نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للصحافية آن ماري أوكونر، حول تشجيع المستوطنين اليهود في الضفة الغربية للسياحة؛ سعيا لتحقيق درجة من الشرعية، خاصة في ظل الضغوط الأوروبية لتمييز منتجات
المستوطنات المصدرة إلى
أوروبا.
وتصف الكاتبة في بداية التقرير رحلة سياحية لمتقاعدين في حافلة سياحية مضادة للرصاص، تسير في طرق ترابية، للوصول إلى أكثر المستوطنين تطرفا، الذين لديهم سمعة سيئة وهم "هلتوب يوث" أو شبان التلال.
وتنقل الصحيفة عن الحاخام مئير غولدسميث قوله: "الصورة النمطية (لهؤلاء الشباب) هي أنهم وحوش، أو فاشلون في المدارس، أو قاتلو العرب، أو لصوص الأراضي العربية، أو قالعو أشجار الزيتون العربية، لكن الحقيقة هي أنهم أروع شباب، إنهم يحبون هذه الأرض، ويريدون أن يعيشوا هنا".
ويشير التقرير إلى أن هذا التحرك من المستوطنين يأتي في الوقت الذي تطالب فيه أوروبا بتمييز منتوجات مستوطنات الضفة الغربية، التي يتعدها غير قانونية، بالإضافة إلى اعتبار الولايات المتحدة المستوطنات أحد أسباب فشل العملية السلمية وحل الدولتين.
وتبين أوكونر أنهم يقدمون للسياح الفرصة للعيش على رؤوس الجبال، ليتمتعوا بالأراضي الموصوفة بالتوراة والإنجيل، التي يسكنها أبناء إبراهيم المسلحون بحجة حماية أنفسهم من المهاجمين الفلسطينيين، مشيرة إلى أنهم يرحبون بالسياح التوراتيين؛ سواء كانوا مسيحيين إنجيليين أو يهودا ويرغبون في قضاء عطلتهم في مواقع أثرية مذكورة في العهد القديم والتوراة، كما يرحبون بالسياح الجيوسياسيين الذين يرغبون في معرفة الحقيقة وراء عناوين الصحف.
وتذكر الصحيفة أن هناك حوالي 400 ألف مستوطن في الضفة الغربية، أو ما يسميها
الإسرائيليون "يهودا والسامرة"، وهي أسماء توارتية، 15% منهم يأتون من الولايات المتحدة.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن بعض المستوطنين يعيشون في مناطق هادئة في مستوطنات لها بوابات تشبه ضواحي المدن، هاربين من الأسعار الغالية للعيش في إسرائيل إلى فلل الضفة الغربية، التي تعد أسعارها معقولة أكثر، لافتا إلى أن هناك مستوطنات أخرى تبني لليهود الأرثوذوكس المتطرفين، حيث إن بعض المستوطنين لديهم اعتقاد بأن لهم الحق في العيش في تلك الأرض التي يقولون إن الله وعدهم بها.
وتلفت الكاتبة إلى أن المجتمع الدولي يعد المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية غير شرعية، إلا أن إسرائيل تجادل في ذلك، مستدركة بأن أمريكا تعد المستوطنات "غير قانونية" و"عقبة في وجه السلام".
وتقول أوكونر إنه في هذه الحملة السياحية أصبح تذوق النبيذ سلاحا جديدا ضد حل الدولتين، حيث أصبحت شاليهات
السياحة حقيقة جديدة على الأرض، حيث تقول كارني إلداد التي شاركت في تأليف (ييشا إز فن)، وهو عبارة عن دليل سياحي للضفة الغربية: "كانت فترة السبعينيات والثمانينيات هي مرحلة الاستيطان، عندما كان علينا أن نبني بقدر ما نستطيع، وإلا كانوا سيعطونها للعرب، فكان علينا أن نمنع الفلسطينيين".
