قال روبرت
فيسك، المعلق المعروف في صحيفة "إندبندنت"، إن السؤال المهم ليس عن الدور الذي لعبه في
سوريا القيادي العسكري في
حزب الله مصطفى بدر الدين، الذي قتل في دمشق، الجمعة، بل عن وجوده في 14 شباط/ فبراير2005 في بيروت، يوم اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق
الحريري.
ويرى فيسك أن مقتل الحريري كان بداية الجهود السعودية لتدمير بشار الأسد ونظامه.
وكان القيادي في حزب الله قد وضع على قائمة المطلوبين للمحكمة الدولية الخاصة بمقتل الحريري قبل خمسة أعوام مع ثلاثة آخرين، وأقسم حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، بقطع يد" من يحاول تسليمه.
ويعلق فيسك أنه في الوقت الذي احتفل حزب الله الأسبوع الماضي بالقيادي شهيدا ومقاوما، وتشفى آخرون بقتله، وزعموا أن إسرائيل بالتأكيد هي من نفذ عملية القتل، إلا أن أهميته تنبع من حادثة اغتيال الحريري، الذي كان رجل السعودية في المنطقة.
ويرى فيسك أن السعوديين يعتقدون أن السوريين هم من قتلوا الحريري؛ بسبب معارضته لوجودهم العسكري والسياسي.
ويقول فيسك إن الأسد لم يكن مرتاحا للحريري الذي دعا القوى الغربية للمساعدة بإخراج القوات السورية من لبنان.
ويتساءل فيسك عن مصلحة حزب الله في اغتيال الحريري، خاصة أنه كان يشارك في الحكومة. فلماذا يريد التخريب على عمله السياسي ويقتل الحريري؟. ويطرح السؤال ذاته حول النظام السوري الذي يعرف أن الثمن سيكون خروجه من لبنان.
وحتى يتم حرف النظر عن سوريا، يقول فيسك إن عملاء إيرانيين في بيروت نشروا شائعة تقول إن السعوديين هم الذين قتلوا الحريري، ولكنها لم تكن ناجحة. وكان مضمون ما قاله الإيرانيون هو أن الحريري عقد اجتماعا مع مسؤول عراقي؛ لمناقشة صفقة سلاح، وأنه استخدم مال الإعمار للصفقة، وهو ما أغضب السعوديين.
ويتحدث فيسك عن محاولات فرق الأمم المتحدة جمع أدلة من خلال متابعة المكالمات الهاتفية، التي أجريت في بيروت قبل العملية بأشهر. مشيرا إلى أن بريطانيا ساعدت الفريق بتقديم معلومات، حيث كانت تقوم بمراقبة الشبكات الهاتفية في لبنان من جبل ترودوس في قبرص.
ويرى فيسك أن جهود فرق الأمم المتحدة لم تكن ناجحة، إلا أنه يشير إلى مقتل خبير تحقيق لبناني اسمه وسام عيد، ويلمح إلى أن بدر الدين ربما كان الشخص الذي قتله.
وكان عيد في طريقه إلى عمله في عام 2008. والغريب أن هذا الشخص الذي كان بيده المعلومات التي تشير لتورط حزب الله لم يحظ باهتمام فريق تحقيق اللجنة الخاصة .
وأشار فيسك إلى أن مجلة أمريكية نشرت العام الماضي تحقيقا مفصلا اشتمل على بيانات للمكالمات الهاتفية لحزب الله. وأعد التقرير رونين بيرغمان، الذي يعمل محللا عسكريا في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، وأشار إلى الأعمال الإرهابية التي نفذها بدر الدين ضد إسرائيل. فهل كان هذا مسؤولا أيضا عن قتل عيد، الشخص الوحيد الذي كان حتى موته قادرا على توجيه إصبع الاتهام إلى حزب الله؟
ورغم الدور الذي لعبه بدر الدين في عملية المارينز عام 1983، عندما كان في سن الـ22 عاما، والهجمات ضد الغربيين في العراق بعد غزوه عام 2003، والعمليات ضد المعارضة السورية للأسد منذ عام 2011، التي كان متورطا فيها بالطريقة ذاتها التي حاول فيها تدمير السفارة الأمريكية في الكويت عام ،1983 حيث سجن ثم هرب عام 1990، إلا أن ملف اغتيال الحريري هو الأهم.
ويشير فيسك إلى جهود الصحافيين في محاولة معرفة دوافع اغتيال الحريري. وقال إنه كان يعرف رئيس الوزراء الأسبق، ولم يكن بعيدا سوى عدة أمتار عن المكان الذي حدث فيه التفجير. وكان يعرف مغنية الذي التقاه في التسعينات من القرن الماضي بطهران، في محاولة لتحرير تيري أندرسون الصحافي الأمريكي وصديق الكاتب الذي كان رهينة لدى المجموعة المعروفة بـ"الجهاد الإسلامي".
كما تحدث مع محققي الأمم المتحدة، وقضى معهم ساعات طويلة. وقابل الصحافي اللبناني الذي نشرت قناته اسم أحد "الشهود" السريين للجنة التحقيق الخاصة. وتحدث إلى غازي كنعان الذي كان مسؤول أمن النظام السوري في لبنان، قبل أن يصبح وزيرا للداخلية في سوريا، وأطلق النار على نفسه عام 2005، وشاهد سيارة "المسكين" وسام عيد، التي كانت تشتعل على الطريق السريع ببيروت بعد اغتياله.
وحول الربط بين انتحار كنعان بمحاولة النظام السوري دفن أي دليل على اغتيال الحريري. نقل فيسك عن مصدر في المخابرات السورية نفيه للتقارير التي قالت إن النظام أمر كنعان بالانتحار. وكان كنعان كتب رسالة لزوجته، ثم ذهب إلى مكتبه في دمشق، وأغلق الباب على نفسه وانتحر، حيث كان الحارس يقف على الباب يحرسه.
ونقل فيسك ما قاله له صحافي في عام 2005، بأن الأسد شعر بالصدمة عندما بلغه مقتل الحريري. ولكن الكاتب لم يلتق ببدر الدين.
ويختتم فيسك روايته بالقول إنه لم يلتق بدر الدين، ومقتله في دمشق يعني أننا لن نسمع أبدا روايته حول مقتل الحريري. وبالضرورة لن نعرف من قتله أبدا، وفيما إن كانت العملية في بيروت بداية الجهود السعودية للتخلص من الأسد ونظامه.