"القابلية للاستعمار" مصطلح ينسب للمفكر الإسلامي الأستاذ مالك بن نبي - رحمه الله - وقد عالج بهذا المصطلح ضربا من ضروب الجبرية السياسية التي يعاني منها العقل المسلم بعد عهود التخلف، حيث كانت الأنظار والأفكار والأقلام تتوجه لنقد الدول المستعمرة وظلمها وقهرها، دون العناية بالهوان والهزيمة النفسية والتدين المغشوش والجهل المركب.. الذي شكل "قابلية" شعوبنا للاستعمار، تلك القابلية التي كانت خير معين لاستقراره على ترابنا زمنا.
"القابليات" عدة؛ فهناك قابلية للاستعمار وأخرى للاستعباد وثالثة للاستغفال، وقس على ذلك.
لقد أسأنا التقدير، عندما رفعنا سقف توقعاتنا في ما يمكن للشعوب القيام به ما بعد تفجير ثوراتها في وجه المستبد القاهر.
أقول أسأنا التقدير لا الدراسة؛ لأن جل أعمالنا تقوم على العاطفة وتتأسس على الانطباع والارتجال، وتضيق ذرعا بالبحث والسبر والإحصاء والمقارنة و..
يجب أن نعترف بأننا أسرفنا في توصيف المستبد، وبغضه، وتحميله جريرة كل أزماتنا السياسية والاجتماعية بل والأخلاقية والثقافية كذلك، هذا الإسراف حجب علينا مساحات واسعة للرؤية والتشخيص، وأوجد لدينا نوعا من الارتياح والسلام النفسي الخادع، وأبعد بوصلة الإصلاح عن تحديد مكامن الداء.
إن لدى شعوبنا "قابلية للاستبداد"، هذه القابلية هي استعداد نفسي وموقف ثقافي وانحدار أخلاقي، يجعلها تسارع في تقديم كل قرابين الولاء وقصائد الثناء وفنون الانثناء أمام هامة المستبد.
وستبوء كل محاولات المصلحين بالفشل ما دامت ترتكز على نقد المستبد ولعنه والتحذير من آثار طغيانه، وتبتعد عن معالجة مكيثة ممنهجة لاستئصال ورم القابلية وتطويق آثاره على أوسع مساحة في المجتمعات.
حدثنا القرآن عن كيد الشيطان وقدراته وجنوده ووسواسه وتزيينه وخطواته و..
لكن الشيطان لا يصل لمقاصده، ولا يصل لإضلال الإنسان إلا باستعداد عنده، أو بوجود "قابلية للضلال".
قال تعالى عن كيد الشيطان وقابلية الإنسان: "إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون".
هذه القابلية قد تصل لدرجة من التجذر والتعقيد على نحو لا ينفع معه موعظة عابرة أو حجة دامغة، بل يصل الأمر بأصحابها كما يحدث مع دودة الأرض التي لا تعيش وتنشط إلا في حمأة الطين، وظلام الأرض، ونتن الماء، فإذا ما انتشلتها، ضاقت ذرعا بالنور والهواء، وتنصلت من بين يديك وعادت من جديد لحمأة الطين وظلام الجهل و"متعة" الاستعباد.