أصبح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في الآونة الأخيرة يستأسد على تركيا، ويطلق تصريحات يتوعد فيها أنقرة بالويل والثبور إن لم تسحب قواتها المتمركزة في معسكر بعشيقة القريب من مدينة الموصل. مرة يهدد الرجل باللجوء إلى مجلس الأمن وأخرى يتوعد بتدخل القوات الإيرانية وحرب إقليمية.
وسائل الإعلام التركية تتناول تصريحات رئيس الوزراء العراقي مع نشر مقطع فيديو يحاول فيه العبادي مصافحة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ولكن الأخير يتجاهله ويذله، ومع تذكير الحكومة العراقية بأن العراق تعرض للاحتلال وما زالت فيها قوات أجنبية تابعة لعدد من الدول رغم أنف العبادي وأمثاله، بالإضافة إلى النفوذ الإيراني القوي، ولم تكن زمرة رئيس الوزراء العراقي يوما قاومت المحتلين ولا عارضت وجود تلك القوات على الأراضي العراقية.
هناك نوع من الصدمة والاستغراب لدى الأتراك بالإضافة إلى الغضب من تصريحات رئيس الوزراء العراقي، لأنهم يجدون صعوبة في فهم بلوغ الطائفية لدرجة معاداة تركيا التي لا تريد للعراق إلا كل الخير والأمن والأمان، ويتساءلون: "لماذا هؤلاء يتقبلون وجود القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والألمانية والإيطالية والهولندية والدنماركية وحتى السويدية والنرويجية بالإضافة إلى القوات الإيرانية على أراضيهم، ولا يزعجهم ذلك على الإطلاق، ولكنهم ينزعجون من وجود القوات التركية؟".
وكان عدد القوات الأجنبية في العراق قد وصل بعد الاحتلال الأمريكي إلى مائتي ألف جندي وضابط ولكن أحدا من هؤلاء لم يطلق تصريحا ضد تلك القوات.
الأتراك في تعليقاتهم على تصريحات العبادي التي تهدد تركيا، يعبرون عن عدم فهمهم لماذا كل هذا الانزعاج من مشاركة القوات التركية في مكافحة داعش وتحرير الموصل، ويسألون: "هل هؤلاء الأجانب أقرب إليكم منا ونحن جيرانكم وإخوانكم في الدين؟".
الحكومة التركية لم تتعاط مع الملف العراقي يوما من منطلق طائفي، وقام كل من نوري المالكي وإبراهيم الجعفري وحيدر العبادي بزيارات إلى العاصمة التركية، كما قام المسؤولون الأتراك بزيارات عديدة لبغداد. وزار رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان عام 2011 حين كان رئيس الوزراء مدينة النجف ليلتقي المرجع الشيعي علي السيستاني في بيته، ووصفت الزيارة آنذاك بــ"المثمرة". بل أرسلت أنقرة إلى بغداد طائرتين تحملان أسلحة ومعدات إلى الجيش العراقي دعما له في مكافحة داعش. وفي مقابل ذلك، تتلقى اليوم من الحكومة العراقية تهديدات لا يشك أحد في أنها تأتي من منطلق طائفي، ما يعني انهيار كل محاولات الأتراك لتجاهل طائفية القادة العراقيين ليضطروا في نهاية المطاف للاستيقاظ من أحلامهم الوردية ومواجهة الواقع.
كان حيدر العبادي الذي يهدد تركيا اليوم ويطالبها بسحب قواتها من معسكر بعشيقة، قد زار العاصمة التركية في نهاية كانون الأول/ ديسمبر من عام 2014، والتقى رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو ورئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، وناقش معهما خلال المحادثات سبل التعاون العسكري. وقال في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره التركي بعد لقائهما في أنقرة: "طلبنا المساعدة في التدريب والتسليح. نحتاج إلى المزيد من التسليح"، مضيفا أن المحادثات تناولت تدريب الجنود والمساعدات العسكرية وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
أردوغان في رده الأخير على تهديدات العبادي، أشار إلى زيارة رئيس الوزراء العراقي لأنقرة قبل عامين وطلبه من الحكومة التركية حماية معسكر بعشيقة. وهو ما أكده أيضا رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني. وبالتالي، يرى الأتراك أن هناك من يحرك العبادي ضد تركيا ويدفعه إلى تهديدها. وبعبارة أخرى، يرون أن التهديد للوجود التركي قرب الموصل يأتي من التحالف الأمريكي الإيراني الذي يحاول إبعاد تركيا عن الموصل ويسعى لتغيير ديموغرافيا المنطقة خلال تحرير المدينة من تنظيم داعش، وإشراك حزب العمال الكردستاني في هذه المعركة، وإفساح مزيد من مجال التحرك لهذه المنظمة الإرهابية في شمال العراق.
رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم شدَّد أكثر من مرة على أن القوات التركية ستبقى في معسكر بعشيقة مهما قامت بغداد بتهديد تركيا. ولكن الرد الأقوى على تهديدات العبادي الفارغة جاء من أردوغان الذي وجَّه جزءا من كلمته أمس الثلاثاء إلى العبادي، وقال: "أنت لست نظيري، ولست من مستواي. ليس من المهم مطلقا كيف تصرخ من العراق. عليك أن تعلم بأننا سنفعل ما نريد أن نفعله"، مضيفا: "من هو هذا؟ رئيس الوزراء العراقي! اعرف حجمك أولا"، في رسالة بعثها إلى من يحرك العبادي ليقول لهم: "تعالوا أنتم مباشرة بدلا من أن ترسلوا إلي هذا التافه".
* كاتب تركي