لا شك أن انقلاب الثالث من يوليو أظهر أسوأ ما في الشعب المصري من سلوك، وجعل نفوس رافضي الانقلاب تحمل تساؤلات حول السبب وراء كل هذا السوء الذي خرج منهم، وأدى بالبعض إلى تساؤل يكثر حول علاقتنا كرافضين للانقلاب، بداية من الوالدين والأهل والأقارب، ثم الجيران، والدوائر المحيطة في العمل والحياة، ممن أيد منهم الانقلاب، بأي درجة من التأييد.
كانت فتاوى معظم المشايخ بأن علينا أن نقاطع هؤلاء جميعا، وكان معظم استشهادهم بحادثة الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك، ومجافاة
المجتمع لهم، وعلينا أن نتفهم هنا في تعاملنا بين أصحاب الجروح الكبيرة ممن فقد ابنه أو ابنته، أو زوجها، أو أباه، أو أخاه، شهداء على يد هذا الانقلاب، فهؤلاء مكلومون فيمن فقدوا، ومعذورون في موقفهم، لا يلومهم في ذلك أحد، سواء في موقفهم، أو في دعائهم على هؤلاء الظلمة، ومن عاونهم، ومن أيدهم، ولم يتب إلى الله من ذلك، وما لا أختلف معهم فيه، هو كل من باشر هذه الجريمة، أو حرض عليها، أو كان أداة لتنفيذها، سواء كانت أداة إعلامية، أم دينية، أو بأي أداة أخرى.
لكن هناك حالة مهمة وهي حالة عامة الشعب من الناس والمجتمع، ممن ليس بيده أمر، سوى أنه خرج مع من خرجوا، بسذاجة، أم بغفلة، أم بخداع مورس عليه، وصور له هؤلاء الناس كأنهم مستبدون مجرمون، هل يكون دورنا معهم أن نزيد الغشاوة على أبصارهم، أم نزيلها؟ هل يكون دورنا معهم المحاسبة والمعاقبة، والوعيد لهم، أم دعوتهم والأخذ بيدهم للتوبة؟ هذا هو ما ينبغي علينا التفكير فيه، وفي التعامل معهم، خاصة أننا كإخوان وإسلاميين، في أصل توجهنا أننا دعاة إلى الله عز وجل، ميدان عملنا هم العصاة، وليس من هداهم الله، وهذا هو مجال نجاحنا الدائم في الحياة.
لقد كان حال النبي صلى الله عليه وسلم في الرد على إيذاء من حوله، وعندما اشتد عليه الإيذاء، بدعائه: "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون"، وحين جاءه ملك الجبال مع جبريل عليه السلام، تاركا له الأمر لو أراد أن يطبق عليهم الأخشبين، فقال: " لعل الله يخرج من أصلابهم من يقول: لا إله إلا الله"، فلم ييأس من مجتمعه، حتى لو كان الأمل في الجيل الذي يخرج من صلب هؤلاء المعاندين، وهذا حاله مع الكفار فكيف يكون حالنا مع المسلمين؟!.
ويحكي أبو هريرة رضي الله عنه موقفا مهما ينبغي علينا تدبره، وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه، يقول: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قلت يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اهد أم أبي هريرة". فذهب إليها فوجدها أسلمت، ولم تكن هذه أول مرة يدعوها فتأبى، لكن كان ما آلمه أن دعاها فقالت في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكره، ولم يأمره صلى الله عليه وسلم بمقاطعتها، بل دعا لها بالهداية. وهو نفس ما قاله لأسماء بنت أبي بكر الصديق، حين قالت: يا رسول الله إن أمي لا تزال على الشرك وتأتيني وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: صليها.
فعلينا أن نمارس دورنا الدعوي مع دوائرنا القريبة، من آباء وأمهات، وإخوة وأخوات، وجيران، وزملاء عمل، علينا أن نحاصر دوائر الشر والباطل في المجتمع، لا أن نغلق باب التزامنا وثورتنا علينا، متذرعين بأنه لا أمل فيهم، فعمر بن الخطاب الذي قال فيه الصحابة: لو أسلم حمار الخطاب لأسلم عمر، حركته عاطفته، عندما سال دم أخته، فأسلم، وأصبح عمر بن الخطاب، فاورق الأمة، هذا دورنا كأفراد، وعلماء ودعاة، وقنوات، ومواقع إنترنت، هي معركة وعي ودعوة، المتساهل من سيرفع راية المقاطعة والمحاسبة والوعيد لهم، لكن القوي فيها من سيقوم بها كمعركة وعي واستعادة المجتمع الذي هو للحق والثورة، وليس للباطل، والانقلاب.
إن طبيعة الشعوب في الثورات، تحتاج إلى من يتقدمها، برؤية واضحة، أو بمسار يسبقها فيه، بعد
وقلتها بعد تنحي
مبارك: لقد أبى مبارك أن يسقط قبل أن تسقط معه قيم مهمة من أخلاقنا.
لست أنكر على المظلوم أن يدعو على ظالمه، لكني أريد أن ننتقل مع الشعب من مرحلة الدعاء على المؤيدين والمفوضين، من الدعاء إلى الدعوة، سواء بالحوار، أو بالمعايشة، أو بتوضيح الصورة،
الانقلاب سينتهي إن شاء الله لا محالة، ولكن ماذا عن المجتمع بعد انتهائه، يجب أن يكون الخطان متوازيين، من الناس من يحركه موقف إنساني، ومن الناس من يحركه نقاش عقلي.