روجت وسائل الإعلام
العراقية المقربة من "
الحشد الشعبي" الذي يقاتل في المحافظات السنية لهذه الشخصية بشكل مفرط، مسبغة عليه مواصفات المقاتل المثالي الذي لا يهاب الموت.
هو قائد ميداني في "كتائب الإمام علي" وهي مليشيا مدعومة من إيران وتحارب
تنظيم الدولة (داعش) في العراق. وهي إحدى فصائل" الحشد الشعبي" التي يقودها حجي شبل، وهو مقرب من رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، بالإضافة إلى امتلاكه ثروة كبيرة.
ولم يقف الحال عند وسائل الإعلام العراقية الموالية لـ"الحشد الشعبي" في الترويج لهذه الشخصية، بل صورته وسائل إعلام غربية على أنه "شخصية خارقة"..
صفحته على "فيسبوك" اجتذبت نحو 300 ألف إعجاب، وتصدرت أخباره افتتاحيات بعض الصحف في بريطانيا والولايات المتحدة.
يبدو على أهبة الاستعداد للقتال في أي جبهة قتال تحددها المرجعية الدينية له.
ويتناقل العراقيون مقاطع فيديو وصورا لشاب أسمر، ذي لحية كثيفة، حليق الرأس، يحمل البندقية والسيف، ويرتدي الزي العسكري غير الرسمي، كنيته "أبو عزرائيل".
أبو عزرائيل، المعروف أيضا بـ"ملاك الموت"، هو المقاتل الذي سبق أن قبل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي رأسه، اسمه أيوب فالح حسن الربيعي أو أيوب آل ربيع، يوصف وفقا لعدة مصادر بأنه بطل تايكواندو، يبلغ من العمر 37 عاما، وادعى البعض أنه يحمل شهادة الماجستير وأنه أستاذ في إحدى الجامعات العراقية، لكن ذلك لم يكن حقيقيا.
وتشير مصادر عراقية إلى أن هذه المعلومات قصة ملفقة للرفع من شأن "صناعة البطل"، فهو أب لخمسة أطفال ويعمل سائق تكسي.
تدرب "رامبو العراق" على أيدي حزب الله وإيران، وقاتل الأمريكيين في مرحلة سابقة، ثم بات اليوم يقاتل بدعم منهم.
أصبح شخصية عامة شعبية بسبب وحشيته ومظهره الوحشي، فهو يحمل على ذراعيه فؤوسا وسويفا، بالإضافة إلى بنادق آلية. ولا ننسى جسمه الرياضي الضخم ورأسه الأصلع ولحيته السوداء السميكة التي كونت له منظرا عدوانيا ومفزعا.
يطل أبو عزرائيل بشكل شبه يومي، عبر تسجيلات فيديوية يقوم بنشرها على "فيسبوك" وتتناقلها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
يظهر أحيانا على دراجة هوائية في المناطق الخطرة، ومن داخل سيارته أحيانا أخرى، مطلقا النكات ومتوعدا "داعش" بالفناء. إلا أن أشهر تسجيل له هو فيديو يتوعد فيه "بطحن التنظيم"، مطلقا عبارته الشهيرة "إلا طحين"، والتي تحولت إلى ماركة تقترن به معظم التغريدات المواكبة لمعارك العراق، قبل أن تصبح أغنية أطلقها أحد المغنين.
وفي منتصف آب/ أغسطس عام 2015، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي فيديو منقولا من صفحته على "فيسبوك"، تظهره يحرق رجلا معلقا من أطرافه، يعتقد بأنه سني، وهو يقوم بتقطيع لحمه و يقول أصبحوا "كص" تشبيها بأكلة "الشاورما". وقد أظهر هذا الفيديو إضافة إلى شواهد عديدة سلوكا وحشيا تفوق به على أفعال مشابهة لتنظيم الدولة (داعش).
