نشرت صحيفة "ديلي تلغراف" تقريرا لمحرر الشؤون العسكرية كون كوغلين، قال فيه إنه عندما زار وزير الخارجية السعودي عادل
الجبير لندن آخر مرة، قامت وزارة الخارجية البريطانية بتلقينه محاضرة حول تسوية الخلافات بين المملكة ومنافستها إقليميا
إيران.
ويشير التقرير إلى أن الجبير أتى في الخريف آملا بأن يحصل على ضمانات من وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، بأن الشراكة الاستراتيجية مع الرياض لن تتأثر بإعادة العلاقات مع طهران.
ويستدرك الكاتب بأنه بدلا من ذلك، فقد تم إخبار الدبلوماسي السعودي الشاب بأن وزارة الخارجية تريد استخدام العلاقة الجديدة لتسوية الخلافات بين القوتين العظيمتين إقليميا.
وتورد الصحيفة أنه قيل للجبير إن السفارة البريطانية في طهران، التي أعاد هاموند افتتاحها في آب/ أغسطس، عندما وقف أمام صورة للملكة تم تخريبها بكتابة الغرافيتي، يمكن استخدامها للمساعدة في عملية المصالحة بين
السعودية وإيران.
ويقول كوغلين: "إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم الهوة السياسية المتجذرة، التي تطورت بين إيران الشيعية والسعودية السنية على مدى العقود الأخيرة، فإنه من الصعب تخيل كيف كان ممكنا لخبراء وزارة الخارجية أن يخطؤوا في تقدير الأمور إلى هذا الحد؛ لأنه، وبدلا من الاستجابة إيجابيا للطلب البريطاني، أعلن الجبير بصراحة عن أن السعوديين لم تكن لديهم رغبة في رأب الصدع مع إيران".
ويضيف الكاتب: "بل ذهب الجبير إلى أبعد من ذلك، وحذر من أنه ما دام المسؤولون الإيرانيون يتبجحون علنا بخصوص نفوذهم المتزايد في البلاد العربية، مثل اليمن والعراق وسوريا ولبنان، فلن تهدأ السعودية حتى تعود البلاد العربية كلها للسيطرة العربية".
ويتابع كوغلين: "قد يكون قرار السعوديين إعدام رجل الدين الشيعي الشيخ نمر
النمر، بالإضافة إلى 46 سجينا آخر، بتهم الإرهاب خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضية، تسبب بأكبر أزمة في العلاقات بين الرياض وطهران منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ولكن التوتر الذي أدى إلى هذا الصدع كان جليا منذ أشهر".
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن السعوديين وحلفاءهم الخليجيين قضوا العام الماضي يقاومون محاولات الحوثيين، الذين تدعمهم إيران، للسيطرة على بلد تعدها السعودية في حيز نفوذها الإقليمي.
وتبين الصحيفة أن الصورة شبيهة في سوريا، حيث تدعم السعودية قوى المعارضة الملتزمة بإسقاط نظام الأسد، وهو الحليف المقرب من حرس الثورة الإيرانيين. وكان هناك توتر بين الرياض وحكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الموالية للغرب، وبتحالفه مع إيران دفع السعودية إلى استبعاده من التحالف الذي شكلته السعودية حديثا، الذي ضم 34 دولة ضد تنظيم الدولة.
ويرى الكاتب أن هذا "يعد استبعادا خطيرا للدور المهم الذي يمكن أن تؤديه العراق في هزيمة تنظيم الدولة. وهذا يعكس أيضا سذاجة الأمل لدى وزارة الخارجية البريطانية بإقناع إيران والسعودية بأن تسويا خلافاتهما. وفي الواقع، ومع التدهور المستمر في العلاقات بين الرياض وطهران، فإن على وزارة الخارجية البريطانية، بذل أداء دور الوسيط، وأن تقرر مع أي جانب تقف – السعوديين أم الإيرانيين؟".
ويقول كوغلين: "إذا أخذنا بعين الاعتبار العلاقات الطويلة على مستوى الاستخبارات والتجارة والدفاع الموجودة بين
بريطانيا والسعودية، فإن الجواب يجب أن يكون واضحا. وسيكون هناك خلاف كبير دائما بين لندن والرياض على بعض القضايا، مثل حقوق الإنسان، وهذا متوقع بسبب التزام السعودية بمبادئ الشريعة".
ويستدرك الكاتب بأنه "عندما نريد الدفاع عن مصالح بريطانيا الوطنية هنا وفي الخارج، فإن السعوديين وليس طهران، هم من أثبتوا أنفسهم مرارا بأنه يمكن الاعتماد عليهم حلفاء فاعلين. فالدعم الذي قدمته السعودية وغيرها من دول الخليج الموالية للغرب، مثل البحرين، كان ضروريا لإبقاء إمدادات النفط للغرب، بينما ساعدت المعلومات التي وفرتها المخابرات السعودية في إحباط عدد من الهجمات الإرهابية في شوارع بريطانيا".
ويجد التقرير أنه مع ذلك، وفي الوقت الذي أثبت فيه السعوديون مرارا أهمية التحالف، إلا أن هناك مجموعة قوية في وزارة الخارجية البريطانية تجادل بأن ما يخدم مصالح بريطانيا على المدى البعيد هو بناء علاقات قوية مع طهران.
وتنوه الصحيفة إلى أن "أولئك يتناسون حقيقة أن رجال الدين الإيرانيين هم الأكثر اعتداء على حقوق الإنسان، فمقارنة بعدد السكان، فإن إيران نفذت عددا من الإعدامات – بما في ذلك ضد قاصرين– أكثر مما نفذته السعودية خلال العام الماضي، ولكنهم يحتجون بأن إيران وافقت على التعامل بشأن برنامجها النووي، ويمكن لها أن تصبح حليفا مهما".
ويفيد كوغلين بأنه "لو وضعنا جانبا عقودا من العداوة التي سممت العلاقات مع لندن، فإن هذا الجيل من الذين يميلون لإيران، يناسبهم أن يتجاوزوا الحقيقة بأن إيران في سوريا تحارب إلى جانب نظام الأسد. كما أنه لا يمكن أن يكون هناك ضمان بأن الاتفاق النووي سيؤدي إلى تصرفات إيرانية أكثر مسؤولية، بعد أن أطلقت إيران الأسبوع الماضي قذيفة بالقرب من سفينة حربية أمريكية في مضيق هرمز".
وتختم "ديلي تلغراف" تقريرها بالقول: "قد يفضي السعي لتحسين الخلافات مع إيران إلى علاقات دبلوماسية جيدة، ولكن عندما تتعلق المسألة بالدفاع عن مصالحنا، فإن الالتزام مع الحلفاء المجربين، مثل السعودية، أفضل بكثير من ناحية منطقية".