يتجه
المغرب إلى اعتماد إصلاحات جذرية تمس مجانية
التعليم بالنسبة للتعليم الثانوي والجامعي، من خلال إشراك الأسر في تمويل التعليم، وذلك بعد مصادقة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي على مشروع رأي طلبته
الحكومة.
المصادقة جاءت بعد مسيرة انطلقت من إصدار
المجلس الأعلى للتربية والتكوين، الذي يرأسه المستشار
الملكي عمر
عزيمان، رؤية استراتيجية لإصلاح التعليم تقترح إنهاء المجانية، سلمها للملك، الذي أحالها على رئيس الحكومة ابن كيران ويدعوه فيها إلى تحويلها إلى قانون إطار يصبح ملزما للجميع، قبل أن يحضر القانون الإطار، ثم يحيله على المجلس لإبداء الرأي كما ينص على ذلك القانون، ليعتمده المجلس في دورته الأخيرة.
إلغاء المجانية
صادقت الجمعية العامة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي على مشروع رأي المجلس في موضوع "القانون الإطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي" ومشروع تقرير المجلس عن "التربية على القيم" بهذه المنظومة.
وأوضح المجلس، في بلاغ له الخميس، حول نتائج دورته العاشرة يومي 21 و 22 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري بالرباط، أن جمعيته العامة صادقت على مشروع الرأي وعلى مجمل الملاحظات والتعديلات المتفق عليها، مبرزا أن لجنة مؤقتة مختصة ستتولى إدراجها لعرض المشروع في صيغته المعدلة على مكتب المجلس من أجل اعتمادها، في أفق توجيه رأي المجلس في هذا الشأن إلى رئيس الحكومة، في غضون الأيام القادمة.
وأضاف أن مشروع هذا الرأي حظي بمداولات مستفيضة، أوصت بضرورة تضمين مشروع هذا القانون كافة التوجهات والأهداف الأساسية لإصلاح المنظومة التربوية، في انسجام مع رافعات التغيير المتضمنة في الرؤية الاستراتيجية، مع استحضار نواظمها الثلاثة، الهادفة إلى بناء مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء.
كما أوصت الجمعية بضرورة تحديد هذا المشروع للمسؤوليات والآماد الزمنية للتطبيق، في مراعاة للتدرج والنجاعة، والتنصيص على المقتضيات الكفيلة بضمان التحقيق الشامل لأهداف الإصلاح المنشود.
وبخصوص مشروع تقرير المجلس عن "التربية على القيم بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي"، فقد حظي بدوره بمصادقة الجمعية العامة، على أساس اعتماد صيغته المعدلة من قبل مكتب المجلس بعد إغنائه بالملاحظات والاقتراحات المتفق عليها في الجمعية العامة من قبل لجنة المناهج والبرامج.
وأبرز البلاغ أن مناقشة مشروع هذا التقرير خلصت إلى تثمين أهميته في ترسيخ الدور الاستراتيجي المنتظر من المدرسة، إلى جانب باقي المؤسسات التربوية والتأطيرية الأخرى، المتمثلة في تنمية القيم الوطنية والكونية، الهادفة إلى تكوين المواطن الواعي المتشبع بالحس النقدي وبثقافة الحوار، والقادر على الموازنة الذكية بين حقوقه وواجباته والملتزم بمسؤوليته والمنفتح على الغير وعلى العصر.
تحفظ النقابات
وكشف مصادر مطلعة أن "
الرأي الاستشاري الذي خرجت به الجمعية العامة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي عرف نقاشا حادا بسبب رفض ممثلي النقابات لمقترح إلزام الأسر بتمويل التدريس".
وقالت مصادر "
عربي21" التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، إن "اجتماع الجمعية العامة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي يرأسه عمر عزيمان، الذي انعقد الاثنين والثلاثاء، عرف نقاشا اتسم بطابع الحدة بسبب مشروع رأي المجلس حول قانون الإطار، المتعلق بمنظومة التربية والتكوين".
وشددت المصادر على أن "النقطة التي فجرت النقاش داخل الاجتماع المذكور هي توصية كان المجلس يروم تحويلها إلى قرار، يقضي (بمساهمة الأسر المغربية في تمويل المنظومة، وذلك عبر فرض رسوم دراسية)".
وسجلت المصادر أن "نقطة مساهمة الأسر المغربية جوبهت بمعارضة شرسة من قبل ممثلي النقابات التعليمية، الممثلة في المجلس، التي خاضت معركة شرسة توجت بإدخال تعديل على هذا المقترح".
