اتفقت القوى الكبرى، الجمعة، على "وقف الأعمال العدائية" في سوريا خلال أسبوع، لكنها لم تفعل شيئا في الوقت الراهن لوقف الغارات الروسية التي اقتربت من منح القوات الحكومية أكبر انتصار لها في الحرب المستمرة منذ خمس سنوات.
وإذا تم تنفيذ الاتفاق، فسيسمح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدن المحاصرة. ويمكن أن يكون هذا الاتفاق أول انفراجة دبلوماسية في الصراع الذي تسبب في انقسامات حادة في الشرق الأوسط وأدى إلى مقتل 250 ألف شخص على الأقل، وشرد 11 مليونا، وأرسل مئات الآلاف من اللاجئين الهاربين إلى أوروبا.
لكن السماح للقتال بالاستمرار لمدة أسبوع إضافي على الأقل يعطي حكومة دمشق وحلفاءها الروس الوقت لتصعيد هجومهم الذي حول دفة الصراع منذ بداية هذا الشهر.
وقصفت الطائرات الحربية الروسية شمال سوريا، الجمعة، دون إظهار أي بادرة لإبطاء وتيرة الهجمات على الرغم من الاتفاق الذي أبرم خلال ليلة الجمعة.
وتقترب القوات الحكومية السورية والمقاتلون الذين يساندونها من لبنان وإيران وبدعم روسي جوي قوي من استعادة السيطرة على مدينة حلب في الشمال، وهي أكبر المدن السورية قبل الحرب، وستؤدي السيطرة عليها إلى إغلاق الحدود مع تركيا.
وسيقضي هذان الانتصاران على مكاسب حققها مسلحو المعارضة في أعوام، مما سينهي فعليا آمال المعارضة المسلحة في الإطاحة بالرئيس
بشار الأسد بالقوة وهو ما حاربوا من أجله منذ عام 2011 بتشجيع من دول عربية وتركيا والغرب.
ولا يرقى اتفاق "وقف الأعمال العدائية" الذي توصلت له القوى الكبرى إلى وقف إطلاق نار رسمي لأن الطرفين المتحاربين الرئيسيين وهما المعارضة والقوات الحكومية لم يوقعا عليه.
وأعلن عن التوصل للاتفاق بعد محادثات ماراثونية في ميونيخ بهدف إحياء محادثات السلام في جنيف والتي انهارت الأسبوع الماضي. وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، إن تطبيق الاتفاق هو الأساس الآن، وأضاف "ما نحتاجه هو أن نرى في الأيام القليلة القادمة أفعالا على الأرض في الميدان".
أهداف روسية
وأوضحت
روسيا، منذ البداية، أن هذا "الوقف" لن يطبق على ضرباتها الجوية التي رجحت الكفة لصالح حليفها الرئيس الأسد منذ أن انضمت موسكو إلى الصراع قبل أربعة أشهر.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في مؤتمر صحفي، إن موسكو لن توقف القصف لأن الاتفاق لم يشمل
تنظيم الدولة وجبهة النصرة جناح تنظيم القاعدة في سوريا.
وأضاف لافروف "قواتنا الجوية ستستمر في العمل ضد هذه المنظمات".
وتكرر روسيا القول إن هاتين الجماعتين هما المستهدفتان فقط من حملتها الجوية. وتقول دول غربية إن أغلب ضربات روسيا استهدفت في الواقع جماعات المعارضة المسلحة ومن بينها جماعات يساندها الغرب.
وقال أمين عام حلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، إن على موسكو وقف الضربات ضد الجماعات المسلحة وقصر ضرباتها على تنظيم الدولة ليتم تفعيل أي اتفاق للسلام.
وأضاف "روسيا استهدفت في الأساس جماعات المعارضة وليس تنظيم الدولة. الضربات التي وجهتها الطائرات الروسية ضد جماعات معارضة مختلفة قوضت جهود التوصل إلى حل سلمي من خلال التفاوض".
وتقود الولايات المتحدة حملة جوية بشكل منفصل ضد مقاتلي "داعش" منذ 2014 عندما سيطر التنظيم على مساحات شاسعة في شرق سوريا وشمال العراق معلنا دولة خلافة.
