مقالات مختارة

قلق سعودي من المواقف المصرية الأخيرة

1300x600
في لقائه اليوم مع وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد قال الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه "لن نتوانى عن مساعدة الدول العربية لو تعرضت لأى اعتداء"، وهذا التصريح إذا أجريت له عملية بحث في محرك البحث الشهير "جوجل" ستجده متكررا مرات عديدة على مدار السنوات الثلاث الماضية، في الوقت الذي تشعر فيه دول الخليج، وتحديدا السعودية أن الموقف المصري ـ على أيض الواقع الفعلي ـ غير مقنع، وخاصة في الأحداث التي تمثل خطوط تماس ملتهبة مع التهديدات الإيرانية شمالا وجنوبا، فميليشيات الحوثي وكتائب علي عبد الله صالح تقصف المدن السعودية في الجنوب فعليا وهناك محاولات متعددة لاقتحام الحدود السعودية عسكريا تتصدى لها السعودية بنجاح حتى الآن، فإذا كانت هذه ليست اعتداءات فما هي الاعتداءات التي يتحدث عنها الرئيس، هل ينتظر أن يصلوا إلى مكة أو إلى جدة مثلا ليتحرك. 

أيضا لا يخفى أن الموقف المصري في سوريا هو عكس الموقف السعودي، رغم أن نظام بشار مرتهن بالكامل للهيمنة الإيرانية وميلشياتها الشيعية اللبنانية والعراقية وهو ما يمثل خطرا على مصر نفسها كما هو على السعودية والخليج، غير أن الموقف من العراق وحكم الميليشيات القائم هناك مثير للغرابة فعلا، فقد صدرت تحرشات وإساءات متكررة من الحكومة العراقية الموالية لإيران ضد السعودية، بل وتهديدات صريحة، ومع ذلك لم تتحرك مصر بأي صورة تشعر الجانب السعودي بالانزعاج على الأقل، ثم أتى الهجوم السياسي الإيراني الأخير والعنيف على السعودية وقيادتها ليضع صاحب القرار المصري أمام محك حقيقي، فهناك شتائم صريحة وبالأسماء صدرت من أعلى رأس في السلطة الإيرانية، 

وهناك تحرشات تطالب بعزل السعودية عن الإشراف على شؤون الحرمين الشريفين وما يتعلق بهما من شعائر الحج والعمرة، وحتى الآن لم نسمع أي رد فعل رسمي مصري، وهو أمر لافت جدا، كما أن الجامعة العربية، وأمينها العام مصري بالطبع، لم تصدر أي بيان رسمي حتى الآن، رغم خطورة الهجمات وعنفها أمام دولة عربية كبيرة ومحورية وتواجه تحديات طائفية إقليمية خطيرة بالفعل، واكتفت الجامعة العربية بتصريحات صحفية شخصية خجولة من "نائب" الأمين العام، رغم أن الأمين العام اهتم الأسبوع الماضي بإصدار بيان عن الأحوال السياسية في نيكاراجوا، فهل الشأن السعودي أقل في تقديره وتقييمه من المصالحة في أمريكا اللاتينية. 

أيضا أتى المؤتمر المشبوه الذي تم عقده في الشيشان، إحدى الجمهوريات الصغيرة بالاتحاد الروسي، بمبادرة من مؤسسة يرأسها الشيخ اليمني علي الجفري المقرب كثيرا من قيادات وأجهزة مصرية رفيعة، لتحديد مسمى "أهل السنة والجماعة"، لكي يضيف شكوكا أخرى، فهذا المؤتمر الذي شاركت فيه المؤسسة الدينية المصرية الرسمية بكامل فروعها، الأزهر والأوقاف والمفتي، إضافة إلى المستشار الديني للسيسي والمفتي السابق، جاء هذا المؤتمر بوضوح لمحاولة عزل السعودية دينيا ومن ثم سياسيا؛ لأنه تجاهل المؤسسات الدينية السعودية بالكامل وعلماءها وهيئة كبار العلماء والمفتي ورئاسة الحرمين الشريفين وأئمتهما، بل انتهى المؤتمر إلى غمز السعودية واتهام فكرها الديني بالتطرف والخطورة، وهي اتهامات شديدة الخطورة وتمثل طعنة في الظهر، خاصة عندما تصدر في الوقت الذي تواجه فيه السعودية تهديدات طائفية من إيران وأذرعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن. 

السعوديون يرفضون افتراض أن تكون هذه التحركات بعيدة عن الإرادة السياسية، أو رغما عنها، وهذا ما استثار الجميع هناك، حتى حلفاء السيسي التقليديين هناك، وشخصيات إعلامية وليبرالية سعودية معادية للإخوان وللتيار الإسلامي، هاجموا السيسي وطالبوا بوقفه مع مصر، رغم أن الموقف الرسمي للمملكة يحتفظ بطريقته التقليدية في البعد عن الاستفزاز أو رد الفعل العلني المتشنج، لكن المسألة لا تحتاج إلى كثير تأمل لإدراك أن "الرياض" ليست مستريحة من المواقف المصرية، رغم حرصها الكامل على استقرار مصر وأمنها وأمانها وتقديمها العون باستمرار، عينيا وماليا، باعتبار ذلك جزءا من المصالح الحيوية للسعودية نفسها.

 إدارة ملف العلاقات المصرية الخليجية، والمصرية السعودية تحديدا، يمثل دليلا جديدا على مدى التخبط والاضطراب في تحديد أولويات المصالح الوطنية، أو عدم وضوح الرؤية، وهو لا يختلف كثيرا عن اضطراب وتخبط في تحديد أولويات المصالح الوطنية في الداخل أيضا، الأمور تبدو غامضة، ومحددات صناعة القرار السياسي أو الديبلوماسي غير مفهومة، لا توجد أي قواعد واضحة يمكنك أن تبني عليها، ولذلك يمكنك أن تتوقع الشيء وضده، وهذا ما يحير الخليج، كما حيرنا نحن في الداخل!!

المصريون المصرية