صحافة دولية

ناشونال إنتريست: هذه هي الدروس الـ5 لتدخل روسيا بسوريا؟

بوتين لا يرغب بسيناريو الاتحاد السوفييتي في أفغانستان - أرشيفة
لا يزال قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسحب الجزء الرئيسي من قواته من سوريا يثير التخمينات والتساؤلات، ويحاول الصحافي نيكولاس غوديسوف في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، سبر أغوار قرار بوتين المفاجئ.

ويتناول غوديسوف خمسة دروس يمكن أن تفسر الانسحاب الروسي من سوريا:

الدرس الأول: المهمة اكتملت

ويشير التقرير إلى أن هذا الدرس يقوم على التقييم الروسي بأن المهمة، التي بدأت قبل ستة أشهر، كانت محدودة وقصيرة الأمد، ولم يقدم الكرملين رؤية حول كيفية التدخل في الحرب الأهلية، أو تدمير تنظيم الدولة، أو تعزيز قوة رئيس النظام السوري بشار الأسد

ويبين المجلة أنه مثل تدخل الروس في دونباس في أوكرانيا قبل عام، تحرك بوتين بسرعة في سوريا، في وقت كان فيه الخبراء يتوقعون بثقة قرب انهيار نظام الأسد، وأنه وصل نهاية الحبل، وستصل المعارضة قريبا إلى دمشق، وفي هذا الوضع فقد كان الوجود العسكري الروسي في سوريا من أجل "مساعدة" نظام الأسد، وهو ما تم فعله.

ويلفت الكاتب إلى أنه "بعد ستة أشهر، في آذار/ مارس 2016، فإنه لا أحد يتحدث عن قرب انهيار الأسد، كما استعادت قوات الحكومة والمليشيات المتعددة الموالية لها المبادرة من جديد في ساحة المعركة، وسيطرت على عدد من القرى الرئيسية من أجل الحفاظ على المناطق الواقعة تحت سيطرتها، ومواصلة إضعاف قدرات المعارضة. وأكثر من هذا تغيرت الدينامية السياسية؛ فقد أصرت المعارضة السورية والولايات المتحدة وحلفاؤنا من دول الخليج على ضرورة رحيل الأسد، وأنه ضرورة قبل بداية التفاوض مع الحكومة حول عملية نقل السلطة".

ويستدرك التقرير بأنه رغم محاولة الحفاظ على ماء الوجه، فإن العديد من المشاركين في العملية السياسية يقبلون بدرجة أو بأخرى إمكانية بقاء الأسد في السلطة. ومن خلال عمل هذا، فقد أثبت بوتين أنه موال لأصدقائه وشركائه، وأن لديه القدرة للجمع بين الأهداف السياسية والعسكرية في حملة محدودة.

الدرس الثاني: أترك عندما تكون متقدما

وتقول المجلة إن التدخل العسكري غير صورة الكرملين بطريقة دراماتيكية، ليس في المنطقة وحسب، لكن في العالم، مشيرة إلى أن عملية تحديث المؤسسة العسكرية والإنفاق المالي عليها، وعبر السنوات الماضية، أثمرت بالتأكيد نتائجها.

ويوضح غوديسوف أن الجيش الروسي أظهر أنه قادر على شن هجوم عسكري متواصل خارج حدود الاتحاد السوفييتي السابق، وأنه يمكن لموسكو تغيير الحقائق على الأرض عبر تطبيق القوة، مهما كان موقف واشنطن أو بروكسل، الرياض أو أنقرة. فقد استعرضت روسيا في الحملة العسكرية عددا من قدراتها، وكشفت للعالم أن الولايات المتحدة ليست القوة الوحيدة في العالم القادرة على إظهار قوتها في مناطق مختلفة من العالم.