ونأت واشنطن بنفسها إلى حد بعيد عن التدخل في المعارك الكبرى بغرب البلاد في الحرب الأهلية السورية تاركة المجال لروسيا التي بدأت حملتها الجوية يوم 30 أيلول/ سبتمبر الماضي.
ودخل كيري محادثات ميونيخ وهو يضغط من أجل وقف سريع للصراع، فيما يقول مسؤولون غربيون إن موسكو تسعى بقوة للتأجيل.
وكانت إستراتيجية الموافقة على وقف الاعتداءات في المستقبل مع مواصلة المعارك لتحقيق مكاسب على الأرض واحدة من استراتيجيات لجأ إليها حلفاء موسكو في شرق أوكرانيا قبل عام.
وسرت هدنة في نهاية المطاف، لكن بعد أن حقق الانفصاليون بدعم الروس انتصارا كبيرا وسيطروا على بلدة إستراتيجية في هجوم أخير قبل إبرام الاتفاق.
آمال كبيرة
كان من المقرر أن يلتقي دبلوماسيون من الدول التي تدعم الخطة، الجمعة، لمناقشة إرسال مساعدات إنسانية عاجلة.
وقال يان إيغلاند، رئيس مجلس اللاجئين النرويجي، الذي سيترأس الاجتماع، "لدينا آمال كبيرة في أن الأطراف في اللجنة الدولية لدعم سوريا بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة ستقوم بكل ما في وسعها للضغط من أجل السماح بدخول مساعدات إنسانية للمدنيين المحتاجين داخل سوريا".
وتابع قوله "سيكون هذا الانفراج الذي ننتظره، السماح لنا بالوصول إلى المدنيين اليائسين داخل سوريا، لكن ذلك يتطلب من كل من له نفوذ على جميع أطراف الصراع الضغط على تلك الأطراف".
وتعد الحكومة السورية منذ سنوات بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية، لكنها نادرا ما تفي بهذه الوعود. واتُهم مقاتلو المعارضة المدعومون من الغرب أيضا بعرقلة وصول المساعدات.
ودعت الأطراف التي ستلتقي في ميونيخ، أيضا، إلى استئناف محادثات السلام السياسية والتي انهارت الأسبوع الماضي قبل أن تبدأ بعد أن طالبت المعارضة بوقف القصف.
وأكدت القوى مرة أخرى الالتزام "بانتقال سياسي" في سوريا بمجرد أن تسمح الظروف. وقال كيري "بدون انتقال سياسي لا يمكن تحقيق السلام".
وثمة خلاف بشأن ما إذا كانت المرحلة الانتقالية تتطلب رحيل الأسد كما تطالب الدول الغربية منذ 2011.
ويقول الأسد إنه لن يرحل، ويقول حلفاؤه الروس والإيرانيون إن تحديد مستقبل الأسد ينبغي أن يرجع إلى السوريين وهو موقف ينظر له على أنه يدعم إجراء انتخابات من المتوقع أن يفوز فيها الأسد.
ودعا لافروف إلى استئناف محادثات السلام السياسية بجنيف في أسرع وقت ممكن، وحث أيضا على ضرورة مشاركة جماعات المعارضة السورية. وسبق أن شكت موسكو من استبعاد الجماعات الكردية بضغط من تركيا.
ورحبت جماعات معارضة رئيسية في سوريا بحذر بالخطة، لكنها قالت إنها لن توافق على الانضمام للمحادثات السياسية ما لم يثبت الاتفاق فعاليته.
وقال دبلوماسي فرنسي كبير "قال الروس إنهم سيواصلون قصف الإرهابيين. إنهم يقومون بمخاطرة سياسية لأنهم يقبلون مفاوضات سيلتزمون فيها بوقف الأعمال العدائية".
وتابع قوله "إذا لم يحدث تغيير خلال أسبوع فسيتحملون المسؤولية".
وفي سوريا قال مقاتلو معارضة إن مدينة تل رفعت في محافظة حلب كانت هدفا لقصف عنيف من الطائرات الروسية صباح الجمعة.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن طائرات حربية يعتقد أنها روسية هاجمت أيضا بلدات في شمال حمص.