تناولت مجلة "إيكونوميست" في محورها الخاص عن العالم العربي، عددا من الملفات، منها تقرير تحدث عن "النزاع الديني".
وجاء في التقرير أن "ملصقات صدام حسين وتماثيله قد اختفت من شوارع بغداد، وحلت محلها صور الإمام علي ونجله الحسين، حيث تحولت عاصمة الخلافة السنية في الزمن العباسي إلى مدينة شيعية، وبعد أن كان
الشيعة يمنعون من السفر إلى كربلاء، التي تبعد 100 ميل عن العاصمة، وتغلق الشوارع أمام السيارات في ذكرى عاشوراء، لأن الكثير من الناس يريدون المشي إلى كربلاء، فيما تنقل توابيت المقاتلين الشيعة، الذين يقتلون في المعارك ضد الجهاديين السنة وإلى جانب النظام السوري إلى النجف، فإن السنة في بغداد أو من بقي منهم ينظرون بعد سنوات من العنف الطائفي إلى مظاهر احتفالية انتصارية غير سارة، بل محاولة مقصودة لاستفزازهم".
وتقدم المجلة عرضا تاريخيا لتطور النزاع السني الشيعي من الصراع على الخلافة، ومقتل علي والحسين، والخلاف حول الإمامة الشيعية-إمامية/ إثناعشرية وزيدية وإسماعيلية، وكيف ظهرت الدولة الصفوية، التي يعدها المتشددون السنة دولة أجنبية لا صلة لها بالإسلام.
ويشير التقرير إلى مسألة المظلومية التي ظل يحملها الشيعة، ويقول إنه "للمفارقة أن العرب السنة هم اليوم الذين يتصرفون ويشعرون بالمظلومية، مع أنهم يشكلون غالبية المسلمين العرب، ويشعرون بالحرمان والتهميش في العراق والاضطهاد في سوريا والاستفزاز في لبنان من حزب الله، ويعانون من التشريد والاحتلال من إسرائيل في فلسطين، وفي اليمن أزيحوا عن السلطة على يد الحوثيين، وتواجه اليوم فيالق سنية وشيعية بعضها في سوريا، حيث إن الشيعة الذين يقاتلون إلى جانب نظام الأسد جاءوا من العراق وأفغانستان وإيران وباكستان بقيادة الحرس الثوري وحزب الله اللبناني، أما الجهاديون التابعون لتنظيم الدولة فهم متطوعون من أنحاء العالم الإسلامي كله، بالإضافة إلى تحالف من قوى المعارضة السورية المعادية لنظام الأسد، تدعمها السعودية وتركيا والأردن، وأصبح العمليات الانتحارية، التي تبناها حزب الله عام 1983، ونسخها الإسلاميون الفلسطينيون، وهي اليوم السلاح المفضل عند الجهاديين السنة".
وتقول المجلة إن "الإسلام هو السبب، كما يزعم البعض، ولكن أي إسلام؟ يجيب يوجين روغان، من جامعة أوكسفورد إن مصير العالم العربي ستقرره ثلاث نسخ للإسلام: الإخوان المسلمون والسلفيون الجهاديون والشيعة (ولاية الفقيه)".
ويلفت التقرير إلى دور الإسلام السياسي وقيادة محمد للمجتمع وانتشار الإسلام "بالكلمة والسيف"، ورفض المسلمين للفصل بين ما هو ديني ودنيوي المعمول به في الغرب، مشيرا إلى أن المسلمين يتفقون على أن القرآن هو كلام الله المنزل وخاتمة الرسالات، إلا أنهم يختلفون في تفسيره، فإن هناك الحرفيين وأصحاب الرأي.
وتنوه المجلة إلى الإسلام السياسي، الذي حاول الملوك والحكام استخدامه ضد اليساريين، وكيف انتعش الإخوان بعد حرب عام 1967، وكان عام 1979 مليئا بالأحداث، حيث وقعت مصر معاهدة كامب ديفيد، وفيه وصل آية الله الخميني إلى السلطة في إيران، واجتاح فيه الاتحاد السوفييتي أفغانستان، ما دفع بالسعودية وأمريكا لدعم الجهاد هناك، وفيه أيضا احتل جهيمان العتيبي الحرم المكي، ودفع وصول القوات الأمريكية إلى السعودية عام 1990 لإخراج صدام من العراق إلى تبني أسامة بن لادن الجهاد ضد أمريكا، وظهور تنظيم
القاعدة، الذي نفذ هجمات عام 2001، التي كانت المحفز لقرار جورج دبليو بوش لغزو العراق، بشكل حرف الميزان الطائفي في العراق والمنطقة.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه "عادة ما يقال إن الشيعة لم يصدقوا أنهم ربحوا السلطة، والسنة لم يصدقوا أنهم خسروها، ما زاد من وحشية النزاع".
