نشرت صحيفة دي فيلت الألمانية تقريرا حول أشغال بناء "المسجد الأعظم" بالجزائر، استعرضت فيه مميزات هذا المسجد ومظاهر فخامته، وكلفته العالية في وقت تواجه فيه البلاد مخاطر عديدة تهدد بانهيار الوضع.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن مشروع المسجد الأعظم في
الجزائر يمتد على مساحة 374 ألف متر مربع، كما ستكون مئذنته الأطول في العالم بارتفاع 265 مترا، فيما يبلغ ارتفاع المسجد بعد انتهاء بناء القبة حوالي 45 مترا. أما الطاقة الاستيعابية فتبلغ 35 ألف مصل.
وقد أشرف على تصميم هذا المسجد المهندس الألماني يورغن إنغل، ليكون ثالث أضخم مسجد في العالم، بعد مسجدي مكة والمدينة.
وذكرت الصحيفة أن هذا المسجد تم البدء ببنائه برغبة شخصية من الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة، الذي بلغ من العمر 79 سنة، ولا يزال يمسك بالسلطة منذ 17 سنة، رغم أنه يعاني من المرض والعجز على إدارة البلاد.
ويأتي هذا المشروع الضخم في ظل أوضاع صعبة تعيشها البلاد؛ بسبب ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض أسعار النفط، وتراجع موارد الدولة وفشلها في إدماج المجموعات المتشددة والمسلحة خلال السنوات الماضية.
واعتبرت الصحيفة أن الكلفة العالية لهذا المسجد، التي تفوق مليار يورو، كان بإمكان الجزائر اعتمادها لحل بعض هذه المشكلات الخطيرة والمزمنة.
ورأت الصحيفة أن هذا البلد -الذي يعد الأكبر في إفريقيا- كان في الماضي قادرا على شراء السلم الاجتماعي من خلال صرف العائدات النفطية على برامج الدعم الاجتماعي، ولكنه الآن بات يعاني من نقص الموارد، حتى إن الدولة أصبحت مهددة بالانهيار ومواجهة مصير دول أخرى في المنطقة، خاصة أنها مستهدفة من قبل تنظيمات على غرار تنظيم القاعدة.
وأشارت الصحيفة إلى أن كل التقارير الإعلامية في الفترة الأخيرة تحذر من أن الخطر الإرهابي في الجزائر قائم وبقوة، على غرار بقية دول منطقة شمال إفريقيا بشكل عام؛ ولذلك فإن المجتمع الجزائري يبدو على شفا الحرب الأهلية، في ظل نظام سياسي يحتضر، وهو ما طرح مخاوف بشأن إعادة سيناريو العشرية السوداء في سنوات التسعينيات من القرن الماضي، بعد أن استولى العسكر على الحكم، حيث قتل أكثر من 120 ألف شخص في الصراع المسلح، ودخلت البلاد في دوامة الفشل الاقتصادي.
وذكرت الصحيفة أن إنهاء أشغال بناء هذا المسجد كانت مبرمجة في حزيران/ يونيو من هذا العام، ولكن تم تأخيرها مرة أخرى، ويتوقع المهندس إنغل أن يكون المسجد جاهزا مع بداية سنة 2018، وعُزي هذا التأخير إلى تقصير الشركة الصينية المكلفة بأشغال البناء.
كما اعتبرت الصحيفة أن وجود شركة بناء صينية في الجزائر هو بحد ذاته يثير الاستغراب، ففي بلد يعاني فيه ربع الشباب من البطالة، يفترض أن يكون هذا المشروع العملاق فرصة لإيجاد عدد كبير من فرص العمل وضمان دخل محترم للشباب، ولكن عوضا عن ذلك فإن الشركة الصينية جلبت معها 1200 عامل من الصين للعمل في العاصمة الجزائرية.
ونقلت الصحيفة عن إنغل أيضا تفسيره لهذا الأمر بالقول: "إن الجزائر لا توجد فيها شركات قادرة على إنجاز
المشاريع الضخمة، كما أنها تفتقر إلى اليد العاملة المدربة؛ لأن المعضلة الأساسية في البلاد هي أن الاقتصاد الجزائري ظل لسنوات يعتمد بشكل كلي على صادرات النفط كمصدر وحيد للدخل، واكتفى الناس بالحل الأسهل، وهو صرف عائدات النفط والغاز؛ ولذلك فإن مشروعا مثل المسجد الأعظم لم يؤثر كثيرا على سوق العمالة المحلية. فعلى سبيل المثال، لم يتقدم أكثر من ثلاثين جزائريا للعمل مع شركة الدراسات الهندسية المشرفة على المشروع.
وتساءلت الصحيفة حول دوافع إنجاز مثل هذا المشروع الضخم والمكلف، وما إذا كانت بسبب رغبة شخصية لعبد العزيز بوتفليقة في بناء صرح يخلد اسمه، أم إن الهدف الحقيقي هو نشر التسامح والفكر الديني المعتدل؟ ونقلت في هذا السياق رأي المهندس الألماني "يورغن فريدمان"، الذي قال إن "هذا البناء أرادته الدولة أن يكون تعبيرا عن وقوفها ضد التطرف الديني، ودعوة منها لتبني رؤية أكثر تقدما للدين الإسلامي، وينتظر أن يكون هذا المسجد مكانا للحوار وتبادل الأفكار والتعبير عن الرأي بكل حرية".
ولكن الصحيفة أثارت تساؤلات بشأن قدرة الدولة الجزائرية على أن تجعل من المسجد الأعظم مكانا لحرية التفكير والتعبير ومنارة للحرية كما يقال، وهو أمر استبعده يورغن إنغل، الذي لم يبد تفاؤلا كبيرا حيال هذا الأمر، وقال "إن الهندسة المعمارية لا تخلق الديمقراطية؛ لأنها لا تقدم شيئا غير المظهر الخارجي، ففي الدول الديمقراطية يكون فن العمارة رائجا، كما يكون المجال مفتوحا أيضا لبقية الفنون، ولكن الفرق هو في كيفية استعمال هذا الفن".
وفي الختام، نقلت الصحيفة كلمة هذا المهندس الألماني، الذي قال: "نحن سعينا لتصميم مكان يشعر فيه الناس بالراحة والسكينة، ونأمل أن هذا المبنى سيكون له تأثير إيجابي، يتجاوز العصر الحالي إلى العصور المقبلة".