ملفات وتقارير

ما الذي يعنيه قرار عودة المالكي لمنصبه.. وما تداعياته؟

محللون اعتبروا القرار بمثابة ضربة للعبادي وإعادة المالكي للواجهة- أرشيفية
أثار إلغاء القضاء العراقي لقرار اتخذه رئيس الوزراء حيدر العبادي عام 2015 بتسريح نواب رئيس الجمهورية، ومنهم سلفه نوري المالكي، جملة من التساؤلات عن توقيت القرار وما يعنيه، وتداعياته على المشهد السياسي في العراق.

وقررت المحكمة الاتحادية العليا في العراق الاثنين، بعدم دستورية قرار إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية، وصدر الحكم بالاتفاق وباتا، كونه قرارا مخالفا لأحكام الدستور، حسبما ذكر المتحدث باسم السلطة القضائية عبد الستار بيرقدار.

وفي ظل هذه التطورات على الساحة العراقية، فقد تواصلت "عربي21" مع عدد من الكتاب والمحللين السياسيين المختصين بالشأن العراقي، لمعرفة تداعيات القرار الذي وصفه البعض منهم بأنه "مسيس"، وما الذي يمكن أن يبنى عليه في المرحلة المقبلة.

ماذا يعني القرار؟


وصف البرلماني السابق الدكتور عمر عبد الستار، في حديثه لـ"عربي21" توقيت القرار بأنه "حساس جدا"، لأن نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي كان قد طعن سابقا بقرار العبادي، لكن القضاء رفض الطعن، واليوم ألغى القرار بعدما طعن به المالكي.

ورأى أن "القرار وجه ضربة قاضية للعبادي الذي بدأ يعيد العلاقات الجيدة مع أربيل وتصريحه الأخير عن أنقرة كان فيه شيء من المرونة، لكن القضاء حبك المشهد وقدم للمالكي خطوة تضاف لقوته البرلمانية والعسكرية المتمثلة بفصائل من الحشد الشعبي".

من جهته، فسر الدكتور زيد الأعظمي الباحث في العلاقات الدولية، عودة المالكي إلى منصب نائب رئيس الجمهورية، بأنه "يعني أنه ما زال الرجل القوي صاحب النفوذ السياسي نيابيا وميدانيا وقضائيا، ويعني أيضا قدرته على تحريك كتلة نيابية داخل البرلمان يستخدمها كعصا لإقالة الوزراء الخصوم وليّ أذرعهم سياسيا كما في مشهد إقالة وزراء الدفاع والمالية".

وقال الأعظمي في حديثه لـ"عربي21"، إن "القرار يعني أيضا أن المالكي ما زال يُخضع المؤسسة القضائية لسلطته منذ أن بدا ذلك واضحا في العام 2010 وخلافات تشكيل الحكومة، واليوم تتعزز هذه الهيمنة من خلال حكم قضائي يعيده إلى منصب رغم مرور عام على قرار إلغائه".

وتعني أيضا، من وجهة نظر الأعظمي، "وضوح برنامج عودة المالكي إلى السلطة تدريجيا سواء في العام 2017، من بوابة مجالس المحافظات، أو العام 2018 من بوابة الانتخابات التشريعية، مع احتمال دمج الاستحقاقين سوية وهو محل نقاش وتسوية سياسية".

تأثيره على التحالف الشيعي

وعلى الرغم من أن التحالف الوطني (الشيعي) يشهد حالة من الانقسام بين فريقين: الأول، يؤيد اللادولة والفوضى، والثاني، يؤيد عودة العراق بدولة قوية؛ فإن القرار سيزيد من حلة الانقسام بين التحالف، وفق تعبير عبد الستار.

واعتبر الدكتور عبد الستار، القرار في حديث لـ"عربي21"، بأنه تهيئة للمشهد العام في العراق، لعودة المالكي إلى السلطة الذي يرفض تحرير محافظة نينوى لحين عودته إلى رئاسة الحكومة، ليكون تحريرها على يديه بعدما سيطر عليها تنظيم الدولة في حكمه عام 2014.

وجاء رد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر سريعا على قرار القضاء، فقد علق تفاوضات كتلته السياسية للعودة إلى التحالف الشيعي، ودعا العراقيين إلى تظاهرات عارمة، ووصف القرار بأنه "يكرس الفساد ويحاول إرجاعه".

من جهته، رأى الأعظمي أن "امتلاك المالكي لمحركات الضغط أعلاه وتُعزز بسلاح المليشيات وفصائلها المسلحة بأدواتها السياسية المتاحة أيضا، قد تعجل من عودته للسلطة مبكرا بعد الإطاحة بالعبادي إذا ما قررت إيران إدارة مرحلة ما بعد تنظيم الدولة وانتهاء معركة الموصل بطرده".