وترى المجلة أن الجهاديين هم الذين قاموا، وعن قصد، باستفزاز الشيعة، حيث جاء في رسالة من زعيم تنظيم القاعدة أبي مصعب الزرقاي، عام 2004 أن قتال الأمريكيين سهل مقارنة مع الشيعة "الماكرين والعقارب الخبيثة"، مشيرة إلى أن هدفه كان إشعال حرب طائفية تؤدي إلى صحوة السنة.
ويستدرك التقرير بأنه مع أن هدف الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة هو إنشاء دولة إسلامية، إلا أن الزرقاوي كان يريد التعجيل بها، حيث حاولت عدة جماعات بعد مقتله عام 2006، مواصلة الهدف حتى عام 2014، حيث أعلن أبو بكر البغدادي بعد انفصاله عن تنظيم القاعدة، وسيطرته على الموصل والرقة، عن ولادة "الخلافة"، ودعا المسلمين للهجرة إليها.
وتشير المجلة إلى أن البغدادي لم يلق تأييدا، حتى من تنظيم القاعدة؛ نظرا لأساليبه الوحشية وعدائه الطائفي، مستدركة بأنه رغم حالة الضعف التي يعيشها التنظيم إلا أنه لا يزال قائما، ويقول ستيفان لاكرو من معهد الدراسات السياسية "سيانسيس بو" في باريس: "تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة هما مثل تروتسكي وستالين؛ واحد يريد ثورة عالمية، والآخر يريد بناء الاشتراكية في بلد واحد".
ويجد التقرير أن عودة
تنظيم الدولة كان مدهشا، خاصة بعد الضعف الذي أصاب تنظيم القاعدة؛ بسبب الحرب التي خاضها الأمريكيون مع الصحوات ضدها في الفترة بين 2007- 2008، حيث أعادت إلى الأذهان ثلاثة موضوعات: الانسحاب الأمريكي عام 2011، والمظلومية التي تعرض لها السنة على يد نوري المالكي وأتباعه في العراق، وانهيار الدولة في سوريا، التي سمحت لتنظيم القاعدة ببناء مركز له.
وتوضح المجلة أن "اندماج النزاعين في كل من سوريا والعراق أدى إلى تحالفات غريبة، فقد حاولت إيران دعم النظامين في بغداد ودمشق، أما أمريكا فهي حليفة مع النظام في العراق، ومن الناحية النظرية ضد بشار الأسد في سوريا، وتقول روسيا إنها تحارب تنظيم الدولة، لكنها تقوم بإنقاذ الأسد من المعارضة، أما الأكراد فهم حلفاء أمريكا ضد تنظيم الدولة وحلفاء الروس ضد المعارضة السورية".
ويورد التقرير أن الحكام السنة، خاصة آل سعود، يرون أنفسهم محاصرين من إيران، التي تريد إثارة المشكلات في اليمن وسوريا والعراق والبحرين ولبنان.
وتنقل المجلة عن مسؤول سعودي بارز، قوله: "تريد إيران إنشاء إمبراطورية فارسية"، مشيرة إلى أن السعوديين تدخلوا في اليمن بعدما احتل الحوثيون صنعاء، أما في سوريا فإنهم عملوا مع الأتراك لدعم المعارضة السورية، ويقول مصدر مطلع إن أحد الأسباب التي جعلت السعوديين يتصرفون كونهم حماة للقضية السنية، هو محاولة إبعاد الشباب السنة عن تنظيم الدولة.
ويبين التقرير أن إيران تشعر بالامتنان لعلاقاتها مع سوريا، لدورها في تسهيل مرور السلاح لحليفها حزب الله في لبنان، حيث تفضل طهران حليفا قويا في بلد ضعيف مثل لبنان، مستدركا بأن زعم حزب الله هذه الأيام بأنه الحاجز ضد طموحات إسرائيل، وبأنه يدافع عن المسلمين كلهم غير مقنع، وأصبح عوضا عن ذلك، رأس الرمح في الدفاع عن الشيعة.