وتابعت المصادر، أن "المشروع يتضمن الانفتاح على مصادر تمويل جديدة للمنظومة التربوية وتنويعها، من خلال ميزانيات الجماعات الترابية، أو إحداث صندوق خاص لدعم المنظومة، أو من خلال الفاعلين الخواص كالشركات وغيرها".
وزادت المصادر أن "الفقرة التي أثارت غضب النقابات ورفضها لهذا المقترح، تجلت في الحديث عن تفعيل التضامن الوطني من خلال أداء الأسر مساهمات في تمويل المنظومة".
وأفادت أن "رئيس المجلس أمام الرفض، اقترح تشكيل لجنة من أجل مراجعة النص وتدقيقه، حيث تخرجت الصيغة الحالية التي تقول بـ"الإقرار التدريجي للرسوم بعد إنجاز دراسة شاملة تحدد مدى ملاءمة قدرة الأسر للمساهمة في تمويل المنظومة".
وأكدت المصادر أن "النقابات تحفظت على هذه الصيغة أيضا لأنها غير واضحة، وتهدد الأسر المغربية التي ترغب في تدريس أبنائها في التعليم العمومي، خالصة في حال تعدد الأبناء الذين يدرسون".
وأعربت المصادر عن "استغرابها من أن التوجه نحو فرض الرسوم على الأسر الغنية سيسقط في تناقض كبير، كون هذه الفئات المعنية بأداء الرسوم نادرا ما تكون مقبلة على المدرسة العمومية، بقدر ما تفضل تدريس أبنائها في القطاع الخاص".
أهمية الإصلاح
وأكد رئيس المجلس عمر عزيمان، على الأهمية الحاسمة لوضع قانون- إطار لإصلاح المنظومة التربوية، باعتباره يحدد التوجهات والأهداف الأساسية للدولة في ميادين التربية والتكوين والبحث العلمي، وفق خيارات ورافعات التغيير المتضمنة في الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030، على نحو يؤمن لهذا الإصلاح طابعه الجوهري والشمولي، ويضمن له الاستدامة، ويجعله ملزما للجميع، وفي منأى عن الإكراهات والظرفيات المتغيرة.
وأبرز أن الاهتمام بمشروع تقرير المجلس يأتي في إطار الاقتناع الراسخ للمجلس بدور المدرسة في بناء مغرب مواطن وديمقراطي وعادل، يضمن الموازنة بين الحقوق والواجبات.
واعتبر رئيس المجلس أن نهج سياسات عمومية، ووضع برامج عمل ومخططات وتدابير لتطبيق الإصلاح التربوي، تعد لازمة لإنجاح هذا الورش المصيري ولتحقيق أهدافه.
وقدم وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، رشيد بن المختار، خلال الجلسة ذاتها، عرضا للمشاريع المندرجة في إطار تطبيق الرؤية الاستراتيجية للإصلاح، المتعلقة على الخصوص بتحسين وتطوير البنية المدرسية، ومراجعة المناهج والبرامج، وتقوية تدريس وتعلم اللغات، وتطوير النموذج البيداغوجي وتعزيز تكوين المدرسين، فضلا عن ترسيخ القيم بالمدرسة المغربية، وإرساء اللامركزية الفعلية.
وتوقف الوزير عند التدابير الاستثنائية المتخذة برسم 2016-2017، والمتمثلة في التوظيف بالعقدة، في إطار الاستجابة للخصاص من الأطر التربوية على مستوى الجهات، والتقليص من حالات الاكتظاظ والأقسام المشتركة، وضمان الحد الأدنى من البنيات التحتية والتجهيزات اللازمة لسير المؤسسات التعليمية.
وفيما يخص التكوين المهني، أوضح أن البرامج المعتمدة من قبل الوزارة تقوم على توسيع العرض التكويني، وجعل المقاولة في صلب نظام التكوين، وتحسين جودته، وإحداث الانسجام والتكامل مع مكونات المنظومة التربوية، والحكامة المجددة.
وبسطت وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر بالنيابة، جميلة المصلي أهم الرهانات التي يعمل هذا القطاع على كسبها، بالخصوص تحسين الولوج لتحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص واستدامة التكوين، والارتقاء بالجودة لتحسين المخرجات، ودعم البحث العلمي والرفع من مردوديته وربطه بأهداف التنمية، وتطوير حكامة منظومة التعليم العالي.
وأضافت أن هذه الرهانات استدعت اتخاذ تدابير ذات أولوية تهم، على الخصوص، سد الخصاص الكمي والنوعي في الموارد البشرية، والتغطية الجامعية وحفظ كرامة الطالب، وإرساء إطار مرجعي وطني للتقييم والجودة، إلى جانب إحداث مرصد وطني لتتبع الملاءمة بين التكوين وحاجات سوق الشغل.