أثارت تصريحات الكاتب والفيلسوف الفرنسي
ميشال أونفري، جدلا كبيرا في وسائل الإعلام والأوساط السياسية والشعبية، بعد أن أطلق تصريحات مثيرة خلال حوارات مع صحف وقنوات فرنسية، قال فيها إن "الإرهاب" الذي ضرب فرنسا مؤخرا، هو رد طبيعي على سياساتها المعادية للمسلمين.
ونشرت صحيفة "هافنغتون بوست" في نسختها الفرنسية، تقريرا قالت فيه إن
تنظيم الدولة أطلق منذ تنفيذ
هجمات باريس عدة بيانات ومقاطع فيديو دعائية، للاحتفاء بهذه العمليات، واستثمارها إعلاميا، مشيرة إلى أن أحد هذه الإصدارات المنشورة السبت الماضي، أظهر تصريحات مترجمة بالعربية للفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري، كان أدلى بها خلال لقاء مع قناة "بي أف أم" الفرنسية، يدعو فيها الغرب للتوقف عن محاربة تنظيم الدولة، ويتهم فرنسا بشن حرب ضد الإسلام السياسي.
وأشار التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن أونفري نشر تغريدة على موقع "تويتر" في ليلة الجمعة 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، قال فيها إن "اليمين واليسار الفرنسي زرعا الحرب ضد الإسلام السياسي في العالم، وهما اليوم يحصدان نتائج ذلك على المستوى الوطني".
وعلق أحد عناصر تنظيم الدولة الذي يتكلم اللغة الفرنسية على هذه التصريحات بالقول: "نحن نقبل كلمة الحق، حتى لو خرجت من فم الكافرين"، ما يبين أن هذا الفيلسوف ومواقفه تحظى باهتمام وشعبية لدى أنصار التنظيم، بحسب الصحيفة.
واعتبر التقرير أن ميشال أونفري، يتشاطر هذا الموقف مع عناصر تنظيم الدولة، بناء على فهمه للسياق التاريخي الذي ظهرت فيه نظرية صراع الحضارات، التي طورها أستاذ العلوم السياسية الأمريكي صامويل هنتنغتون.
وتذهب هذه النظرية المثيرة للجدل إلى أن العالم الغربي سيدخل حتما في صراع مع الشرق الأوسط، من أجل المحافظة على نموذجه الحضاري، "وبحسب أونفري فإن هذا يفسر ما يحدث اليوم في العالم، وبالتالي فإن غضب المجتمعات الإسلامية من الغرب يبدو أمرا شرعيا تماما، لأن الدول الغربية تهاجمهم باستمرار تحت ذريعة الحرب على الإرهاب، ولكنها تخلق الإرهاب باعتداءاتها تلك".
وخلال لقاء آخر مع قناة "إي تيلي"، قال أونفري إن "فرنسا اعتمدت سياسة تظهر لتنظيم الدولة أنها حملة صليبية، وانقادت وراء سياسات جورج بوش بكل استهتار خلال حربه على العراق"، محذرا من "أن قصف تنظيم الدولة؛ لن يؤدي لتهدئة أنصاره من الجنود الشباب الموجودين في ضواحي المدن الفرنسية".
أما في ما يخص استغلال تنظيم الدولة لتصريحاته؛ فقد قال إنه "دائما ما يتم استغلاله من قبل جميع الأطراف بحسب ما يخدم مصالحها"، مؤكدا أن "دوره كفيلسوف؛ يتمثل في وضع الأمور في إطارها، وقول الحقيقة، واتخاذ مثل هذه المواقف من أجل إنقاذ السلام".
وتعقيبا على هذه التصريحات؛ فقد نشرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، مقالا بقلم مدير الصحيفة لوران جوفران، انتقد فيه تصريحات أونفري ووصفها بأنها مليئة بالأخطاء التاريخية والجغرافية والسطحية الفكرية، كما أنه أكد أن تنظيم الدولة ليس العالم الإسلامي.
وذكر جوفران في مقاله، أن التشدد الإسلامي لم يظهر مع العراق إثر الغزو الأمريكي، بل بدأ في إيران في فترة حكم الشاه، وفي أفغانستان ضد الاحتلال السوفييتي، قبل أن يصل إلى الجزائر خلال سنوات الحرب الأهلية.
وقال إن حرب العراق الثانية "كانت بلا شك خطأ مأساويا مبنيا على كذبة دولة، ولكن إرجاع العداء بين الغرب والمسلمين إلى هذا الحدث فقط؛ هو أمر يعكس طريقة تفكير سطحية ومبسطة جدا، إذ إنه يمكن الاعتراض على هذه القرارات وهذه الحروب، ولكن لا يمكن اعتبارها مجرد اعتداءات غربية على الإسلام، لأنه في أغلب هذه الحالات، كان هنالك مسلمون ضمن طرفي الصراع".
واستهجن جوفران تصريحات أونفري لأنها "تتقاطع مع آراء المتشددين الذين يعتبرون جرائم تنظيم الدولة مجرد رد على اعتداءات الغرب، وتجعل من هذا التنظيم نموذجا من الأمة، وممثلا شرعيا للإسلام في كافة أنحاء العالم، رغم أنف كل المسلمين المفعمين بالإنسانية، الذين يناضلون ضد التطرف والإرهاب، وتجعل من العالم الإسلامي مجرد عالم ظلامي، ومن الديمقراطية حكرا على الغرب، رغم وجود دول إسلامية ديمقراطية مثل إندونيسيا وتونس".