نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية تقريرا، حول المشكلات التي يواجهها السكان العرب في ضاحية سان دوني الباريسية، بسبب إجبارهم على مغادرة شققهم، الواقعة في المبنى الذي تمت فيه
مداهمة منزل عنصر تنظيم الدولة عبد الحميد أبا عود، حيث انتهت بعملية تفجير انتحاري.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن ما لا يقل عن 80 شخصا خسروا مأواهم منذ العملية التي نفذتها فرقة مكافحة الإرهاب في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، واليوم يعيش أغلبهم بشكل مؤقت في نزل أو في ملاجئ في منطقة سان دوني، في انتظار أن يجدوا حلولا دائمة.
وأضافت الصحيفة أن سكان شارع الجمهورية في سان دوني، الذين ينحدر أغلبهم من أصول عربية، يواجهون صعوبات عديدة منذ أكثر منذ 15 يوما، فقد كان أغلبهم يقطن في البداية في قاعات للرياضة في المدينة، ثم انتقلوا إلى ملاجئ توفرها منظمات إغاثية، ويأمل هؤلاء الضحايا الذين تأثروا بالأضرار الجانبية لعملية المداهمة، أن تقوم الدولة بتعويضهم وإعادة إسكانهم.
ونقلت الصحيفة عن الشاب أحمد، البالغ من العمر 28 سنة والذي كان يسكن في شارع الجمهورية، قوله إنه "يعاني من الأرق في الليل، وتراوده كوابيس بشأن عملية المداهمة وما رافقها من عنف، حيث أنه يحلم دائما بمشاهد الحرب وتعرضه لإطلاق نار، وقد اضطر للذهاب لطبيب نفسي وتناول حبوب مهدئة من أجل تجاوز محنته والتمكن من النوم ليلا".
وذكر أحمد أنه استفاق في ليلة المداهمة على أصوات الرصاص والصياح، حيث كان يسكن في الطابق الذي يعلو شقة عبد الحميد أبا عود مباشرة، ولم يجد أي سبيل للخروج، فطلبت منه الشرطة البقاء في غرفته والتزام الصمت.
واضطر هذا الشاب ذو الأصول المصرية، والذي لا يمتلك أوراق إقامة رسمية وقانونية في
فرنسا، إلى البقاء لساعة كاملة جالسا في غرفته وهو يشاهد الرصاص يتطاير في كل مكان ويخترق الجدران بينما هو في حالة صدمة. ولم تبدأ عملية إخلاء المبنى إلا في الساعة الخامسة والنصف صباحا، باتجاه مكتب العمدة ثم نحو مركز صحي لإجراء الفحوصات وتقديم الإسعافات.
وقالت الصحيفة إن البعض من هؤلاء الأشخاص الذين تم نقلهم بعد عملية المداهمة؛ حصلوا على إذن بالعودة إلى شققهم وأخذ بعض أشيائهم، وقد وجد أحمد سقف شقته وقد دمر تماما، وتعرضت أغراضه للدمار، بما في ذلك أدوات النجارة التي كان يستخدمها لكسب قوته، وجهاز التلفزيون وملابسه.
ونقلت الصحيفة عن امرأة جزائرية تدعى كاهنة، تقطن في الطابق الأول من البناية التي حدثت فيها المداهمة، قولها إن "كل شخص من المتضررين تلقى مساعدة مالية قدرها 150 يورو، من أجل شراء الطعام وبعض اللباس، ولكنها بالتأكيد ليست كافية لسد حاجياتهم".
وتذكر كاهنة أنها في تلك الليلة كانت نائمة مع صديقتها وأبنائها في شقتها، وفجأة شاهدت عبر شرفتها شخصا ملثما يرتدي ملابس سوداء يمر قرب نافذتها، ولم تفهم ما الذي يجري وسارعت للاتصال بالطوارئ، ولكنهم شرحوا لها بأن الشرطة بصدد القيام بعملية مداهمة، ثم غمرت المكان أصوات الرصاص والقنابل اليدوية، ما سبب حالة من الذعر الشديد لدى الأطفال.
كما نقلت الصحيفة عن أسامة، وهو شاب مغربي يبلغ من العمر 18 سنة، أن السلطات المحلية تكفلت بإسكانه في الأيام الأولى التي تلت عملية المداهمة، ثم تنكرت له وطالبته بتقديم وثائق تثبت أنه كان يسكن في تلك البناية، ربما لأنها تعلم أنه لم يقم بتسوية وضعيته القانونية في فرنسا، وقد تمسكت السلطات بموقفها رغم أن وحدات مكافحة الإرهاب هي التي قامت بإجلائه من المكان في يوم المداهمة، والجيران أيضا شهدوا بأنه كان يستأجر منزلا بشكل مؤقت في الطابق الرابع من البناية.
وذكرت الصحيفة أن المتضررين الـ81 من هذه المداهمة، والذين كانوا كلهم يسكنون في هذه البناية، لا يمكنهم الآن العودة إلى شققهم، حيث أن هذه البناية التي تضم حوالي 50 شقة، تم تسييجها بالكامل من طرف الشرطة، فيما أكد خبير معماري أأنها لم تعد آمنة للسكن بسبب الأضرار التي لحقتها.
ويؤكد شاب آخر اسمه سليم، وتقع شقته في ناحية أخرى من المبنى بعيدة عن شقة عبد الحميد أبا عود، أن شقته لم تتعرض لأي أضرار بسبب المداهمة، ولذلك فهو لا يفهم سبب منعه من العودة إليها، فهو عاش فيها لسنوات طويلة ولا يستطيع تخيل نفسه وهو عائد في الليل إلى مكان آخر.
كما اشتكى سليم من أن السلطات المحلية تعهدت بالتكفل باستئجار
سكن جديد لهؤلاء المتضررين، ولكن المشكلة هي أنها تطلب منهم إتمام عدد كبير من الإجراءات القانونية المعقدة وإحضار وثائق عديدة، وهو ما يضطرهم إلى بذل جهد ووقت كبيرين من أجل الاستجابة لهذه الشروط.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن معاناة هؤلاء المهاجرين العرب بسبب إجلائهم من مساكنهم؛ بدأت تحظى باهتمام متزايد في الشارع الفرنسي، حيث أمضى أكثر من 40 ألف شخص على عريضة على شبكة الإنترنت، تطالب بإعادة إسكانهم وتسوية وضعياتهم.