على نحو يبدو مفاجئا، أعلنت بريطانيا عبر مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير ماثيو راكروفت، عن نيتها تقديم مسودة مشروع قرار إلى
مجلس الأمن يدعو إلى الوقف الفوري لإطلاق النار واستئناف العملية السياسية في
اليمن، ليضيف إيقاعا جديدا على الأحداث التي تتسارع في خط الأزمة اليمنية بوتيرة كبيرة وخطيرة، بدأت تلامس المخاوف الدولية، إثر استهداف الانقلابيين سفينة أمريكية بالصواريخ مرتين خلال يومين فقط.
ويمثل حادث استهداف صالة العزاء في صنعاء، الذي راح ضحيته المئات بين شهيد وجريح، أحد الدوافع الأخلاقية المرتبطة بالتحرك البريطاني، خصوصا بعد أن أقر التحالف بأن قصف القاعة كان ناتجا عن معلومات مغلوطة قدمت من قبل جهات في هيئة الأركان اليمنية.
أما الدافع الاستراتيجي، للتحرك البريطاني فيرتبط بالهجمات التي نفذتها مليشيا المخلوع صالح والحوثي الانقلابية، على السفينة الحربية الأمريكية (يو أس أس ماسون).
لكن هذا التحرك إذا لم يأت ضمن تفاهم كامل في إطار الرباعية الدولية بشأن اليمن التي تضم وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، فإنه سيتحول إلى سلاح خطير جداً بيد القوى التي لا تريد استعادة الدولة في اليمن.
ومن المقرر أن تجتمع هذه اللجنة اليوم الأحد في لندن، وفقا لما أفاد به وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الخارجية البريطانية، توبياس إلوود، خلال لقاءات أجراها مع الرئيس اليمني ووزير خارجيته في الرياض اليومين الماضيين.
لكن علينا أن ندرك أن مشروع القرار المزمع أن تقدمه بريطانيا في غضون الأيام المقبلة، ولم يكشف حتى الآن عن مضمونه، لن يأتي -ومن غير المتوقع أن يأتي- فقط لكي يوقف إطلاق النار، ويحرر الانقلابيين من الطلعات الجوية القتالية لطيران التحالف، دون أن يتوفر على ضمانات حقيقية تجبر الانقلابيين على وقف الحرب والانسحاب وتسليم السلاح، وتعمل على تحريك المسار الجامد للحل السياسي، من خلال تنفيذ القرار رقم 2216 بشأن اليمن، الصادر عن مجلس الأمن أيضا، الذي رفض الانقلابيون طيلة أكثر من عام ونصف تنفيذه.
وهذا يعني أن القرار الذي قد يصدر بسهولة عن مجلس الأمن لن يكون على حساب القرارات السابقة للمجلس، وإلا فإنه فقط سيعيد إنتاج هدنة كورية جديدة، بتكريس قوى الأمر الواقع وسلطاتها في المناطق التي تسيطر عليها.
وهنا تكمن الخطورة الحقيقية لقرار مثل هذا في حال صدوره، دون ضمانات حقيقية للتنفيذ الشامل لقرارات الشرعية الدولية.
وبقدر ما يثير التحرك البريطاني المخاوف لدى المؤيدين لمشروع استعادة الدولة، فإنه بالقدر ذاته، يولد انطباعات بأن الأمم المتحدة تتجه نحو حالة من "الإسهال" في القرارات الخاصة بالشأن اليمني، التي لم تترك أثرها على الأرض حتى الآن.
وربما يتحول معها قرار مجلس الأمن المرتقب لوقف إطلاق النار إلى نسخة مكررة من الهدن الخمس الفاشلة، التي شهدتها الحرب الدائرة في اليمن، ولكن هذه المرة سيكون هناك تصنيف بأن الحرب التي تجري غير مشروعة، بغض النظر عن أهدافها المشروعة.
وما نتوقعه، أن يظهر المجتمع الدولي جدية في محاسبة الانقلابيين، في حال قرر المضي في إصدار قرار لوقف إطلاق النار، وأن يُبقي هامشا من الحركة للقوات الحكومية المدعومة من
التحالف العربي لمواجهة أي نشاط عسكري للانقلابيين على الأرض، يحاول استغلال وقف إطلاق النار.
وإلا، فإن قرارا مثل هذا، سيكون منحة من الغرب والقوى الكبرى للانقلابيين لمواصلة تنفيذ مشروعهم في الاستيلاء على الدولة، وتثبيت كيان موتور ومضطرب ومعاد للمنطقة، في جنوب شبه الجزيرة العربية.
أقول ذلك لأن ثمة من يختزل الحرب الدائرة في اليمن حاليا إلى المواجهات التي تدور على الحدود بين القوات السعودية والانقلابيين، وغالبا فإن الانقلابيين ومن يساندهم هم من يروجون هذا التصور، لكن هناك من وقع في فخ هذا التصور الذي يرسخ فكرة أن هؤلاء المتمردين يخوضون حربا وطنية.
وفي الحقيقة، هم يقودون العشرات والمئات إلى المحارق، مثلما يقتلون بشكل متعمد مئات المدنيين في تعز في المناطق التي يحاصرونها ويخوضون حرب استنزاف عبثية ضد سكانها.
إنهم يضحون بكل هؤلاء الناس على الحدود لكي يغسلوا سمعتهم، ولكي يغيبوا حقيقة أنهم انقلابيون عطلوا مفاعيل الحل السياسي وانقلبوا على الإجماع الوطني، وفجروا حربا أهلية أكلت الأخضر واليابس، واتحدوا مع مشاريع إقليمية طائفية مشبوهة هددت وتهدد ما تبقى من التماسك الوطني في اليمن بالانهيار الكامل.
الإجماع الدولي الذي توفر حول اليمن في مجلس الأمن، يبدو أنه يغير من بوصلته هذه المرة تحت التأثير الذي لا يتوقف لكتيبة الضغط الناعمة التي ما فتئت تصور الحرب في اليمن على أنه "عدوان من السعودية الغنية ضد اليمن الفقير".
ونحتاج إلى معجزة لكي نحرر الذهنية الغربية من هذا التصور الذي يحاول أن يخفي حقيقة أن العصبة الطائفية التي تستولي على صنعاء، والمدعومة من إيران، ارتكبت وترتكب أبشع الجرائم بحق الإنسانية، ومست كرامة كل اليمنيين، وحولت البلاد إلى بؤرة من الجحيم..
في حين ظل الغرب يرقب تصرفات هذه العصبة اللعينة، بارتياح اعتقادا منه أن كل ما يجري هو استهداف "للإرهاب ولروافد الإرهاب".