مدونات

هل تنظيم الدولة يمثل الطائفة المنصورة؟

1300x600
هناك من يقول، ربما يكون تنظيم الدولة بقيادة البغدادي هو الطائفة المنصورة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث. وعند سؤاله وكيف ذلك؟ ولدى هذا التنظيم سجل حافل من الجرائم التي طالت في معظمها الأبرياء من الناس، فيجيب صاحبنا، أنا لا أقول إن هذا التنظيم ليس له أخطاء! فهم في النهاية بشر ولكن، ربما يقوم التنظيم بعملية مراجعات لمواقفه كما فعلت كثير من الجماعات، ويصحح من مساره، وبعدها تنطبق على هذا التنظيم شروط ومواصفات الطائفة المنصورة!
 
حقيقة، أعجب مما أسمع، والأكثر عجبا أن ينحدر مستوى الفهم لدى بعضنا إلى هذه المراحل المتدنية، كي تنطلي عليه تلك التفسيرات والتحليلات البعيدة عن الفهم السليم، وبعد ذلك نحاول أن ننسج من تلك التفسيرات (مستعينين بخيالنا)، مستقبلا زاهرا ينتظر الأمة الإسلامية على أيدي هؤلاء أو أمثالهم. 

إنها مسألة مؤلمة بحق، حينما يُسمع بين أوساط مثقفينا من يتبنى مثل هذا الطرح. ولكن السؤال هو، ما السبب الذي أدى الى هذا الانحدار بعقول بعض مثقفينا إلى هذا الدرك؟ 

ولتفسير هذه الظاهرة، وجدت أنّ كثيرا من الأمور حدثت، وقادتنا إلى تلك النتيجة..

أولها: الإحباط الذي تمر به الأمة. فإنّ توالي الضربات على أمتنا الإسلامية من قبل أعدائها بالداخل والخارج، واستمرار تكميم أفواه من يصدحون بالحق وينادون بالحرية، جعل شبابنا يرى إنَّ الوسائل الديمقراطية لتداول السلطة التي أصمّ الغرب آذاننا بالمناداة لتطبيقها في بلداننا، قد أصبحت عديمة الجدوى، خاصة أنّ الذين نادوا بتطبيقها، هم ذاتهم أول من وقف ضد نتائجها عندما وصل إلى سدة الحكم تيارات إسلامية معتدلة. 

لقد تم محاربة الإسلام المعتدل بكل وحشية، من خلال الأنظمة القمعية الراسخة جذورها في الأرض العربية، وبمساندة العالم الغربي الذي يدعي إنه يدافع عن الديمقراطية.
 
كل هذا جعل شبابنا ينتهي إلى قناعة مفادها، بأنَّ التغيير السلمي لواقع شعوبنا المزري من خلال العملية الديمقراطية الذي تنتهِجهُ التيارات الإسلامية الوسطية، لا ينفع بتاتا مع تلك الأنظمة المستبدة والمتشبثة بالحكم. 

وإنَّ ادعاءات الغرب بالدفاع عن الديمقراطية في دول العالم، هي محض أكاذيب، وإنها لا تتردد بضرب أي عملية ديمقراطية تكون نتيجتها، وصول تيارات إسلامية معتدلة للحكم تسعى للنهوض بواقع الأمة وبناء أنظمة ناجحة تستمد شرعيتها من شعوبها، مثال ذلك ما حصل في مصر وتونس، بل ولديها الاستعداد لإدخال البلاد في فوضى مسلحة، إذا استدعى الأمر ذلك، كما في ليبيا وسوريا واليمن. 

كل هذه الأمور، إضافة إلى ما تمتلكه الأنظمة الاستبدادية من تاريخ أسود وطويل بالتعامل مع شعوبها، ولَّدَ عند الشباب روح المقاومة والانتقام، واتخاذ العنف سبيلا للتغيير.

هنا ظهر تنظيم داعش أو مايسمى بدولة الخلافة الإسلامية، كما يحلو لهم إن يسموا أنفسهم به، ليستثمر حالة الغضب المتولدة في نفوس الشباب، ولتوجيهها بما يخدم تحقيق أغراضه، هذا التنظيم المشبوه التي لا نبرئ الغرب قطعا من دعمه، أو على الأقل غض النظر عن تمدده وتسلطه على رِقاب شعوب المنطقة، مادام ذلك يصب في مصلحتهم. 

إنَّ الغرب يمكنه وبسهولة القضاء على هذا التنظيم الشاذ، لكن ما دام أن مستمر بتقديم الخدمات لهم، من خلال إسباغ الطابع المتطرف عن الاسلام، وإغراق شعوب المنطقة بمشاكل لها أول وليس لها آخر، فلِمَ يقض عليه؟ بل ستكون "ظاهرة داعش" هي الحجة المناسبة لاحتلال أراضينا، واستعباد شعوبنا مرة أُخرى، بحجة محاربة الإرهاب. 

أما السبب الثاني، فإن محاربة الفهم الوسطي للإسلام جعل الساحة فارغة لصالح المتطرفين من أصحاب الفكر المنحرف المتمثل بفكر داعش، فاستطاع أن يبث أفكاره وسط الشباب المسلمين القليلي المعرفة بأحكام دينهم، واستغل حبهم لهذا الدين وشغفهم لنصرته.  