وتضيف إلداد للصحيفة: "الآن نحن في مرحلة السياحة"، حيث يصبح إبراز صورة المستوطنات كونها جزءا من النضال "للحفاظ على هذه الأرض وحماية أرض أجدادنا التي قاتلنا من أجلها ورويناها بدمائنا".
وينوه التقرير إلى أن الزيارة تتضمن عيون ماء "يقول
الفلسطينيون إنهم يعتمدون عليها"، وحديقة شيلو للآثار، حيث "يحفظ تابوت العهد بزعم المستوطنين"، وتقول فيريد بن سعدون: "شرب النبيذ جيد، حيث يصبح الناس أصدقاء"، بينما قامت بصب النبيذ في مصنع خمور طرة في مستوطنة ريخليم.
وتذكر الصحيفة أن هناك أيضا كابلات المغامرة، ومراكز التدليك الحديثة، ومصانع الجعة والخلوات الروحية وحدائق الحيوانات الأليفة، لافتة إلى أن ذلك كله هو في مواقع يحرسها الجيش الإسرائيلي، وتقول جودي رسل (72 عاما) من أستراليا، التي كانت في زيارة لشيلو الأسبوع الماضي: "نحن قلقون قليلا، لكن من الأهم أن نكون شجعانا".
وتنقل الكاتبة عن المستشار التشيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية زافير أبو عيد، قوله: "إنهم (الإسرائيليين) يمنعون كل فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، بينما يشجعون نمو المستوطنات الإسرائيلية".
ويورد التقرير أن أبو عيد اشتكى من أن المناطق الأثرية في فلسطين، مثل أريحا وبرقين ونابلس، التي تقع في مناطق السلطة، لا تشهد إلا قليلا من السياح، وحتى أن مدينة بيت لحم، التي شهدت في الماضي حركة سياحة قوية، أصبحت البطالة فيها اليوم من أعلى النسب في الضفة الغربية، بحسب أبو عيد، مشيرا إلى أن المستوطنات تطور مصدر دخل جديد، بدعم من الحكومة الإسرائيلية، بالرغم من كونها غير قانونية.
وبحسب الصحيفة، فإنه بالإضافة إلى زيارة مزارع العنب، واستخدام الدراجات الجبلية، فإن بعض المرشدين السياحيين يقومون بعرض رحلات أكثر تحديا، مشيرة إلى أن إحدى هذه الرحلات اسمها: "شباب الجبال: من أنتم؟"، التي تدعو الزائر للتعرف على المستوطنات الصغيرة، التي لا تعترف فيها الحكومة، لنفي ما اشتهر عنها من "العنف والفكر الإنجيلي والثورة".
وتورد أوكونر نقلا عن نوعام كوهين، الذي يدير ناديا موسيقيا في "نيفيه إيريز" المحظورة، قوله: "لا أحد يستطيع القول بأنها ليست أرضنا، افتح التوراة.. وعندما يأتي الناس هنا يستمتعون بالطبيعة والموسيقى والزيتون والليمون"، دون الفلسطينيين طبعا، حيث يقول كوهين "لن يكون ذلك مناسبا".
ويكشف التقرير عن أن هذا الانفتاح المفاجئ من المستوطنين هو من أفكار الرئيس السابق لمجلس المستوطنات داني ديان، الذي رفضت البرازيل قبوله سفيرا، ويعمل الآن قنصلا في أمريكا.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول المتحدثة باسم مجلس "يوشع" للمستوطنات ماعوز-عوفايدا إن السياحة في المستوطنات تزايدت بشكل كبير على مدى الخمس سنوات الماضية، حيث يستخدم حوالي 1.5 مليون زائر للضفة الغربية في العام 15 مركزا للسياح و20 محلا للملابس و200 سرير فندقي، بالرغم من الضغط الفلسطيني على شركات الإنترنت لوقف العروض التي تعلن لسياحة المستوطنات.