كتاب عربي 21

لماذا تنظيم الدولة باق وسيتمدد؟

1300x600
على مدى أكثر من أسبوع، شنّت طائرات سورية وروسية حملة جوية عنيفة على مدينة حلب، أسفرت عن سقوط أكثر من130 قتيلا مدنيا في مناطق المعارضة، واستهدفت الضربات العمياء مجموعة من المشافي والمرافق الخدمية.

واستنكرت مجموعة "أصدقاء سوريا" المفترضة الهجمات وأدانتها، بدءا من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا والسعودية، وانتهاءا ببقية الأصدقاء، لكن غينادي غاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسي قال إن موسكو لن تضغط على دمشق لوقف العمليات العسكرية في حلب، حيث تُجرى هناك عملية لمواجهة الخطر الإرهابي، بحسب تعبيره.

تنظيم الدولة الإسلامية هو أحد نتائج الدكتاتورية والإمبريالية والطائفية، فهو يدين بديمومة وجوده إلى الأسباب والشروط والظروف الموضوعية، وعلى خطى العراق سوف تدرك بعض فصائل الثورة السورية السنية الموصوفة بالاعتدال، أنها بنظر "أصدقاء سورية" عموما والولايات المتحدة خصوصا، ليست سوى بيادق في آلة "مكافحة التمرد" الأمريكية.

كما حدث إبان تأسيس "الصحوات" في العراق على يد الجنرال ديفيد بترايوس 2006- 2008، حيث سيتم التخلي عنها لتلقى مصيرها المحتوم، كما حدث في العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية بين القتل والاعتقال والتشريد على يد المالكي، لكن مصيرها في سوريا سيكون أكثر مرارة على يد الأسد.

منذ بداية الثورة السورية، اختزلت القوى الدولية التي عرفت نفسها بمجموعة "أصدقاء سوريا"، المسألة السورية برحيل الأسد باعتباره راعيا للإرهاب، ومع تنامي الجماعات الجهادية، وصعود تنظيم الدولة الإسلامية، أصبحت الأولوية الكونية تتلخص بالتخلص من "إرهاب داعش"، وغدت نقاشات حفلات التفاوض تقتصر على دروس افتتاحية في تعريف ماهية الإرهاب، وهو مفهوم يستعصي على الحد المنطقي منذ دخوله قاموس السياسة.

لكن تقنيات التفاوض الاحتفالي الاحتيالي تجاوزت تحديدات وحدود معنى "الإرهاب"، باعتباره إشكاليا، لكنها سلّمت بالإجماع على أن "داعش" يمثل روح "الإرهاب" وجسده، وهكذا فإن الأسد كعدو للإرهاب، لا يمكن أن يكون إرهابيا.

منذ البداية، راهن تنظيم الدولة الإسلامية على فشل وبؤس الثورة المسندة من قوى إمبريالية وقوى دكتاتورية، وارتكزت استراتيجيته على التعامل بقسوة ووحشية مع القوى الموالية للغرب، باعتبارهم مشروع "صحوات"، وهو يستند إلى استراتيجية صبورة تعتمد على الصمود، ريثما تدرك فصائل الثورة السورية الإسلامية والوطنية عقم العملية التفاوضية واستحالة نجاحها.

كما حدث سابقا في العراق، عندما استثمر التنظيم هذه القناعة لبناء تحالف سني مع قوى وفعاليات وحركات عراقية على أسس هوياتية دينية، وتمكن من الظهور درعا فعالا في حماية وصيانة الهوية السنيّة الممتهنة، بفعل سياسات المالكي الدكتاتورية الطائفية.

على مدى سنوات من الاحتجاجات السنية السلمية في العراق والحراكات الاحتجاجية السنية المسلحة في سوريا، برع التنظيم في البرهنة على خواء العملية السياسية وعدم جدوى المطالبات السلمية، وتصوير الصراع مذهبيا طائفيا بين السنة والشيعة، والتأكيد على غياب رؤية واضحة للدول السنية في المنطقة في التعامل مع إتلاف شيعي متحد تقوده إيران.

