مع بدء
تهجير آلاف من سكان مدينة المعضمية المحاصرة، غرب
دمشق، الأربعاء، يبدو أن مسلسل التغيير الديمغرافي في
سوريا لن يتوقف حتى يتم إفراغ كامل المناطق التي ثارت ضد النظام، وفق ما يرى مراقبون وناشطون.
ويلجأ النظام السوري والمليشيات المتحالفة معه للضغط على السكان في المناطق الخارجة عن سيطرته، عبر
حصار هذه المناطق ومنع كل مسلتزمات الحياة الضرورية عنها، مع القصف الجوي والمدفعي العنيف، ليضع الأهالي أمام خيارين: إما الاستسلام لشروطه أو الموت جوعاً وقصفاً بجميع أنواع أسلحته المحرمة دوليا.
وطبق سيناريو التهجير في كافة أحياء
حمص القديمة، قبل أن ينتقل إلى ريف دمشق، لتكون داريا أولى المناطق التي سعى النظام إلى إفراغها، ولحقت بها الهامة وقدسيا، واليوم المعضمية التي خرجت منها دفعة أولى ضمت أكثر من 600 من المقاتلين وعائلاتهم أو من الناشطين الرافضين للتسوية مع النظام، متهجين إلى إدلب في الشمال السوري، ويفترض أن تلتحق بهم دفعات أخرى خلال الأيام القادمة ليتجاوز الـ3 آلاف شخص من مدنيين ومقاتلين.
وفي هذا السياق، يقول الصحفي السوري أحمد سلوم، لـ"
عربي21"، إن بداية النهج الجديد الذي بات يتبعه نظام الأسد هو نهج روسي إيراني بحت، "ففي الوقت الذي تشن الطائرات الروسية حربها على حلب، يحاول نظام الأسد وإيران تفريغ ريف دمشق أو إعادة السيطرة عليه، فكانت البداية داريا (..)، والآن يسعى النظام وحلفاؤه للسيطرة على قدسيا والهامة ووادي بردى بالكامل".
واعتبر سلوم أن هذا النهج يهدف لـ"وصل دمشق بمنطقة سيطرة حزب الله في البقاع اللبناني وهذا هو الهدف الأول، بالإضافة إلى تفريغ بعض العوائل والمقاتلين وجلب العائلات العلوية والشيعية ليحلوا مكانهم بهدف إحداث توازن طائفي أو أكثرية لداعمي الأسد"، وفق تقديره.
وأضاف: "الهدف الثاني هو كون المنطقة تضم نبع المياه الذي يغذي العاصمة دمشق وضواحيها، وبحال تمكن النظام من إتمام مشروعه السابق؛ فستكون خطوته الأخرى هي الغوطة الشرقية، وتليها محافظة درعا والقنيطرة، وذلك لكي تكون سوريا المفيدة التي يريده الروس، التي تمتد من جبال القلمون الشرقي مرورا بريف حمص الشرقي والقريب من بادية تدمر، للسيطرة على حقول الغاز الموجودة فيها"، متهما الفصائل في الجنوب السوري بـ"التخاذل" عن دعم جبهات ريف دمشق.
ولفت سلوم إلى أن "النظام وأعوانه استغلوا الهدن المزيفة التي فرضت على الثوار في سوريا وفرَض حصاره، مستغلا الوضع النفسي السيء لدى المدنيين لإتمام مصالحاته الوطنية، كما يسميها هو"، مضيفا: "كما شاهدنا في حلب، فمثلا بعد تقدم الثوار والسيطرة على الكليات الحربية توقف القتال بحجة إدخال المساعدات للمدنيين، وبعدها بفترة قصيرة خرق النظام الهدنة وشن هجوما مباغتا على الثوار ليستيعد بعض المناطق التي حررها الثوار"، كما يقول.
من جهته، يقول ماجد نعمة، وهو ناشط ميداني من بلدة الهامة (شمال غرب دمشق)، إن "الهامة وقدسيا منطقتان استراتيجيتان باعتبارهما بوابة للعاصمة دمشق، ولهما حدود مع قرى وادي بردى، وهذه القرى خارج سيطرة النظام".
وتم تهجير قسم كبير من سكان قدسيا والهامة من سكانهما في 13 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري في إطار ما يسميها النظام "مصالحات" مع السكان المحاصرين.
وأضاف نعمة لـ"
عربي21": "هدف النظام إفراغ منطقتي الهامة وقدسيا من أهلها، وخصوصا الثوار، تأمين المنطقه عسكرياً بسبب إحاطتها بمساكن الحرس الجمهوري من الضباط، وتحيط بها قرى عسكرية أيضا، فثقل النظام بالعاصمة يعتمد على هاتين البلدتين"، على حد قوله.
وأكد نعمة أن عدد السكان المتبقين في قدسيا يقدر بحوالي 40 ألفا، وفي الهامة نحو 20 ألفا، بينما كان عدد سكان البلدتين يصل لنحو 250 ألفا منذ بدء الثورة.
وبحسب نعمة، فإن منطقة الهامة محاطة بمناطق يسكنها علويون، لكنهم، وفق قوله، يرفضون المشروع الإيراني بالمنطقة، وقال: ""كنت أتواصل مع عدد منهم؛ أخبروني بتأييدهم الكامل لنظام بشار لكنهم ضد المشروع الإيراني في ريف دمشق، حيث كانت حجتهم بأن الإيرانيين صعب التعايش معهم، وربما أيضا التهجير سيكون مصيرنا ضمن تسلطهم علينا وفرض قوانينهم التي جلبوها معهم من بلادهم"، بحسب ما نقله نعمة.
وأضاف الناشط الميداني: "بدأت تنفيذ اتفاقية إجلاء ثوار بلدتي الهامة وقدسيا بريف دمشق بعد أن قاموا بتسليم سلاحهم الثقيل والمتوسط لجيش النظام عبر وسطاء لجنة المصالحة السورية المقربة من النظام، ونص الاتفاق بين الطرفين على خروج نحو 600 شخص من البلدتينـ بينهم 150 مسلحا مع عائلاتهم عبر الحافلات إلى مدينة إدلب، وتسوية أوضاع عدد من المسلحين الراغبين بتسليم أنفسهم استنادا لمراسيم العفو، وعودة الفارين من الخدمة إلى صفوف جيش النظام، ومع استكمال الدفعات المتفق عليها، سيدخل النظام إلى قدسيا والهامة".
وسبقت عملية إخلاء ثوار المعضمية ثم قدسيا والهامة، خلال نحو شهر فقط، عمليتان مشابهتان من حي الوعر الحمصي إلى ريف حمص الشمالي، وقبلها تفريغ مدينة داريا في الغوطة الغربية من أهلها، حيث انتقل ما تبقى من السكان والمقاتلين إلى إدلب، كما تم عزل مدنيين فضلوا عن الذهاب إلى إدلب؛ في مراكز إيواء بريف دمشق، في سياق عملية "تغيير ديموغرافي يواصل النظام تنفيذها"، كما يؤكد نعمة.
ويقول نشطاء وسكان محليون؛ إن النظام السوري عمل على استقدام مقاتلين من إيران وحزب الله وأفغانستان مع عائلاتهم، بالإضافة إلى مجموعات الطائفة العلوية المواليه له من مناطق أخرى، ليتم توطينهم في محيط دمشق لإحداث تغيير ديموغرافي في المناطق التي تمكن النظام ومليشياته من السيطرة عليها خلال الأعوام الماضية.