في المثل الشعبي يقولون: "فلان يصلي الفرض وينقب الأرض"! وذلك تعبيرا عن الذي يؤدي طقوس الصلوات، ومع ذلك يسرق أرض الجيران ويعتدي على حدودها.
وهذا المثل الشعبي يعبر عن نقد التدين الشكلي والتدين المغشوش، الذي يكتفي صاحبه من التدين بالطقوس الشكلية، مع إهمال القيم والأخلاق، التي هي المقاصد الحقيقية للعبادات، والروح الحقيقية لشعائر الإسلام.
إن الإيمان الإسلامي ليس مجرد النطق بالشهادتين، فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله هي عنوان هذا الإيمان، مثله كمثل الكتاب يعرف بالعنوان، لكنه لا يختزل في مجرد العنوان.
والإسلام قد بني على الفرائض الخمس، الشهادة والصلاة والزكاة والصوم والحج، لكن هذه الفرائض الخمس ليست كل الإسلام، وإنما هي أساس البناء الشامخ الذي يمثل الإسلام، فالإسلام لا يغني عن البناء، كما أن البناء لا يقوم بدون الأساس.
وكل فرائض الإسلام لها غايات ومقاصد قيمية وأخلاقية، تدور كلها حول تزكية النفس، وإقامة الصلاح في الأسرة والمجتمع والدولة التي تحرس القيم الفاضلة التي أتى بها الإسلام.
ولهذه الحقيقة – حقيقة أن الإسلام منهاج كامل وشامل للحياة – جاء في القرآن الكريم: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" (الأنعام 162)، فالإنسان المسلم، ليس كالإنسان المادي سيد الكون، وإنما هو خليفة عن الله سبحانه وتعالى الذي هو سيد الكون، ولذلك فإن كل تصرفات هذا الإنسان المسلم – الفردية والاجتماعية – هي تصرفات الخليفة والنائب والوكيل الملتزم بعقد وعهد الاستخلاف – بشريعة الله الذي أرسل إليه الرسل بالمنهاج الذي يسير على هديه في هذه الحياة.
وهذا الإنسان المسلم حر مختار، لكن حريته محكومة بإطار المنهاج الإلهي، فلا يجوز له أن يحل الحرام ولا أن يحرم الحلال، وعبوديته لله هي قمة تحرره من كل طواغيت الدنيا، وبعبارة الإمام محمد عبده: "فإن الإنسان عبد لله وحده، وسيد لكل شيء بعده".
والمصلحة، التي تحكم تشريع القوانين، هي – في المجتمعات المادية – مجرد المنفعة، بينما الممصلحة في الرؤية الإسلامية هي المصلحة الشرعية المعتبرة، فلابد في تحديد مضمون المصلحة ومعيارها من تزامل الشرع مع العقل، وإلا فإن المجتمعات التي تعزل الشرع عن العقل ترى في مجرد المنافع المادية معيارا للمصلحة، حتى أن التجارات الأكبر في الرأسمالية الغربية هي ثلاث تجارات: تجارة السلاح، وتجارة الدعارة، وتجارة المخدرات، ومنفعة اللذة تتحقق بكثير من المحرمات – ومنها السكر والشذوذ- ولكنها لذات ومنافع محرمة على من يلتزم بمنهاج الإسلام.
ولهذه الحقيقة، التي تميز منهاج الإيمان الإسلامي، لم يقف هذا الإيمان عند شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإنما الإيمان الإسلامي بناء كامل وشامخ ومحيط، عبر عنه الحديث النبوي الذي يقول معناه: الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إزالة الأذى عن الطريق.
فالعبادات الإسلامية ليست مجرد طقوس، وإنما هي وسائل للمقاصد التي تزكي النفس بمنظومة القيم والأخلاق، أما الذين يكتفون من التدين بالطقوس الشكلية، فإنها لن تغني عنهم شيئا، ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا.