كتب عبدالله ناصر العتيبي: يبدو أن الأسابيع المقبلة ستحمل الكثير من المفاجآت في ما يتعلق بالأزمة السورية. المؤشرات على الأرض الآن تقول إن هناك فرزا لمناطق القوى في الطريق إلى إعادة تخطيط المنطقة من جديد برعاية دولية.
الروس يقومون الآن بدور الوصاية على الجزء الغربي من
سوريا بما فيه العاصمة دمشق. والأمريكيون بدأوا في التحرك للسيطرة على بقية المناطق السورية قبل أن تسبقهم روسيا إليها.
روسيا تقصف "
داعش" و "جبهة النصرة" و "الجيش الحر" حاليا خارج نطاق مناطق سيطرتها الفعلية، لكنها بمجرد اشتداد عود "الحلم الأمريكي" في بقية المناطق السورية ستكتفي فقط بدور الدفاع عن "سوريا المفيدة"، كما وصفها ذات إحباط بشار
الأسد، منعا لأي اشتباك في السماء أو على الأرض مع الولايات المتحدة، وسيكون لزاما حينها على الأمريكيين أن يحموا المناطق التي تقع تحت وصايتهم من تغوّل الإيرانيين و"حزب الله".
وسيتعيّن عليهم في الوقت ذاته القضاء على الجيوب الإرهابية، التي ربما لن تصمد طويلا في مواجهة القوة الأولى في العالم، في حال انتقل الوجود العسكري الأمريكي على الأرض من مرحلة "المستشاريّة" كما يروّج البنتاغون هذه الأيام إلى مرحلة الوجود الفعلي لقوات برية مقاتلة، تمشّط أولا بأول الأراضي التي تقصفها طائرات التحالف الغربي.
جزء من سوريا سيتلون بالألوان الثلاثة للعلم الروسي، وجزء آخر سيتلون بالألوان الثلاثة ذاتها، إنما تلك الموجودة في العلم الأمريكي، وسينقسم المجتمعون في فيينا 2 و3 و4، وبقية دول العالم إلى فريقين. فريق يقف في صف روسيا لأنها تحمي نظاما شرعيا كما تقول موسكو، وفريق يصطف مع أمريكا لأنها تحمي العالم من شرور الإرهاب من خلال خنقه في هذه المنطقة المنكوبة.
روسيا ستؤمن مستقبل الأسد في "الحكم الصوري" من خلال إجراء انتخابات عامة في دمشق والساحل الغربي، وموسكو التي تردد كثيرا هذه الأيام أن مستقبل الأسد في يد الشعب السوري، تعني هذا الأمر تماما إذا ما تم اختصار الشعب السوري في سكّان الساحل والمناطق العلوية.
أما أمريكا فهي كالعادة، ستعتمد على الوكلاء المحليين لإدارة أمور الجزء الشرقي من سوريا، وربما تنجح في جمع كلمة كل السكّان على قلب رجل واحد أو "بريمر ثان"!
لكن ما هي مصالح الدولتين الكبيرتين في اقتسام سوريا بهذا الشكل وإنهاء أزمتها بهذه الطريقة؟ لست من المؤمنين بنظرية المؤامرة أبدا، وفوق هذا كله أرى أن من المستحيل أن تجتمع المصالح الروسية والمصالح الأمريكية تحت الطاولة. لكن كلتا الدولتين وجدت هذا التخريج المؤقت للأزمة السورية يصلح لأن تبني واشنطن وموسكو على أساساته - كل على حدة - مصالحهما الخاصة بعيدا عمّا يريده بالفعل السوريون العالقون داخل البلاد، أو المعلّقون خارجها في المنافي. كلتا الدولتين غضت البصر وفكرت في المستقبل، كما تقول المسرحية الإنكليزية الشهيرة!
الروس يهمهم جدا أن يبقى هذا الجزء المهم من البحار الدافئة تحت إمرة أساطيلهم البحرية، ويهمهم كذلك أن يسيطروا على المنافذ الجغرافية على البحر المتوسط كافة، ليتحكموا في مستقبل حركة تصدير الغاز الشرق أوسطي إلى أوروبا. إضافة إلى ذلك لم يعد في وسع روسيا القيصرية الجديدة أن ترى وجودا أمريكيا في أي جزء من العالم من غير أن تقف له موقف النّد وتعادله على الأرض.
أمريكا من جهتها تسعى إلى التحكم في الجزء الشرقي من سوريا لثلاثة أسباب: الأول إدارة الجماعات الإرهابية بالشكل الذي يضمن المصالح الأمريكية في العالم، والثاني توفير الغطاء الأمني اللازم لحماية إسرائيل، أما الثالث وهو الأهم فتعزيز مبدأ قبول التقسيم في الوجدان العربي، الأمر الذي قد يساعد في المستقبل على تقسيم مناطق أخرى بما يتفق والمصالح الأمريكية الكبرى.
أمريكا تريد وروسيا تريد، ولتحقيق هاتين الرغبتين كان لا بد من دعوة 17 طرفا دوليا وإقليميا في فيينا 2 للمصادقة على هذا المستقبل بشكل غير مباشر، لتجاوز ردود الأفعال العنيفة الحكومية والشعبية المتوقعة في المنطقة عندما يتم الإعلان رسميا عن حاكم شرقي وآخر غربي لسوريا.
كل المؤشرات تقول ذلك، لكن بإمكان دول المنطقة وتحديدا
السعودية وتركيا الوقوف بقوة ضد هذه "الخطة القدرية" غير المتفق على خيوطها. السعودية وتركيا قادرتان على حشد تحالف أممي يعيد سوريا الموحدة إلى الضوء من جديد، ويرفع يد الوصاية الروسية - الأمريكية، ويعيد الأمل إلى الشعب السوري. ليست للسعودية وتركيا مصالح مباشرة في سوريا، ومن هذا المنطلق تحديدا يمكننا الانطلاق. لنحلم بالقاهرة 1 أو المنامة 1 أو الرباط 1، ولنترك المستقبل بيد الله، لا بيد أمريكا ولا بيد روسيا.
(عن صحيفة الحياة اللندنية، 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015)