدفهم من ذلك هو الحصول على الأموال لمساندة أرباب عائلاتهم في تسديد أجور المنازل، وتأمين مدخول يومي لشراء الحاجيات الأساسية".
وقال الشامي لـ"
عربي21" إن "الحياة الآمنة في منظور أهالي دمشق وضواحيها؛ باتت في تأمين الإيجار الشهري للمنازل الذي بلغ مستوى قياسيا لا قدرة لصاحب أي مدخول محدود على تغطيته، وهذا ما أدى إلى تسرب العديد من الأطفال والشبان من المدارس، وتوجههم إلى أعمال المياومة ذات الأجر المادي اليومي".
وأضاف أن أعداد من غادروا مقاعد الدراسة لا يمكن إحصاؤها بشكل دقيق، بسبب الصعوبات الأمنية في العاصمة، "ولكن يمكن الجزم من خلال تواصلنا مع عائلات تقطن دمشق؛ بأن أعداد العازفين عن المدارس يتضاعف يوميا، وذلك بالنظر إلى مرور شهرين فقط على بدء العام الدراسي".
بيع ممتلكات بهدف الهجرة
من جهته؛ قال المحامي "عز الدين" من دمشق، إن "الفترة اللاحقة التي تلت الاتفاقيات التي فرضها النظام على المعارضة؛ بهدف إفراغ مدن وبلدات
ريف دمشق من سكانها ومقاتليها، وتهجيرهم نحو الشمال السوري؛ شهدت تضاعفا كبيرا جدا في مبيعات الممتلكات من قبل أبناء العاصمة وريفها، وكل من ينحدر من منطقة ثائر، بهدف الخلاص من بطش النظام المحتمل بالهجرة عن دمشق".
وأضاف لـ"
عربي21" أن عمليات البيع التي عرضت على عدد من المحامين لتسيير أمورها؛ شملت أراضي زراعية، ومنازل ومحال تجارية، مشيرا إلى أن "غالبية العازمين على بيع أملاكهم؛ يريدون بيع كل ما بحوزتهم دون استثناء، وهذا يعني أنهم يريدون
الهجرة من سوريا بشكل دائم، والاستقرار في بلدان أخرى".
وأكد عز الدين، الذي ما زال على رأس عمله لدى حكومة الأسد، على إقدام النظام على استملاك أعداد كبيرة من المحاضر الزراعية أو السكنية، وخاصة في المناطق الحيوية بقلب دمشق، كـ"مشروع دمر، وقدسيا، والمزة" وعلى تخوم العاصمة كـ"داريا، والمعضمية، وخان الشيح"، وذلك لأنه يعدّها تابعة لأفراد حرضوا على "الإرهاب" ضد الأسد، وبالتالي يحق له معاملتها كغنيمة حرب، على حد وصفه.
ولفت عز الدين إلى تعمد حكومة الأسد، ومن خلفها المخابرات الجوية، إجبار أي شخص يريد توكيل محام لتسيير أموره في سوريا، على أن يقدم الوكالة القانونية إلى القضاء قبل أن تصل إلى المحامي، "وذلك بهدف منع أي سوري معارض للأسد من بيع أملاكه، وبالتالي وضع إشارة حجز أو استملاك عليها".
بدوره؛ قال الموظف المتقاعد محمد أبو إسماعيل، الذي ينحدر من إحدى البلدات المهجرة بريف دمشق: "لقد انتهيت مؤخرا من بيع كافة أملاكي في ريف دمشق، ولم يبق لي هنا إلا تواجدي مع عائلتي؛ بانتظار تسهيلات للهجرة من قبل أي دولة مجاورة".
وأضاف لـ"
عربي21": "نأمل في أن نحصل على تسهيلات للفيزا التركية، على اعتبارها خيارا أفضل من بقية الدول العربية، وذلك لما تقدمه من تسهيلات للسوريين، وخاصة في مجال العمل والإقامة".
وحول أسباب عزمه على الهجرة من سوريا؛ قال أبو إسماعيل: "الفرقة الرابعة قتلت ابني ذا الـ14 عاما، ولا طاقة لي أن أنظر إلى قاتل طفلي وهو يسير أمامي، مع عدم وجود قانون عادل يأخذ بثأره، لذلك سأهاجر من سوريا، وهو خيار أراه أفضل بكثير من أن أحابي قاتل طفلي؛ لأنني ضعيف، ولا أقدر على مجابهته".