أثار المقال الذي كتبه مؤخرا الأستاذ أحمد منصور عن معرفة الرئيس المصري الشرعي الدكتور محمد مرسي بالانقلاب العسكري في مصر، وتحذير حلفاء سياسيين له قبل حدوثه، نقاشا وسجالا، والعجيب أن ما قاله أحمد منصور قاله علانية قبله الشيخ القرضاوي، ومصدر القرضاوي وأحمد منصور للمعلومة واحد، وأعلنها الشيخ منذ أكثر من عامين ونصف على منبر مسجد عمر بن الخطاب في الدوحة، ونقلتها الفضائيات، فالكلام ليس جديدا، لكن الجديد الآن هو شيء آخر، أن وقت إعلان الشيخ الكلام كان الصف المعارض للانقلاب موحدا، أو هكذا يبدو، ولم تكن الإخفاقات التي تلت الأحداث قد جاءت، ولم يكن الإصرار والاستكبار من بعض القيادات قد طفح على سطح الأحداث، بدليل أن القرضاوي الذي قبل منه الكلام عن مرسي من قبل، لم يقبل منه أن يسعى بالصلح بين القيادات المتنازعة، وقد كانت هذه القيادات كلما احتاجت لأي أمر لجأت إلى القرضاوي، لكن الزمن تغير.
لقد أصبحت قضية الرئيس الدكتور مرسي الآن أشبه بقميص عثمان بن عفان، فكل من أراد المزايدة رفعها، فمعاوية الذي ظل طوال خلافه مع علي رضي الله عنهما يرفع قميص عثمان، ويطالب بالقصاص له من قتلته، وكان رأي علي أنه يحتاج لالتقاط الأنفاس، والإمساك بزمام الأمور، وحصر الداخل والخارج من المدينة ليفعل ذلك، ومع ذلك استشهد علي، وأمسك بالحكم معاوية فهل اقتص لعثمان من قتلته؟ لا، لم يحدث، ونفس الحال في قضية الدكتور مرسي، يرفع قميصه كما رفع قميص عثمان أمام أي طرح، ليرفض قبل نقاشه، بل أصبح مادة خصبة للمزايدة والتخوين، فكل من أراد اختراق معسكر الشرعية ليكون له الحظوة جمهورا ونخبة زايد فيها، والمشكلة أن المزايدة تكون في الكلام عن الدكتور مرسي، دون الحديث الجاد، والتخطيط الصحيح لإخراجه، ولنجاح الثورة، دلالة على أنه كلام للاستهلاك والمزايدة فقط، وكل من أراد تعويق أي حوار تترس وراء الدكتور مرسي، وهو أمر يقع فيه الكثيرون من كل الأطراف بنصيب مختلف.
أما عن مصدر انزعاج مجموعة معينة من أي كلام يقال عن الرئيس الدكتور مرسي، وعن أخطاء التجربة، ومقصدي هنا من ينقدون التجربة من المحبين لمرسي والإخوان، والمتحالفين معهم، والمتخندقين معهم في نفس الخندق، أما انتقادات كارهي الرئيس مرسي، الذي بلغ بغضهم له درجة أن بعضهم عنده استعداد أن يصاب بالجذام أو البرص ولا يذكر مرسي بخير، لكن كلامي هنا عمن يحبون مرسي في الله بحق، ويدعون الله أن يفك أسره عاجلا غير آجل، لكن الخلاف بينهم وبينه في إدارته للدولة وقتها، وليس هو وحده، بل الكلام عن كل من كان له نصيب في قيادة المسيرة وقتها، بل وبعد الانقلاب، فمن يرفض الكلام ويسعر الحرب ضد من ينتقد، هو يعلم يقينا أن نيران هذا الكلام ستصيبه أولا، فمرسي سيكون له عذره الكبير أنه الآن مسجون، وعلينا أن نخرجه من السجن أولا، لكن من بالخارج وهم متورطون في هذه المأساة، مأساة وقوع الانقلاب دون مصارحة في القول أو الفعل للجماهير التي نزلت وهي تظن أن هذه القيادات تمتلك رؤية، أو خطة يسيرون وراءها، ومأساة معرفة وقوع مجزرة رابعة دون وضع خطة لتجنبها، لأنها ستضع نسبة من المسؤولية عن هذه الدماء في رقابها، شاء من شاء، وأبى من أبى، وهذا رأي شرعي وليس سياسيا، ولا ينفي عن المجرمين الذين مارسوا الجريمة بالفعل عقوبتهم في الدنيا والآخرة، حتى لا يزايد المزايدون في هذا الأمر بأني أضع فأس الجريمة في رقبة الضحية، بل إنني أضع نسبة المسؤولية على كل بقدره وحجمه، ولا مساواة يقينا بينهما.
العجيب أني قابلت كثيرا من المصريين ممن كانوا لا يقبلون حرفا على القيادات، ولا كلمة عن تحميل أحد منهم المسؤولية، فإذ بهم جميعا، وكأنهم يجلسون على كرسي الاعتراف فيقرون وينقلون أحداثا وشهادات لا تختلف حرفا عما قاله أحمد منصور وغيره عن المعرفة بالانقلاب، وهذا يدعونا إلى ما دعوت إليه من قبل مرارا بكتابة وتوثيق هذه الشهادات، منذ فترة الثورة وحتى اليوم داخل جماعة الإخوان، وهو ما يقوم به بالفعل مجموعة الآن منفردين، وهو أمر طلبه بعض القيادات الإخوانية المحسوبة على الثورة في السجون، بأن وثقوا ما حدث، ووثقوا ما يحدث، ولامني عدد من أهل الفكر والرأي في توقفي عن السلسلة التي كنت وعدت بالحديث عنها عن شهادتي عن فترة ما بعد الانقلاب حتى اليوم مما عشته وشهدت بنفسي بوثائقه، وهو ما يحتاج لأحاديث أخرى.
Essamt74@hotmail.com