كما أن تنظيم الدولة الإسلامية برهن على فشل سياسات النخب السنية العراقية في توفير الحد الأدنى من العدالة ومواجهة فساد العملية السياسية التي بنيت منذ الاحتلال الإمبريالي الأمريكي للعراق عام 2003 على أسس هوياتية مكنت المكونات الشيعية من الهيمنة تحت غطاء حكم الأغلبية، وبهذا تحققت رؤية التنظيم بأن الإمبريالية والدكتاتورية والطائفية هي المحرك الأساس للسياسات المحلية والإقليمية والدولية، واستحالة استدخال السنة في أي عملية انتقالية باعتبار الإرهاب يتوافر على هوية سنيّة، الأمر الذي سوف يتطابق بصورة أشد فجاجة في الحالة السورية حيث تحكم أقلية علوية.

سوف تتحول هذه المحركات إلى سمة أساسية في الثورة السورية، مع التدخل الإيراني والروسي لدعم نظام الأسد العلوي بصورة مباشرة، وبتواطؤ قوى أصدقاء سوريا بطرائق عديدة، حيث تم الدفع بالمليشيات الشيعية العراقية وحزب الله اللبناني بصورة فجة.

وإذا كانت قوى سنيّة فاعلة في العراق قامت بمبايعة تنظيم الدولة الإسلامية والعمل تحت قيادته، وفي مقدمتها المجالس العسكرية المكونة من بعض أفراد الجيش العراقي السابق، والعناصر العشائرية المسلحة ومعظم جماعات المقاومة العراقية، أمثال: "الجيش الإسلامي"، و"حماس العراق"، و"كتائب ثورة العشرين"، و"جيش المجاهدين"، و"أنصار السنّة" و"جيش الطريقة النقشبندية"، فإن الحالة السورية شهدت مبايعة فصائل مقاتلة لذات الأسباب، وسوف نشهد في المستقبل عمليات فرز واستقطابا أشد على مستوى الأفراد أو الحركات والفصائل.

لم يكن ممكنا لدولة البغدادي أن تتمدد وتتحول من العالم الافترضي إلى الواقعي إلا عبر سياسات  الإمبريالية والدكتاتورية والطائفية، فأجندة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا تقوم على مواجهة النفوذ والتوسع الإمبريالي الإيراني في المنطقة ومحاربة "المشروع الصفوي" كما تصفه، والتصدي للمشروع الإمبريالي الأمريكي، ومحاربة "الحلف الصليبي" كما تسميه.

فالأساس الهوياتي هو المحرك الرئيس لسلوك تنظيم الدولة الإسلامية، وبهذا فإن تنظيم الدولة الإسلامية يشكل رد فعل طبيعي مناهض للإمبريالية والدكتاتورية وسياساتها الطائفية، ولا غرابة في بروز النزعة الإمبريالية والدكتاتورية في إيديولوجية وسلوك الدولة الإسلامية.

الإمبريالية والدكتاتورية منظومات إيديولوجية متضامنة ذات طبيعة عسكرية تسعى إلى الهيمنة والتحكم والسيطرة والنهب والتخريب، وتستهدف قمع خيارات الشعوب وطموحاتها  بالتحرر والاستقلالية والديمقراطية والحرية والعدالة والكرامة، وهي تعمد إلى استخدام الوسائل والأدوات كافة، لتعزيز الانقسامات والاختلافات داخل المجتمعات المستهدفة، لضمان مصالحها وديمومة تفردها بالسيادة والحكم، وتقع سياسات التلاعب الهوياتي وفي مقدمتها تأجيج  المسألة الطائفية في صلب  اهتمامات الإمبريالية والدكتاتورية.