وأضاف نائب رئيس رابطة الإعلاميين العراقيين في الخارج، أنه "في ساعة صدور القرار بعودة نواب رئيس الجمهورية تصدع التحالف الوطني مجددا بتجميد التيار الصدري مفاوضات عودته للبيت الشيعي، لأن فكرة عودة ذلك البيت واهنة مع تشبث المالكي بالسلطة والتخطيط البيّن والواضح لها".

وبحسب الأعظمي، فإنه كان متوقعا عدم قدرة رئيس التحالف عمار الحكيم على إقامة الصلح بين الصدر والمالكي، ولململة أوراق البيت من جديد، لأن لكل من الأقطاب برنامجه الانتخابي المستقل، خاصة للتيار الصدري الذي ما عاد يملك قوة إلا تحريك الشارع، وما عاد يمتلك فرصة بعد ضعفه السياسي مؤخرا إلا باستخدام التظاهرات استعدادا للانتخابات المقبلة.

ويتفق الدكتور عبد الستار، مع ما طرح الأعظمي، بالقول إن "الصدر يتملك قوة لا يستهان بها في تحريك الشارع، لأن أغلب أتباعه من الطبقة المسحوقة والشباب التي لا يمكن تجاوزها ولا الاعتماد عليها في الوقت نفسه، لأنها قد تؤدي إلى أفعال لا يحمد عقباها".

لكن الدكتور الأعظمي، شدد في حديثه مع "عربي21" على أن "الصدر لا يستطيع مجاراة المالكي لا في الوجهة السياسية ولا في الوجهة الميدانية، لامتلاك المالكي أدوات ضرب التيار الصدري مجددا".

وأوضح أن "أولى تلك الأدوات استجواب وإقالة وزير صدري بتهم الفساد وتكرار سيناريو السابقين، وميدانيا ليس لسرايا السلام قدرة مواجهة كم من الفصائل المرعية من لدن المالكي، ونسمع بين الحين والآخر تصفيات لهذا الفصيل أو ذاك".

وأعرب الدكتور الأعظمي عن اعتقاده بأن للمالكي الغلبة السياسية على خصومه عامة، لامتلاكه أدوات التغيير المشروعة وغير المشروعة في العراق، مستندا بذلك إلى خطة ومشروع وضحت ملامحهما ونوايا عودته على رأس السلطة.

الدولة العميقة

من جهته، قال الدكتور عدنان التكريتي، الباحث في الشأن السياسي العراقي، إن قرار المحكمة الاتحادية يثير عدة مسائل مهمة، أولها: هل العبادي حين أقدم على قراره لم يكن يعلم بعدم دستوريته؟ وإذا كان الجواب "نعم" أو "لا" ففي كلتا الحالتين هناك مشكلة.

وأوضح التكريتي في حديثه لـ"عربي21"، أن "العبادي روّج وأفهم المواطن البسيط أن هذا القرار سيعود عليه بالنفع الاقتصادي، ويخلص الدولة من تبعات نفقات ضخمة دون نتاج موازي، فلا المواطن شعر بما وعد به ولا تخلصت الدولة من هؤلاء".

والأمر يعيد للواجهة، بحسب رأي  الباحث في الشأن العراقي "عمل المحكمة الاتحادية وكونها تحتكم إلى سلطات أكبر من الدولة، وإنما هي تستجيب لمراكز القوى المعروفة أو غير المعلومة، وبالنهاية حين تصدر قرارها ينظر إلى المستفيد ليعلم بالقطع من يقف وراءه".

ولفت إلى أن العراق يعيش تأثيرات الدولة العميقة، ونمو دول داخل الدولة، وهكذا بات العراقيون يعلمون أن القرارات تأتي مسيسة لصالح جهات محددة وشخصيات معلومة، أولاها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

وكان رد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، قد رحب بقرار القضاء، الاثنين، قائلا: "قرار المحكمة محترم وتصحيح الأخطاء أمر ضروري، ونرفض تهديدات العصابات التي تريد تحريك القضاء والسلطة التنفيذية وفق عقلياتها المنحرفة"، في إشارة للصدر.

وأضاف المالكي في تغريدة له على "تويتر": "لم تكن المناصب ضمن اهتماماتنا بقدر ما كانت خدمة الشعب العراقي ومصالحه، وخيارنا الوقوف مع الشعب في مواجهة التحديات من أي موقع أكون فيه".

يذكر أن رئيس جمهورية العراق فؤاد معصوم، اتخذ كلا من "رئيس وزراء العراق الأسبق إياد علاوي، ورئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي، ورئيس وزراء العراق السابق نوري المالكي" نوابا له.