ربما تكتب
الانتخابات -التي تجرى اليوم الجمعة لاختيار مجلس الخبراء- كلمة النهاية في مسيرة السياسي المخضرم والرئيس
الإيراني الأسبق، آية الله أكبر هاشمي
رفسنجاني، الذي هيمن اسمه لفترة طويلة على تاريخ الجمهورية الإسلامية.
وإذا أخفق رفسنجاني في تأمين الأصوات اللازمة للحصول على مقعد في مجلس الخبراء الذي يختار الزعيم الأعلى في إيران، فإنها ستكون بداية رحلة الخروج من الحياة السياسية.
ورغم أنه من القلائل الذين تمتعوا بنفوذ كبير في إيران على مدى سنوات، إلا أن السياسي البالغ من العمر 81 عاما واجه منذ 2009 هو وعائلته انتقادات من المحافظين؛ بسبب دعمهم لحركة المعارضة، التي خسرت انتخابات عام 2009 أمام محمود أحمدي نجاد.
كما أثار رفسنجاني أيضا حنق المحافظين خلال الاستعدادات لانتخابات هذا العام لمجلس الخبراء وللبرلمان؛ بانتقاده الصريح لمجلس صيانة الدستور، وهو الجهة التي تفحص المرشحين؛ بسبب استبعاده للإصلاحيين على نطاق واسع.
وتحالف رفسنجاني -المعروف في إيران "بالقرش"؛ بسبب وجهه الحليق ودهائه السياسي- مع مجموعة من الإصلاحيين تضم الرئيس حسن روحاني.
وهذه المجموعة يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في مواجهة المحافظين الذين من المرجح أن يسيطروا على مجلس الخبراء المكون من 88 عضوا، وتستمر ولايته ثماني سنوات.
وينظر كثير من الإيرانيين لرفسنجاني -المولود لعائلة زراعية ثرية اشتهرت بزراعة الفستق- بمزيج من التشكك والاحترام المشوب بالحسد؛ بسبب نجاحه في جمع ثروة طائلة.
وخسر رفسنجاني الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2005 لصالح رئيس بلدية طهران -آنذاك- أحمدي نجاد، الذي كان لا يحظى بشهرة واسعة.. في هزيمة عكست استياء الإيرانيين من رفسنجاني، باعتباره جزءا من مجتمع الصفوة، واعتقادهم بأنه يخدم مصالح فئة محدودة على حساب العامة.
وقال هادي قائمي، المدير التنفيذي للحملة الدولية لحقوق الإنسان في إيران، ومقرها الولايات المتحدة: "رفسنجاني لا يمتلك سجلا جيدا... لا أعتقد أن الإيرانيين تابعوا كثيرا أخباره. فرصته في الفوز تكاد تتساوى مع فرص الخسارة".
وإذا فاز بمقعد، فيمكن لرفسنجاني استخدام نفوذه السياسي داخل المجلس -الذي كان رئيسه من 2007 وحتى 2011- للتأثير على اختيار الزعيم الأعلى القادم، كما فعل في عام 1989 عندما تم اختيار آية الله علي
خامنئي.
وقال شاؤول بخش، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة جورج ميسون في ولاية فيرجينيا الأمريكية: "رفسنجاني براغماتي قبل أي شيء، ولديه قدرة على حل المشكلات. إنه يبحث عن سبل لإنجاز الأشياء".
شخصية مثيرة للجدل
وأول ما تحفظه ذاكرة الإيرانيين لرفسنجاني إقناعه لمؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني بقبول اتفاق سلام مع العراق، بعد حرب ضروس استمرت ثماني سنوات، وإنقاذ إيران من انهيار وشيك.
وخلال عام، مات الخميني، وعين مجلس الخبراء خامنئي -الذي كان وقتها رئيسا للبلاد- في منصب الزعيم الأعلى، في خطوة رتبها رفسنجاني. ويرى الخبراء أن رفسنجاني اتخذ هذه الخطوة لاعتقاده بأنه يمكنه التأثير عليه.
وبعد تولي خامنئي منصب الزعيم الأعلى، انتخب رفسنجاني رئيسا لولايتين.
لكن الخلاف الذي أعقب ذلك يعود إلى ما قبل الثورة الإيرانية، وتشكل بالأساس من تناقض وجهات نظر الرجلين.. حيث يرى رفسنجاني أن الإصلاح هو أساس استقرار الدولة الإسلامية، في حين يخشى خامنئي من أنه قد يسرع في احتضارها.
وقال كريم ساجد بور، المحلل بمعهد كارنيغي للسلام الدولي ومقره واشنطن: "خامنئي لم يكن ليصبح زعيما أعلى لولا رفسنجاني. المقربون من رفسنجاني يقولون إنه نادم على اليوم الذي ساعد فيه خامنئي... إنهما المثال الحي على الأصدقاء الأعداء".
وبالإضافة إلى تقلده منصب رئيس مجلس الخبراء لحين تجريده منه، يشغل رفسنجاني حاليا منصب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، وهو هيئة مسؤولة عن حل النزاعات بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور.
وتنتهي ولايته رئيسا لمجمع تشخيص مصلحة النظام العام القادم.
ثوري وبراغماتي
ووصف رفسنجاني بأنه أحد "أعمدة الثورة"، لكن سياساته البراغماتية، مثل تحرير الاقتصاد وتحسين العلاقات مع الغرب وتمكين الكيانات الإيرانية المنتخبة، تروق للكثير من الإيرانيين.
وفي 2009، أثار حنق المحافظين بإعلان أن البلاد في أزمة، ودعوته إلى الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين وإلى حرية الصحافة.
وفي كانون الأول/ ديسمبر، تحدث رفسنجاني في أحد المحظورات، عندما ذكر أن مجموعة تشكلت داخل المجلس لبحث من يمكنه خلافة خامنئي. وفي المقابلة ذاتها، ذكر أيضا أنه يدعم فكرة حكم البلاد من خلال مجلس من رجال الدين.
ومارست القيادة الإيرانية ضغوطا على رفسنجاني، باعتقال ابنته فائزة عام 2012، وسجنت لمدة ستة أشهر، بعد إدانتها "بالدعاية المضادة للحكومة"، بعد أن دعمت بشكل صريح المعارضة في عام 2009.
وبعد ذلك، سجن مهدي ابن رفسنجاني عندما عاد إلى البلاد بعد غياب دام ثلاث سنوات. وحكم على مهدي بالسجن عشر سنوات؛ لإدانته بالفساد وتهم تتعلق بالأمن، وبدأ مهدي في تنفيذ عقوبته في سجن إيفين الصيف الماضي.
ومازال رفسنجاني قادرا على تحريك الأمور بمهارة من وراء الكواليس داخل الساحة السياسة الإيرانية المعقدة، وقد تكون لديه فرصة أخيرة في إحداث تحول داخل النظام، الذي ساهم في بنائه.
وأشار سعيد ليلاز -وهو محلل سياسي في طهران عمل مستشارا للرئيس السابق محمد خاتمي- إلى أن رفسنجاني، وبرغم خسارته لمنصبه رئيسا لمجلس الخبراء، فاز في الانتخابات الأخيرة "بأغلبية لا جدال فيها".