وبسبب خلوا الساحة ممن يوضح لهؤلاء الشباب دينهم الحق، فقد أصبحت الأرضية مهيئة لتلك الأفكار المتطرفة التي تتميز ببساطتها وامتلاءها بالشحنات العاطفية البعيدة عن كل منطق أو عقل، الذي يتوافق تماما مع افكار الشباب الصغار من أصحاب العقول الصغيرة حصرا.
 
لقد فسر منظري داعش الآيات والأحاديث وفق مصالحهم بتفسيرات مغلوطة أو مغالية وبعيدة عن الفهم الصحيح لروح الإسلام، هذه التفسيرات وفرت لأتباع داعش، المبررات العقائدية (وفق ما يضنون) لأعمالهم الإجرامية. فما كان من شباب المنطقة ونتيجة لتلك الأسباب التي ذكرناها، إلا الانخراط مع تلك المنظمة المشبوهة ليضيّعوا دينهم ودنياهم. 

لكن إذا فسرنا أسباب انغماس الشباب الصغار قليلي الخبرة والتجربة مع آولائك المتطرفين، فما هو تفسيرنا للمحسوبين من أهل الثقافة والدراية في بواطن الأمور، انغماسهم في موجة التطرف تلك؟ ذلك عندما يقولون إنّ داعش ربما تُراجع توجهاتها وتستقيم على ما أمر الله به، ومن ثم تَصلُح أن تكون قائدة للمسلمين، وتنطبق عليها شروط الطائفة المنصورة؟
 
لقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من أحاديثه عن الطائفة المنصورة. فهل ينطبق أحدها على أفراد داعش؟

يقول صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس".
 
فصفات الطائفة المنصورة بحسب الحديث النبوي الشريف هي (ظاهرين على الحق، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، مكانهم في بيت المقدس وأكنافه). 
 
فهل داعش جماعة ظاهرة على الحق؟ أم إنّ كل أعمالهم هي من الباطل، بل لم يشهد لهم عالم من علماء المسلمين حتى الآن على صلاحِهم. وهل هم قاهرين لعدوهم؟ 

إنَ جلَّ أعمالهم ضد المسلمين تفجير وقتل وذبح. وإنّ تفجيراتهم التي ينفذونها على دول الغرب لا يستفيد منها المسلمون هناك سوى التشويه الذي يلحق بسمعة الإسلام والمسلمين في العالم، ورفع مستوى الكراهية للمسلمين. 

وأول ضحايا هذا التشويه هي الأقليات المسلمة التي تعيش هناك.
 
هل هم في بيت المقدس أو بأكناف بيت المقدس؟ الجواب: لا، لقد ظهروا في جبال أفغانستان، وانتشروا في كل العالم، ماعدا فلسطين وبيت المقدس، حيثُ يحرّمون على أنفسِهم محاربة اليهود أو أنصار اليهود فيه.

إنَّ ما صح ابتدائه صح انتهائه، فالتنظيم الذي ابتدأ تاريخه بذبح الأبرياء وإجهاض الثورات ومحاربة الفصائل المقاومة للاحتلال أو للأنظمة المستبدة، وهم مستمرون على ذلك إلى الآن، لا أمل فيهم ليعودوا جماعة نظيفة وطاهرة ببضع مراجعات تقوم بها.
 
ثم ماحكم الجرائم التي اقترفوها بحق المسلمين، وعلى جميع المستويات، هل تموت بالتقادم؟ أم يطبقوا القاعدة الفقهية (إن الإسلام يجبُّ ما قبله). هل هم كفار فتابوا فتاب الله عليهم، وأبدل سيئاتهم حسنات؟  

وماذا عن أموال المسلمين، من يتحمل ضياعها؟ ومن يردها الى أهلها؟ فكم من أموال الناس صادروها وكم الجبايات التعسفية فرضوها على الناس، وكم من الممتلكات العامة التي سرقوها وباعوها؟ بل لم ينجو منهم حتى تاريخنا، فحطموا بعض ما وصلت إليه أيديهم من آثارنا التاريخية، وباعوا البعض الآخر.

الحقيقة إنّ تنظيم داعش لا يختلف كثيرا عن جماعة الحشاشين الذين ظهروا في تاريخنا الإسلامي، وأذاقوا المسلمين الويل على أيدي مجريميها، ولم يقض عليهم سوى هولاكو، عندما كان في طريقه لاحتلال بغداد، فأهلكهم الله بظالم، هو أشد منهم ظلما.
 
تلك النهاية التي نتوقعها أيضا لتنظيم داعش، فإن كان المسلمون الآن لا يمتلكون القوة التي يقضون بها على داعش الآن، فسيهلكهم الله لا محالة بظالمٍ هو أشد منهُم ظلما. وما ذلك على الله بعزيز.

وآخيرا، أما آن الأوان لمن يرجون الخير بمثل هؤلاء أن يفطنوا لما وقعوا فيه من مغالطات، في زمن الفتن الذي نعيش فيه.