نشرت صحيفة المانيفستو الإيطالية؛ تقريرا حول أسباب تفشي ظاهرة الإرهاب، نقلت فيه آراء أستاذة التاريخ المعاصر بجامعة روما، لاورا غازوني، التي حذرت من الخلط المتعمد بين الإسلام والإرهاب، وعزت تفاقم هذه الظاهرة إلى غلق الدكتاتوريات العربية الباب أمام حركات الإسلام المعتدل التي تتبنى المشاركة في العمل المدني والسياسي.
ونقلت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، عن غازوني، المتخصصة في تاريخ العالم العربي بالمعهد الإيطالي للدراسات الشرقية بجامعة روما، أن مشكلة
الغرب هي أنه يفسر ظاهرة الإرهاب بحسب معاييره وثقافته الخاصة، ولا يأخذ بعين الاعتبار الجانب الآخر من الحقيقة، الموجود في العالم العربي.
وأضافت غازوني أن الغرب منغلق على نفسه ولا يستمع للطرح الإسلامي في هذه القضية؛ لأن الإعلام يقدم أفكارا مغلوطة تتسبب بتشويه نظرة الرأي العام للمسلمين، وتؤدي لاتخاذ قرارات إستراتيجية سياسية ودبلوماسية مبنية على هذه الأخطاء.
وقالت غازوني إن وصف "الإسلام المعتدل" ينطبق على كل الحركات والمنظمات والمؤسسات التي تعتمد تفسيرا معتدلا وعصريا للدين الإسلامي، حيث إن الحركات المتشددة مثل تنظيم الدولة والقاعدة؛ تتمسك بعقوبات كثيرة ودموية مثل القتل وقطع اليدين، بينما تصر تيارات إسلامية أخرى على اعتماد الوعظ والحوار ولا تلجأ للأساليب الدموية.
وأضافت أن هنالك تيارات إسلام سياسي في العالم العربي، تتمسك بالهوية الإسلامية، وفي الوقت ذاته تشارك في العمل السياسي وتتبنى نهجا إصلاحيا وثوريا.
وأشارت غازوني إلى أن الدول العربية تعتبر نفسها دولا مسلمة، وتعتمد على الشريعة الإسلامية في تشريعاتها وقضائها، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة، ولكن المشكلة يظهر في المجال السياسي؛ لأن الأنظمة الدكتاتورية تستغل الدين للحفاظ على شرعيتها والبقاء في السلطة، ولا تسمح في الوقت ذاته لحركات الإسلام السياسي المعتدل بالنشاط ومنافستها على الحكم، وهذا ما ينطبق تماما على تيار الإخوان المسلمين في العالم العربي.
واعتبرت أن حركات الإسلام السياسي في العالم العربي هي حركات سياسية بالأساس، تسعى للقيام بإصلاحات وتغييرات، والوصول للحكم عبر صناديق الاقتراع، منذ سنوات الثلاثينيات، إثر ظهور فكر الإخوان المسلمين في مصر.
وأكدت الباحثة على أهمية التفرقة بين التيارات الإسلامية المعتدلة والمتشددة؛ لأن الكثيرين يتعمدون وضع الجميع في سلة واحدة، ولأن فهم هذه المسألة بشكل صحيح يمكّن من تحديد الأسباب العميقة التي أدت لتفاقم ظاهرة التشدد والعنف الديني، في المجتمعات العربية.
ونبهت غازوني إلى أن الغرب يتغافل عن نقطة مهمة جدا أثناء بحثه في سبب استهدافه من قبل التنظيمات المسلحة، وهي أن حكومات هذه الدول الغربية تدعم بعض الأنظمة الدكتاتورية العربية، رغم أنها متورطة في قمع وفي منع التيارات الإسلامية المعتدلة من النشاط القانوني والمشاركة في الحياة السياسية، كما هو الحال في مصر على وجه الخصوص.
وذكرت أن هذا القمع انطلق بعد فوز الإسلاميين في انتخابات الجزائر في سنوات التسعينيات، ثم التغاضي عن الفوز الذي حققته حركة حماس في انتخابات سنة 2006، وقد بلغ القمع أقصاه في مصر إثر انقلاب سنة 2013؛ لأن هذه الأنظمة ترفض أن يتواجد هذا التيار بشكل طبيعي في السياسة والمجتمع، رغم أن الإسلاميين يمكنهم أن يكونوا شركاء عاديين في الحياة السياسية، كما هو الحال في تونس، حيث إن الإسلاميين فازوا في انتخابات سنة 2011، ولم يفوزوا في الانتخابات الأخيرة، وجرى كل شيء بشكل طبيعي.
وحذرت غازوني من أن الإسلام المعتدل يعاني من صعوبات في مواجهة الحركات المتشددة، التي بدأت تزدهر منذ التسعينيات، مستفيدة من المشاكل التي سببتها العولمة والليبرالية الجديدة، والفروق الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة في المجتمع، وهذه الحركات تبدو اليوم أكثر جاذبية لبعض الشباب بسبب الإقصاء المتعمد لكل بديل إسلامي معتدل.
وقالت غازوني، في معرض تناولها لتأثير هجمات
باريس على أوضاع المسلمين في أوروبا، إن المسلمين لا يمثلون طابورا خامسا في بلدانهم الأوروبية، وليسوا متواطئين مع الحركات المتطرفة التي تنطلق من دول إسلامية. فالمسلمون، سواء كانوا من الواصلين حديثا أو من الجيل الثاني والثالث للمهاجرين، يختلفون كثيرا عن التيارات المتشددة التي تنشط في بلدانهم الأصلية، ولكن الأحزاب اليمينية المعادية للأجانب في أوروبا تتبنى خطابا عدائيا تجاههم، وتتناسى أن مشاكلهم سببها فشل الحكومات في إدماجهم.
وأشارت في هذا السياق إلى مثال رئيس الوزراء الإيطالي السابق، سيلفيو بيرلسكوني، الذي ألغى الاعتمادات التي كانت موجهة لسياسة إدماج المهاجرين؛ لأن أوروبا بصفة عامة تشهد حملة عدوانية موجهة ضد المسلمين، أدت لتغلغل الإسلام الراديكالي في صفوف الشباب.