كتاب عربي 21

هل كان الكواكبي علمانيا؟

1300x600
في إطار محاولات "سرقة الرموز الإسلامية"، بذل الحزب القومي السوري جهودا حثيثة لسرقة المجاهد المجدد الشيخ عبد الرحمن الكواكبي (1270 - 1320 هـ، 1854 - 1902م) لحشره في صفوف العلمانيين! والزعم بأنه - لعلمانيته - كان تقدميا! ولم يكن رجعيا مثل الأفغاني (1245 - 1314 هـ، 1838 - 1898م) ومحمد عبده (1266 - 1323 هـ، 1489 - 1905م)!!

وللرد على هذا الافتراء العجيب، نحتكم إلى نصوص الكواكبي، الذي قسم مذاهب الإصلاح إلى ثلاثة مناهج:

1-    منهج الأنبياء، ومن تبعهم من الحكماء والأقدمين الذين انطلقوا - في الإصلاح - من الفطرة الدينية التي تؤدي إلى تحرير الضمائر.

2-    ومنهج أصحاب العقلانية المجردة من الدين، الذين خرجوا بأممهم من حظيرة الدين وآدابه النفسية إلى التربية الطبيعية.

3-    ومنهج غلاة العقلاء اللادينيين الذين أسسوا الجمهورية الفرنسية على فصل الدين عن الدولة.

وبعد رفض الكواكبي للغلو العقلاني، الذي اختار أصحابه العلمانية وفصل الدين عن الدولة - نموذج الجمهورية الفرنسية - تحدث الكواكبي عن أنه إذا كان هناك مبرر لاختيار الإصلاح بالعلمانية - بدلا من الإصلاح بالدين - في الفضاء الأوربي حيث اللاهوت الخرافي الذي يذعن لما لا يعقل، فإنه لا مبرر ولا ملجأ لهذه العلمانية وفصل الدين عن الدولة مع الأديان المبنية على العقل المحض، كالإسلام الموصوف بدين الفطرة، دين القرآن، الذي يقوى على فهمه كل إنسان غير مقيد الفكر، ذلك أن الدين إذا كان مبنيا على العقل يكون أفضل صارف للفكر من الوقوع في مصائد المخرفين، وأنفع وازع يضبط النفس من الشطط، وأقوى مؤثر لتهذيب الأخلاق، وأكبر معين على تحمل مشاق الحياة، وأعظم منشط على الأعمال المهمة الخطرة، وأجل مثبت على المبادئ الشريفة، وفي النتيجة يكون أصح مقياس يستدل به على الأحوال النفسية في الأمم والأفراد رقيا وانحطاطا.

وبعد هذا الحديث عن تميز الإسلام بالعقلانية، وصلاحه - من ثم - ليكون سبيل الرقي الفردي والاجتماعي للأفراد والأمم، دعا الكواكبي الشرقيين إلى رفض السير وراء الغربيين، الذين نحوا الدين جانبا، فقال: "وليس من شأن الشرقي أن يسير مع الغربي في طريق واحدة، فإن طباعه لا تطاوعه على استباحة ما يستحسنه هذا الغربي".

ثم دعا حكماء الشرقيين "إلى النظر في الدين، ليرجعوا به إلى أصله المبين البريء من حيث تمليك الإرادة، ورفع البلادة من كل ما يشين، فهو - الدين - المخفف لشقاء الاستبداد والاستعباد، المبصر بطرائق التعليم والتعلم الصحيحين لقيام التربية الحسنة واستقرار الأخلاق المنتظمة، مما به يصير الإنسان إنسانا، وبه - لا بالكفر - يعيش الناس إخوانا".

كذلك، أكد الكواكبي على أن تجديد الإسلام، بالرجوع به إلى أصله، وإزالة ما علق به من البدع والشوائب، هو الذي يجعله صالحا ليكون "الأساس الذي يأتي النظام السياسي تبعا له".

فالشرقيون مدعوون - من الكواكبي - إلى تجديد الإسلام ليكون أساسا لنظامهم السياسي، ومدعوون - كذلك - إلى ألا يسيروا وراء الغربيين، الذين نحوا الدين جانبا، كما فعل غلاة الفرنسيين، لأن اللاهوت الخرافي الذي دعاهم إلى ذلك لا مكان له في ظل عقلانية الإسلام.