كخطوة دفاعية –استباقية بدأت الحكومة البريطانية عملياتها الجوية ضد
تنظيم الدولة على الأراضي السورية، وذلك بعد ساعات فقط من تصويت البرلمان البريطاني بأغلبيته العظمى على هذا القرار.
الهدف من الضربات وفقا لكلام رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، يكمن في أخذ الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية إلى معقله، بدلا من الانتظار الذي يتيح للجهاديين فرصة الهجوم على
بريطانيا، فكاميرون الذي خاض معركة حامية الوطيس مع أعضاء البرلمان لانتزاع موافقتهم على الحملة، أكد بأن بريطانيا ستكون بأمان أكثر بعد تنفيذ هذه الضربات، الأمر الذي أكده أيضا وزير الخارجية فيليب هاموند الذي يرى أن بريطانيا أصبحت أكثر أمنا بسبب الإجراءات التي اتخذها النواب، و على الرغم من أن اتباع استرايجية دفاعية عبر الهجمات الاستباقية من الحكومة البريطانية ضد قوات تنظيم الدولة، لن يختلف من حيث المضمار العملياتي عن نظيرتها من قوات التحالف أو ربما القوات الروسية، إلا أننا لا نملك إلا التساؤل: هل ستكون
سوريا أكثر أمنا بعد الضربات البريطانية لتنظيم الدولة؟ أم إن حكومة بريطانيا ستحذو حذو حكومة موسكو ويدفع الشعب السوري ثمن تحقيق الأمن و الأمان على الأراضي البريطانية أيضا؟
عندما تقدم السيد كاميرون لمجلس النواب بطلب توسيع العمليات الجوية ضد تنظيم الدولة لتشمل الأراضي السورية، أكد بأن هذه العمليات هي جزء من نهج متعدد الاتجاهات، فأجهزة الحكومة البريطانية وحسب كاميرون استطاعت الحد من خطر التنظيم وإحباط عدة هجمات وعمليات كان ينوي التنظيم شنها على الأراضي البريطانية( خمسة منها على التراب البريطاني هذا العام). و أن هذه الضربات من شأنها تفتيت هذا التنظيم وقطع كل موارده والتصدي له حيثما وجد، سواء في العراق أو سوريا كونه يستهدف أمن المواطن البريطاني داخل أراضيه وخارجها.
تأتي هذه الضربات كجزء من استراتيجية موسعة يأمل كاميرون من خلالها تغيير معادلة الميدان التي باتت معقدة ومتشابكة وخصوصا مع تنامي النزاعات الدولية على الأراضي السورية، وما أعقبه من تنام لقدرات تنظيم الدولة، الذي تسلل من نقاط ضعف الدول التي تحاول القضاء عليه.
و على ما يبدو لنا من خلال ما تابعناه من مواقف و تصريحات للحكومة البريطانية، أنها تسعى إلى استراتيجية أكثر اعتدالا و مرونة من نظيرتيها الأمريكية و الروسية، فتطلع ديفيد كاميرون إلى العمل مع قوى معارضة ومعتدلة تدافع عن الأراضي السورية، واعترافه أمام مجلس العموم البريطاني بوجود سبعين ألف مقاتل سني معتدل، إضافة إلى تعقيبه حول التقرير الذي قدمته الجبهة الجنوبية للجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني، تلك الجبهة التي تتألف من أربع وخمسين فصيلا من الجيش الحر، ويصل تعداد أفرادها إلى الثلاثين ألف مقاتل. وهنا نذكر أن إحدى التبريرات التي قدمها كاميرون في بيان حملته للبرلمان، كانت مساعدة الجبهة الجنوبية وتأمين غطاء جوي لها لاعتقاده بأن ذلك يساهم في إنهاك قدرات التنظيم، والاقتراب بسرعة أكبر من تحقيق أهداف الضربات.
في السياق ذاته، صرح كاميرون قبل عدة أيام وعلى هامش قمة العشرين بأن الفجوة الهائلة بين من يؤمن بأن على الأسد أن يرحل على الفور وبين أولئك الذين على شاكلة بوتين ممن يرون ضرورة دعمه تتقلص وسوف تتقلص أكثر في الأيام القادمة.
وهنا من المهم أن نذكر، أنه سواء تضمنت استراتيجية كاميرون الحد من الطموح الروسي في المنطقة أم لم تتضمن، إلا أنها ستضيق عليها بكل تأكيد، ولا نستبعد تفاهمات قادمة بشأن الأسد وخصوصا بعد تصريح كبير مستشاري الخامئني علي أكبر ولايتي حول استعداد بلاده لاستضافة الأسد في حال أراد ذلك!
أما من ناحية الضحايا المدنيين المتوقع سقوطهم نتيجة الضربات البريطانية، فلا نعتقد أنه جاء من باب المصادفة أن تنشر صحيفة الإندبندت البريطانية تقريرا لمحرر الشؤون الدفاعية كيم سينغوبتا قال فيه:
"إن عملية "شيدر" هي الحرب الوحيدة التي تخوضها بريطانيا بالأسلحة التقليدية، حيث تقوم القوات الجوية الملكية البريطانية بحملة منذ شهر أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، على بعد مئة ميل من المكان المتوقع قيام الضربات المثيرة للجدل ضده، وأن الحملة تضمنت القيام بحوالي ثلاثمئة وأربعين غارة جوية وقتلت أكثر من ثلاثمئة وخمسين مقاتلا، ودمرت عشرات القواعد والسيارات العسكرية ومخازن الذخيرة ومنشآت تدريب واتصال، بحسب المسؤولين في وزارة الدفاع كما وأورد الكاتب نقلا عن وزارة الدفاع قولها إن عدد الضحايا المدنيين هو صفر"!
ونحن هنا لسنا بصدد الجدل حول دقة أو صحة ما جاء به السيد سينغوبتا، إلا أننا نطرحه لكوننا نجده ردا مبطنا من الدفاع البريطانية حول المخاوف المشروعة من انضمام بريطانيا إلى آلة القتل التي تمارس بحق الشعب السوري.
لكن! على الرغم من المؤشرات كافة التي توحي بأن الحكومة البريطانية، تتطلع فقط إلى هزيمة تنظيم الدولة من خلال ضرباتها الجوية، وربما مساندة قوات المقاومة الشعبية المسلحة والسنية والمعتدلة، إلا أن التجربة الليبية وما خلفه التدخل البريطاني من ضحايا ودمار وفوضى تسليح وانقسامات أودت بليبيا إلى الهاوية، لا زالت حية في ذاكرتنا، ولا نستطيع القفز فوق الحقيقة التي تقول بأن بريطانيا تحركت خلف بوتين وبررت ضرباتها في السياق ذاته الذي حمله خطاب بوتين حين قال: إن الإرهاب يأتينا من سوريا وإذا انتصروا سيصلون إلى بلادنا!
وإذا ما تم تصادم في الاستراتيجيات البريطانية والروسية، فجل ما نخشاه أن عواقبه ستكون على الشعب السوري المنهك. فكان الله في عون الشعب السوري.