يقع محمد بكري (34 عاما) وزوجته في حيرة من أمرهما، فليس لهما القدرة الاقتصادية على تحمل نفقات مواصلة الإقامة في مدينة غازي عنتاب التركية لفترة قادمة تمتد لحوالي ثمانية أشهر من الآن إلى حين موعد ولادة الزوجة، كما أنهما غير مستعدين لتحمل تبعات المجازفة والعودة إلى الريف الشمالي في حلب السورية.
وكان بكري بالكاد استطاع تحمل نفقات عملية طفل الأنبوب، بعد أن قدم مضطرا قبل حوالي شهرين لإجراء عملية زراعة طفل الأنبوب في أحد مراكز غازي عنتاب الطبية، فيما طرق سابقا أبوابا عدة عيادات لعلاج
العقم، على قلتها، في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في مدينة حلب وريفها، حيث كان يقيم.
يقول بكري لـ"عربي21": "تحذيرات الأطباء لي بوجوب إبعاد زوجتي الحامل عن الحالات المسببة للخوف بعد نجاح العملية، تجعلني أعيش في حالة من الصراع، وأحاول حاليا التغلب على كل ذلك بالبحث عن عمل يجعلني قادرا على البقاء هنا، أما في حال عدم إيجادي لهذا العمل، فقد يتوجب عليّ حينها العودة إلى الداخل".
ويشير بكري إلى التكلفة المالية التي تكلفها في سبيل إجراء زراعة طفل الأنبوب، التي زادت عن مبلغ ثلاثة آلاف دولار أمريكي بقليل. ويقول: "لو كانت هذه العملية متاحة في المناطق المحررة لما جئت إلى هنا، ولو كنت على يقين بقرب انتهاء المأساة السورية لما جئت إلى هنا أيضا، لكن سنوات العمر تمضي، ومضى على زواجي قرابة تسعة أعوام، ولم أرزق بالذرية".
ويوضح بكري السبب الذي دفعه إلى تفضيل مشافي
تركيا عن المشافي السورية في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في مدينة حلب، فيقول: "إن الخوف من الاعتقال دفعني إلى عدم الذهاب إلى هناك، على الرغم من رخص تكاليف العملية هناك مقارنة بتكلفتها في تركيا".
ويشير إلى أنه "من منطقة خارجة عن سيطرة النظام، والكل يعرف أن حواجز النظام لا تميز بين مشارك أو غير مشارك في الثورة، والاعتقال هو نصيبك المحتم في حال كان قيدك من مدينة خارجة عن السيطرة".
وبحسب الطبيبة السورية ورقاء نيازي، القادمة للتو من مناطق سيطرة النظام وتقيم الآن في غازي عنتاب، فإنه وعلى الرغم من الأوضاع السيئة المتمثلة بغياب الخدمات، إلا أن مراكز زراعة
أطفال الأنابيب لا زالت متوفرة وبكثرة في الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام، مشيرة في حديث خاص لـ"عربي21"، إلى أن تكلفة إجراء عملية زراعة طفل الأنابيب في الداخل لا تتجاوز مبلغ 500 ألف ليرة سورية، أي أقل من نصف التكلفة في تركيا.
وعند التطرق إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار، فقد عزت نيازي غياب هذه التقنية الطبية الكامل عنها إلى ارتفاع أسعار المعدات الطبية التي تحتاجها هذه التقنية، وغياب الاستقرار الذي تسببه حملات قصف النظام العشوائية لهذه المناطق، وغياب التيار الكهربائي اللازم للقيام بمراحل هذا العلاج".
وشرحت نيازي طبيعة عملية أطفال الأنابيب بالقول: "يلجأ الزّوجان إلى عملية طفل الأنبوب عند فشل الحمل بالطّرق الطّبيعية، والعملية عبارة عن أخذ بويضات من المرأة وحيوانات منوية من الرجل، ومن ثم تلقيحها في أنبوب مخبري، وعندما يتم تلقيح البويضة وإخصابها في الأنبوب، أي بعد تكون الجنين في عمر اليوم أو اليومين، يتم إرجاع الجنين إلى داخل رحم المرأة في مراحل التكوين الأولية للجنين".
من جانبه، تحدث جاسم نعسان، وهو مترجم سوري متعاقد مع مركز في غازي عنتاب، متخصص في علاج العقم عن طريق أطفال الأنابيب، عن إقبال وصفه بـ"اللافت" من السوريين على القيام بزراعة أطفال الأنابيب في العيادات التركية، وذلك على الرغم من التكلفة المرتفعة، لافتا إلى تخفيض التكلفة في المرة الثانية في حال فشل التجربة الأولى.
وعبر نعسان، خلال حديث لـ"عربي21"، عن سعادته ما وصفه بـ"حب السوري للحياة"، وقال: "على الرغم من كل ما يتعرض له الشعب السوري من موت ودمار، إلا أن ذلك لم يمنعهم من البحث عن أسباب السعادة التي تمثلها الطفولة"، وختم بالقول: "لا بد أن تكتمل دورة الحياة حتى في الحروب".