كتاب عربي 21

مصر: السنوات العجاف لم تبدأ بعد!

1300x600
تكمن مشكلة عبد الفتاح السيسي في عدم قدرته على التعبير، فينشغل الناس بهذا العجز المضحك، عن محاولة "فك شفرته" والوصول إلى ما يريد قوله!

في خطابه الأخير في "الأوبرا" وهو يحتفل بالذكرى الثالثة لانقلابه، كان واضحا أنه مأزوم، وفي هذا الوضع ذهب ليتوحد مع مصر، فبعد لحظات من قيامه بدور "مرسال الغرام" و"ساعي البريد" الذي ينقل رسالة مصر للمصريين، توحد حامل الرسالة مع من كلفته بها، فصار هو مصر، ومصر هو، وعندما حذر من خوف مصر من سقوطها، كان يعني بذلك نفسه، وعندما قال إن مصر تطلب من المصريين ألا يتركوها، هي بحاجة إلى أحد، كان قد هبط بها إلى "الدولة المعيلة"، وكان هو نفسه مصر التي تطلب نجدة أبناءها؟!

من الواضح أن هناك أزمة في المساعدات الخارجية، فمن وعد لم يف بوعده، ومن ظن السيسي أنهم ملزمون بالإنفاق عليه، جاءهم ما يشغلهم؛ فالحالة الاقتصادية في بلاد "الرز" ليست على ما يرام، فقد دخل عليهم هو بـ "الحنجل" و"المنجل"، وفي سعيه لابتزاز دول الخليج، أرسل وزير خارجيته للعراق، ليدغدغ مشاعر إيران الجياشة، وفي المقابل تحدث في خطابه بمناسبة ليلة القدر، عن الخلاف بين الشيعة والسنة، وقال بأن الشيطان هو ما دخل بينهم في رسالة لا تخطئ العين دلالتها، وفي تبسيط لهذا الخلاف يوحي بأنه لن يمنعه من التقارب المصري/ الشيعي!

وبعيدا عن هذا، فإن رسالة السيسي تتلخص في أنه يريد من المصريين أن يوطنوا أنفسهم على السنوات العجاف القادمة، التي لم تبدأ بعد، عندما طالب بالدخول في التحدي بعدم الأكل و عدم النوم!
خطاب كهذا قاله عبد الناصر، بيد أن الفارق هنا أن ناصر كان يخوض حربا مع القوى الإقليمية التي كان يصفها بدول "الرجعية العربية"، والقوى الدولية وفي القلب منها إسرائيل، لكن السيسي هو اختيار هذه القوى، التي قدمت له مساعدات غير مسبوقة في تاريخ مصر، لعل الله ينفخ في صورته، ولكن هذه الدول كانت كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه، وما هو ببالغه.

السيسي يريد أن يدفع المصريين للتعايش مع "المجاعة القادمة"، فالأسعار في ارتفاع مستمر، والجنيه في هبوط مستمر أيضا، ولا توجد خطة لمواجهة الانهيار الاقتصادي، فالمساعدات الخارجية وصلت للحزب الحاكم، ممثلا في الجيش والشرطة والقضاء، الذي يحرص السيسي على أن يشعر المنخرطون فيه بالفارق الإيجابي الذي تحصلوا عليه، بعد أن كانوا يخشون على مصالحهم من مطلب العدالة الاجتماعية التي طالبت بها الثورة، فصاروا هم من يؤيده، من باب الحفاظ على مصالحهم المرسلة، وليموت الشعب من الجوع!

السيسي في الخطاب يعد الشعب الفقر، ولهذا مهد لهذه المجاعة، التي هي في واحدة من صورها نتاج جفاف في العام المقبل، وصفه وزير الري بأن مصر لم تعرفه منذ مئة عام، ولم يكن هذا قدرا، على قاعدة ما ورد في الأثر أن المكتوب على الجبين ستراه العين، ولكن هذا الجفاف بسبب تنازله عن حصة مصر التاريخية من المياه، في اتفاق المبادئ الذي وقعه مع الجانب الأثيوبي لبناء سد النهضة، دون أن يضمن لمصر قطرة مياه واحدة، وقد بدأ الماء يأتي شحيحا من هذا العام والمشكلة ستتفاقم مع العام القادم، مع بدء التخزين!

كانت "مؤامرة" عبد الفتاح السيسي تقوم على الإفلات من الأزمة بسنوات ملء السد، الذي قدر لها (12) عاما، فيصدر من يخلفه هذه الأزمة التي افتعلها من أجل شرعيته إفريقيا، وتأكيد هذه الشرعية إسرائيليا، لكن تكمن المشكلة أن الجانب الأثيوبي لم يجد نفسه ملتزما باتفاقات شفوية أو باطنية، يقولون في الأمثال الشعبية: "القانون لا يحمي المغفلين"!

وإزاء هذا لم يجد السيسي أمامه من سبيل إلا أن يطلب من المصريين أن يجوعوا، دون أن يوضح المبرر الذي يدفعهم لذلك، فمصر لا تخض حربا ولا تواجه عدوا، وكانت قبل انقلابه الشؤم تعيش الأمل، مع حاكم يمنيها بامتلاك الدواء والغداء والسلاح، وبدأ في العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، وإذا أثبت عدم قدرة، فإن الأمل في تغييره بالوسائل السلمية والديمقراطية قائم!

الآن، السيسي يعد المصريين الفقر، وكل برنامجه أن يدير هذا الملف فلا رؤية للخروج منه، ولا برنامج لتفاديه، والمواجهة تكون بالتعايش وبأن يجوعوا ولا يناموا، دون أن يجد نفسه مطالبا بالتنازل عن السلطة بعد أن فشل في مجابهة التحديات، ليعدنا بذلك إلى المربع الأول!

في البدء، كان المذكور يدعو المصريين للتحمل، انتظارا للرخاء الذي سيعم البلاد، فهناك مشروع المليون والنصف مليون وحدة سكنية، وهناك المؤتمر الاقتصادي الذي سيأتي معه بمشروعات عملاقة تقضي على البطالة وتوفر فرص عمل، وهناك مشروع قناة السويس الجديدة التي ستزيد الدخل القومي، وتوفر الاحتياجات من "العملة الصعبة"!

بيد أن المطلوب الآن، هو الجوع دون أمل، وهي إحدى رسائل السيسي في "خطاب الأوبرا"!

قلنا: السيسي يعدكم الفقر.. فقلتم: اخرجوا من البلد، فهو الرجل صاحب "الخلفية العسكرية"!

فاتكم أن أصحاب الخلفيات العسكرية هم سبب تخلف مصر وانهيارها.