لقد تحولت سوريا إلى مختبر مثالي للتحقق من كفاءة الأسلحة المختلفة ضد "الإرهابيين السنة"، حيث صرح  الرئيس الروسي بوتين، في 17 آذار/ مارس 2016 في كلمة ألقاها خلال لقائه بجنود بلاده العائدين من سوريا، في العاصمة "موسكو"، أن "الأسلحة الروسية المتطورة، اجتازت امتحانا جيدا في سوريا، وهذا الامتحان لم يكن في ميادين تدريبية، إنما في حرب حقيقية، فالامتحان كان شديدا وقاسيا، ومكننا من اكتشاف نواقصنا، والوضع التكنولوجي لأسلحتنا، وساعدنا في معرفة نوع الأسلحة الجديدة التي نحتاجها".

أما وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر فقد صرح في 1 آذار/ مارس 2016، إن بلاده تختبر فعالية الحرب السييبرية، حيث تشن "هجمات إلكترونية خاصة ضد تنظيم الدولة، لمنع التنظيم من السيطرة على مقاتليه".

وأوضح أن "الأساليب التي تستخدمها قواته جديدة حيث تستخدم أسلحة معلوماتية لإضعاف قدرة تنظيم الدولة على العمل والاتصال في ساحة المعركة الافتراضية".

مسألة الإرهاب السني باتت أشد وضوحا في الحالة السورية، إذ لا نظفر بفصيل أو تنظيم أو مجموعة تتمتع بشرف الانضمام إلى النادي الإرهابوي الدولي من غير "السنة"، لا الفصائل الشيعية، ولا الكردية، على الرغم من احتفالاتها بالرقص فوق جثث السنة العراة بصورة مشهدية مروعة.

وكان آخرها قيام عناصر تنظيم "حزب الاتحاد الديمقراطي "بالتمثيل بجثامين سنة سوريين عبر عرضهم على سطح شاحنة تجوب شوارع مدينة عفرين السورية، وترافقها سيارات وعناصر  الفصيل الكردي المدلل من قبل أمريكا وروسيا، برفع أعلامهم واطلاق صيحات احتفالية وحشية حول الشاحنة وأمامها.

يتنافس العالم اليوم بتقديم أطول لائحة للإرهاب السني، فالولايات المتحدة لائحنها طويلة جدا، لكن روسيا ترغب بحيازة اللقب بإضافة الحركات السنية كافة في سوريا، وفي مقدمتها أحرار الشام وجيش الإسلام.

أما العالم العربي "العلماني" جدا، والذي لا يتوافر هلى هوية دينيّة بسبب حداثته الفائقة، فلا يمكن منافسته ومجاراته في هذا المجال فجماعة الإخوان المسلمين إرهابية، وقريبا سنشهد ضم جماعة التبليغ والدعوة إلى القائمة.

خلاصة القول، إن الأسباب والشروط الموضوعية كافة، تسير في صالح تنظيم الدولة الإسلامية، على المدى المتوسط والبعيد، وعلى المدى القريب: لا أحد من اللاعبين الرئيسيين في الصراع السوري في عجلة من أمره للتقدم تجاه مركز التنظيم في مدينة الرقة خصوصا، وسوريا عموما.

إذ لا تزال تركيا تنظر إلى التنظيم باعتباره عدوا لأعدائه، ولذلك تتجنب أي مشاركة تركية واسعة النطاق في الحملة ضد التنظيم، أما الأسد، فلا يزال يرتكز إلى الاستراتيجية ذاتها، بتخويف الغرب من إرهاب التنظيم، ويستثمره غطاء مثاليا، يعطي الحكومات الغربية سببا آخر لعدم إجباره على الخروج من السلطة.

كما أن التحالف المؤيد للأسد، يرى أن الولايات المتحدة غير قادرة على تدمير تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، أو غير راغبة في ذلك دون مساعدته.

وبالنسبة للأكراد، تشكل محاربة تنظيم الدولة الوسيلة الأفضل لتوحيد أنفسهم في الشمال، وبناء دولة خاصة بهم، لكن ذلك كله يشير إلى أن حدود اللعبة تخدم تنظيم الدولة الإسلامية على المدى الاستراتيجي، فالفصائل السنية السورية سوف تسير على خطى شقيقاتها العراقية، بالالتحاق بتنظيم الدولة عاجلا أم آجلا، بيعة خلافة، أو بيعة قتال.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع