كتب عزام التميمي: حتى سنوات قليلة مضت؛ كان
حزب الله اللبناني مصدر إلهام لملايين البشر في منطقة الشرق الأوسط وحول العالم، وكان رمزا للمقاومة البطولية حيث قاتل لسنوات في سبيل تحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، ووقف للكيان الصهيوني بالمرصاد في كل محاولة من محاولاته للاعتداء على لبنان، وقدم في سبيل ذلك تضحيات كبيرة ونماذج مذهلة.
في تلك الحقبة الزمنية، كان زعيم حزب الله حسن نصر الله يُنعت بأنه سيد المقاومة، وكانت صوره ترفع إجلالا وتقديرا في أنحاء المخيمات الفلسطينية في لبنان، وكانت تزين بها جدران غرف الجلوس في كثير من البيوت في أرجاء الوطن العربي.
وكان كثير من الناس يتجمعون حول أجهزة التلفاز بشغف للاستماع إلى خطاباته الطويلة، ويطربون لما يلقيه عليهم فيها من معاني الصمود والعزة والتحدي، وكانت قناته الفضائية المنار لا تقل شعبية عند هؤلاء عن قناة الجزيرة الفضائية، بل كان كثير من الفلسطينيين يتطلعون إليه بإعجاب شديد، متمنين لو كان لدى الشعب الفلسطيني زعيم مثل حسن نصر الله يقودهم نحو التحرير.
أما اليوم، فقد خسر حزب الله كثيرا مما كان ينعم به من دعم وتعاطف شعبي، وبات زعيمه نصر الله موضع سخرية وتنديد من قبل كثيرين كانوا في يوم من الأيام يعشقونه، ويقبلون التراب الذي يخطو فوقه، فاليوم يخوض حزب الله حربا من نوع مختلف تماما. إنها حرب كلفه بها ممولوه ورعاته في طهران، حيث يجثم على صدور الناس هناك نظام ولاية الفقيه المتخلف، للدفاع عن نظام فاسد مستبد قاهر يجثم على صدور الناس في دمشق.
على النقيض من حزب الله، لم تنصع حركة المقاومة الإسلامية حماس للضغوط الإيرانية. كانت حماس فيما سبق تعتبر نفسها وحزب الله شركاء في مشروع النضال ضد الصهيونية، وكانت علاقة الفصيلين بإيران علاقة مميزة، فإيران كانت متقدمة على كل دول المنطقة في دعم المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وفلسطين.
ولكن، بالرغم من أن
سوريا كانت أفضل مكان آوى حركة المقاومة الإسلامية "حماس" خارج فلسطين، اختارت قيادة الحركة التضحية بكل المميزات والمكاسب التي حصلت عليها في دمشق، وآثرت الخروج حتى لا تشارك في جريمة اضطهاد الشعب السوري، الذي ثار من أجل الحرية والكرامة، ومنذ الخروج من دمشق حاولت طهران مرارا وتكرارا إغراء حماس بالعودة إليها، ودعت خالد مشعل لزيارتها عدة مرات، معتبرة زيارته شرطا لاستئناف الدعم المالي الذي انقطع منذ أن حصل الخلاف بشأن الثورة السورية، التي أصبحت سببا لتعميق الشقة بشكل متزايد بين حماس من جهة وحزب الله وإيران من جهة أخرى.
منذ أن بدأت الحرب في سوريا قبل أكثر من أربعة أعوام، تواترت الأنباء حول ارتكاب قوات حزب الله والمليشيات الشيعية الأخرى الممولة والمدعومة إيرانيا لجرائم حرب في مختلف أنحاء سوريا، إلا أن ما يتهم حزب الله بارتكابه هذه الآيام من جرائم فاق كل أمر صادم.
تُذكر مقاطع الفيديو والصور المسربة من منطقة
مضايا خارج دمشق، بتلك الصور التي وثقت لجرائم الحرب النازية في مخيمات الإبادة الجماعية في أثناء الحرب العالمية الثانية. إنها مشاهد مروعة لرجال ونساء وأطفال تحولوا إلى هياكل عظمية، يتخطفهم الموت يوما بعد آخر، من جراء ما يعانون من تجويع ومن ظروف جوية في غاية القسوة.
أهالي الضحايا، وكذلك النشطاء الذين يجهدون من أجل لفت أنظار الرأي العام العالمي للكارثة الإنسانية التي حلت بهم، يتهمون قوات حزب الله بفرض حصار مشدد على أحيائهم والحيلولة دون وصول أي مساعدات غذائية أو أدوية أو وقود إلى عشرات الآلاف من قاطنيها، ومن عجائب الأقدار أن تكون مضايا واحدة من المناطق التي كان قد أوى إليها من شردتهم الحرب الإسرائيلية المدمرة على لبنان في يونيو من عام 2006، وكان جلهم من أنصار حزب الله من سكان الضاحية الجنوبية لبيروت والبلدات الجنوبية في لبنان، فاستضافهم أهلها ورحبوا بهم وآثروهم على أنفسهم إلى أن تمكنوا من العودة إلى ديارهم، والآن يكافئهم حزب الله بهذا الحصار، وهذا التجويع، وهذا القتل البطيء.
إيران وحزب الله، اللذان كانا في يوم من الأيام يدّعيان الوقوف مع المستضعفين في الأرض ضد الاستكبار العالمي، باتا اليوم أدوات قهر واضطهاد وتعذيب ضد الشعب السوري. لقد غدا حزب الله ورعاته في طهران كلاهما شركاء لنظام الأسد في جرائمه، ويتحملان المسؤولية عن مئات الآلاف من السوريين الذين قتلوا والملايين الذين شردوا من ديارهم، وعشرات الآلاف الذين يتعرضون اليوم للقتل البطيء بسبب الحصار والجوع والبرد.
على كل حال، ما كانت إيران ولا حزب الله ليتمكنا من أن يعيثا في سوريا فسادا وأن يستمرا في ممارسة القتل والإيذاء والتعذيب بحق الشعب السوري، لولا موقف المجتمع الدولي اللامبالٍ بما يرتكب من جرائم على الأرض السورية. فمنذ أن بدأت الأزمة في سوريا، كانت للقوى الدولية والإقليمية حساباتها وأولوياتها، وعبر الأعوام الأربعة الماضية انشغلت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيون بإغراء إيران واسترضائها، للتوصل معها إلى صفقة بشأن البرنامج النووي، ولم يرغبوا في استفزازها أو في إقصائها رجاء تحقيق النجاح المنشود. في الوقت نفسه انشغلت القوى الدولية، ومعها عدد من القوى الإقليمية، بالحيلولة دون أن تنجح ثورات الربيع العربي في إحداث تحول سلمي نحو الديمقراطية في المنطقة العربية، حيث باتت هذه القوى تخشى من أن يؤدي هذا التحول إلى وصول جماعات إسلامية؛ لا تنسجم معها ولا تشترك معها في الرؤية إلى سدة الحكم، وباتت تخشى على مستقبل إسرائيل، التي طالما اعتبر الأمريكان والأوروبيون، وبعض العرب للأسف، أمنها أولوية قصوى.
وبدا كما لو أن الشيء الوحيد الذي يستحق اهتمام المجتمع الدولي هو ما يسمى بمحاربة الإرهاب، ولقد ثبت للقاصي والداني أن الحرب على الإرهاب ما هي إلا حملة تستهدف الجماعات الإسلامية السنية بمختلف ألوانها، من الأشد غلوا وتطرفا كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إلى الأكثر اعتدالا ومرونة كجماعة الإخوان المسلمين. ولعل من المفارقات العجيبة، وهي حقيقة لازال المشاركون في الحرب على الإرهاب ينكرونها، أن داعش لم تظهر ولم تنتشر ولم تسيطر إلا بعد أن أحبط مشروع أتباع المدرسة الفكرية للإخوان المسلمين في الإصلاح السلمي، من خلال الانخراط في العملية الديمقراطية، وبشكل خاص بعد الانقلاب العسكري في مصر ومأساة رابعة، وما أدراك ما رابعة. الله وحده يعلم ما الذي سيخرج من رحم مأساة مضايا، التي تخلى العالم عنها وتجاهل محنتها، فبدأ أهلها يتساقطون الواحد تلو الآخر جوعا وبردا.
(ميدل إيست آي)