ويجد التقرير أن "موسكو حققت منافع، وأثبتت نفسها؛ ولهذا فلا داعي لتكرار التدخل، فمع مرور الوقت ستبرز مظاهر القصور والضعف داخل المؤسسة العسكرية الروسية، وكان مثيرا للخوف عندما قامت روسيا بإطلاق صواريخ كروز من أسطولها البحري في بحر قزوين إلى سوريا. وما أثر على هذا الإنجاز أنه عانى من فشل فني".

وتنوه المجلة إلى أن روسيا استطاعت التدخل في سوريا، والحصول على ثمار الإنجاز، بصد المعارضة السورية بثمن قليل، ودون أن يتكبد الروس خسائر كبيرة، ولو أراد الروس التقدم للمرحلة القادمة من خلال السيطرة على مناطق واسعة تسيطر عليها المعارضة أو تنظيم الدولة، فلن يكون الأمر بالسهولة ذاتها، كما فعلت في هذه المرحلة المحدودة.

ويرى الكاتب أنه "مع بداية محادثات السلام، فإن هذه فرصة تامة لروسيا كي تنهي العملية (بشرف) وبنجاح، وعليه فقد كان تصرفا ذكيا من روسيا أن تنهي العملية في هذه المرحلة، بدلا من النكسات في المستقبل، وبصراحة فإنها تسهم في توفير المال؛ لأن استمرار العملية لمدة أطول يعني تجفيفا متزايدا للخزينة الروسية".

الدرس الثالث: تجنب المصيدة الأفغانية

ويفيد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأنه عندما بدأ الروس ينشرون قواتهم في سوريا الخريف الماضي، كان رد الفعل بين داعمي المعارضة السورية هو البحث عن طرق لتحويل سوريا إلى ساحة أفغانستان جديدة للروس، من خلال زيادة قدرات المقاتلين السوريين العسكرية، وحتى يكونوا قادرين على استهداف القدرات الجوية الروسية وجر الروس إلى معارك برية، أي زيادة فرص كلفة الحرب من ناحية المال والأرواح.

وتستدرك المجلة بأن هذه الاستراتيجية لم تنجح؛ نظرا للموقف البارد من أطراف بدأت تفكر بتداعيات الحرب بالوكالة، أي بين السعودية وروسيا، مشيرة إلى أن إسقاط تركيا للطائرة الروسية كان تذكيرا بمخاطر الحرب، واحتمال التصادم بين القوى العظمى في سوريا.

ويذكر غوديسوف أنه عندما أصدرت تركيا الشهر الماضي عددا من التصريحات العالية، وهددت بإرسال قوات إلى داخل سوريا؛ من أجل بناء "مناطق آمنة"، وأرسلت تلميحات أنها سترحب بالمشاركة السعودية في عملية كهذه، لم تبد الرياض أو واشنطن إلا حماسا قليلا للعملية، مستدركا بأنه مع ذلك، لم يكن بوتين غافلا عن إمكانية طول أمد الحرب، وأثره على القدرات العسكرية، وأنه قد يقود إلى سخط شعبي عام، وكان قادرا على مراقبة الطريقة التي تتحول فيها العمليات العسكرية إلى مهام زاحفة وطويلة، كما حدث مع الولايات المتحدة، وكيف انتقلت من الإطاحة بنظام حركة طالبان في أفغانستان؛ للتأكد من عدم امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، وكيف تحولت إلى حرب مفتوحة، ولم تقد فقط إلى مقاومة من المجتمعات العراقية والأفغانية، لكنها أثقلت كاهل الخزانة الأمريكية، وكلفت الأمريكيين الكثير من الجنود. 

ويورد التقرير أنه في حالة سوريا، فلطالما تم تثبيت النظام وتزويده بالدعم من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، فعندها لم تعد هناك حاجة لبقاء الروس، لافتا إلى أن الدرس الأفغاني يقوم على دعم الوكلاء المحليين والحفاظ على النظام، وهذا يشبه حالة نظام محمد نجيب الله، الذي لم ينهر أمام ضربات المجاهدين، لكنه استمر حتى انهيار الاتحاد السوفييتي، وقطع المساعدات عنه، ويبدو أن هذا هو الاحتمال الآن في سوريا، أي التأكد من سيطرة النظام على ما تبقى له من مناطق، والتأكد من عدم انهياره.

الدرس الرابع: التقارب مع السعودية

وبحسب المجلة، فإن روسيا لا ترحب بمواجهة مع السعودية في سوريا، بل إنها ترغب بأن تتوصل مع الرياض إلى اتفاق حول أسعار الطاقة العالمية يؤدي إلى استقرارها، بحيث يتعافى السوق، ومن هنا تكون لدى الميزانية الروسية ونظام الرعاية فرصة لتجديد نفسيهما.

ويذهب الكاتب إلى أن "الانسحاب الروسي من سوريا هو إشارة إلى السعوديين بأنهم مستعدون للتفاوض، بعد أن قاموا بإنقاذ حليفهم في دمشق، وهو حل قائم على شكل لا مركزي وإنشاء حكومة وحدة وطنية تستجيب للمطالب السعودية وتحمي مصالحها، فمن خلال الانسحاب بعد تأمين النظام، تخلق روسيا الظروف من أجل تسوية وتقديم تنازلات، وبانتظار اجتماع وزراء نفط الدول المنتجة للنفط في نيسان/ أبريل، فنحن ننتظر أن يتم التوصل لاتفاق تجميد لإنتاج النفط مقبول للجميع. ومن هنا فتوقيت الاتفاق هو إشارة تقرب نحو الرياض".

الدرس الخامس: لا شيء بالمجان

ويجد التقرير أن الإعلان الروسي، الذي يعتقد البعض أنه فاجأ حكومة النظام السوري، التي سارعت بإصدار بيان، قالت فيه إن الخطوة تمت بالتنسيق بين دمشق والكرملين، يمكن أن يفسر على أنه تحذير من بوتين للأسد والآخرين الطامعين بالحصول على دعم روسيا؛ فالدعم ليس محدودا.

وتشير المجلة إلى أن "استعداد الأسد للتفاوض على تسوية بدأ بالتلاشي، عندما بدأت النيران الروسية تغير موازين القوى على الساحة، وربما كان الكرملين يريد تذكير الأسد أن لا صك مفتوحا. ومرة أخرى، يبدو أن الروس استفادوا من التجارب السابقة لكل من إدارتي بوش وأوباما وتعاملهما مع القادة الأفغان والعراقيين، الذين أرادوا الاستناد على الدعم الأمريكي، حتى وفي الحالات التي لم يكونوا راغبين بالاستماع لنصائح الإدارة الأمريكية، أو تبني خطوات ترى واشنطن أنهم بحاجة لاتخاذها، فقد قدم الروس مثالا عن استعدادهم للتدخل، ولكن الأسد عليه ألّا يرتكب أخطاء".

ويعتقد غوديسوف أنه بالنسبة لموسكو، فإن التدخل العسكري أعطى فرصة لنظام الأسد، وفي حالة فشل الاستفادة منها، فإن الخطأ سيقع على رأسه لا على موسكو.

ويقول الكاتب: "في الأيام والأسابيع المقبلة سنرى المدى الذي خلفه سحب موسكو لقواتها العسكرية. وعلينا أن نلاحظ أن روسيا لديها أرصدة في سوريا لإظهار القوة البحرية والجوية، وتسمح للكرملين بإعادة نشر القوات في حال تعرضت مصالح روسيا للخطر، أو في حال تغيرت الظروف".
 
وتختم "ناشونال إنتريست" تقريرها بالإشارة إلى أن الإعلان الروسي يظهر أن بوتين يتعامل مع العملية في سوريا، على أنها ليست نهاية في حد ذاتها، لكن كونها جزءا من محاولة إعادة موقعها في العالم، وربما توصلت روسيا إلى أن العملية قد حققت أهدافها.