وبحسب المجلة، فإنه حتى في المناطق التي لا يوجد فيها صراع سني شيعي، فإن هناك حروبا بالوكالة، حيث إن قطر وتركيا تدعمان الإخوان المسلمين، فيما تعارض الجماعة مصر والإمارات، وإلى حد ما السعودية، لافتة إلى أن المؤيدين للإخوان في ليبيا المقسمة يدعمون "فجر ليبيا"، أما معارضوهم فيدعمون "الكرامة".
ويلفت التقرير إلى "أزمة حركة الإخوان المسلمين، الذين يعيش معظم قادتهم في المنفى في كل من تركيا وقطر، ويندبون فترة حكم محمد مرسي، الذي همش الليبراليين، وفتح الطريق أمام الجيش للإطاحة به، مع أن قادة إخوانيين من دول أخرى نصحوه بتبني موقف تصالحي".
وتنقل المجلة عن أتش إي هيللر من المجلس الأطلسي، قوله: "لو استخدم الإخوان المسلمون أوراقهم بطريقة مختلفة، فربما تجنبوا الانقلاب بشكل كامل"، مستدركا بأنهم "شعروا بنشوة لأنهم يعيشون في عهد جديد، ولا حاجة لهم لأن يتنازلوا".
ويستدرك التقرير بأن هذا على خلاف حركة النهضة، التي تحركت بتعقل، وحصلت على أصوات في مجلس النواب عام 2011، وحكمت عبر تحالف، مشيرا إلى أنه مع تزايد العنف الجهادي والإطاحة بمرسي، أبدت النهضة مرونة في عدد من النقاط أثناء كتابة الدستور، وأصبحت أكثر علمانية من الحزب الذي أرادته، وسلمت الحكم لحكومة تكنوقراط عام 2014.
وتذكر المجلة أن المغرب تجنب تظاهرات حاشدة عام 2011، وعين فيه الملك حكومة إسلامية في العام ذاته، ونتيجة لتفجيرات كازبلانكا عام 2003، وكجزء من مكافحة التطرف، تحركت الدولة باتجاه السيطرة على المساجد، وأنشأت مدرسة للأئمة، بما فيها مدرسة أجنبية للأئمة من دول الصحراء ومن فرنسا وبلجيكا، التي افتتحت في الرباط عام 2015، وتهدف إلى نشر الإسلام المعتدل القائم على المذهب المالكي.
ويورد التقرير أن المغرب بدأ برنامجا رائدا لتدريب النساء "المرشدات"، حيث قالت إحداهن إن وظيفتها هي تعليم النساء والأطفال قضايا متنوعة، بما فيها محو الأمية ومكافحة المخدرات، وأضافت: "في بعض الأحيان تأتي النساء إلى المرشدات لنشر التشدد، ولهذا نتدخل لتغيير خطابهن، وعندما بدأنا كان هناك تشدد كبير، لكننا لاحظنا أنه انخفض".
وتجد المجلة أن "المشكلة أن بعض الناس قد يتعامل مع هذه الجهود على أنها ترويج (لإسلام الدولة)، ومع ذلك، فإن الحملة أثمرت على ما يبدو"، وتشير هنا إلى تجربة عبدالكريم الشاذلي، الذي اعتقل بسبب تأثيره على الشبان الذين قاموا بتفجيرات الدار البيضاء عام 2003، وصدر عفو ملكي عنه عام 2011، وهو يقود اليوم الجهود لدفع إخوانه السلفيين إلى الانضمام لحزب جديد وهو "الحكومة الديمقراطية والاجتماعية"، ويأمل خلال الثلاث أو الأربع سنوات القادمة بأن يساعد على أسلمة المجتمع.
وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالإشارة إلى أن التحول مدفوع بتغير مواقف الإسلاميين، وبالخوف من الفوضى التي حصلت في أماكن أخرى، وبالحدود التي وضعها الملك، ويقول شاذلي: "أصبح
السلفيون مدافعين عن الملكية"، ويضيف: "ننظر إلى المغرب كونه نموذجا إسلاميا رغم وجود البارات".