وتواجه مليشيات الحشد الشعبي اتهامات متزايدة بارتكاب انتهاكات طائفية ضد المدنيين، تشمل التعذيب والاختطاف وتدمير الممتلكات أثناء العمليات العسكرية التي تشهدها محافظات عراقية، لكن أبا عزرائيل يصر على أن رسالته موجهة لتنظيم الدولة الذي يسعى لسحقه، وفق تعبيره.
ويقول أبو عزرائيل: "أنا لا أبحث عن الدعاية ولا عن الإعلام، ولا أريد الخوض في قضايا غير وطنية، ولا أحمل غضبا أو ضغينة تجاه أهل
السنة".
وبدأ أبو عزرائيل خلال الفترة الأخيرة التي اشتهر فيها، بالتجول في شوارع بغداد، بزيه العسكري وسلاحه الشخصي، برفقة اثنين من المقاتلين.
وتعليقا على محاولة البعض "صناعة بطل"، يقول مدير بيت الإعلام العراقي مشرق عباس إن "محاولة الإعلام العراقي لخلق رمز عسكري بطل لم تكن موفقة، لأنه أراد من ذلك تقليد تنظيم الدولة الذي روج في وقت سابق لمقاتله شاكر وهيب"، ويوضح أن "تقليد تنظيم دموي شكلا ومضمونا خطأ في توجيه الإعلام الحربي العراقي".
ويضيف أن شخصية أبي عزرائيل "بسيطة ولم ترتق إلى شخصية البطل العسكري، بالإضافة إلى ذلك فإنها أنتجت حساسية طائفية، لأنه أصبح رمزا لمجموعة معينة وليس لبلد".
ويعتقد الصحفي العراقي أنه "كان الأجدر بالإعلام العراقي التركيز على الجيش العراقي بضباطه وجنوده، لمنحه الزخم الإعلامي لإعادة الثقة له بعد انتكاسة الموصل في حزيران/ يونيو عام 2014، لكن للأسف أن من روج لصناعة البطل اختار شخصية بصبغة طائفية".
أما الخبير الأمني أمير الساعدي، فيرى أن "حدود الرمزية في صناعة البطل عبر وسائل الإعلام لن تتوقف عند الثقافة أو التحصيل العلمي، وإنما تبحث عن الصورة والكاريزما الشرسة والقوة، خاصة في ساحات القتال"، ويقول: "إن الحشد الشعبي عمد إلى إظهار أبي عزرائيل بهيئة المقاتل الشرس".
ويقول إن "الحرب الإعلامية وصناعة الأبطال بين طرفي الصراع في العراق لن تتوقف، وستنتقل إلى بلدان أخرى مثل سوريا واليمن وليبيا".
والفشل لم يكن فقط في الترويج لشخصية "أبي عزرائيل"، وإنما طال "الحشد الشعبي" الذي لم يروج نفسه كقوة شعبية وطنية أو سلاح وطني في وجه تنظيم الدولة، فقد تورط في جرائم وانتهاكات فظيعة في العراق على أسس مذهبية ضيقة، كما أنه أخفق إعلاميا في الظهور بمظهر مختلف عن "داعش".
وابتكر "الحشد الشعبي" شخصية أراد منها أن تكون "مرعبة للأعداء ومطمئنة للأصدقاء". واختار "أبا عزرائيل" اسما لها، لكن مشاهد الفيديو لممارسات "البطل" ومعه "الحشد" في المناطق السنية أعاد للأذهان ممارسات "داعش" الدموية والمغرقة في الوحشية.
و يقول إعلاميون إن "أبا عزرائيل" يرسم في ذهن العراقيين صورة مشابهة لـ"أبي درع" الشخصية الطائفية الشهيرة التي ارتكبت في 2006 جرائم عدة ضد المدنيين في المناطق السنية انتقاما من أبي مصعب الزرقاوي.
عدد مقاطع الفيديو والصور والتعليقات التي ينشرها أبو عزرائيل، تشير إلى أن لا عمل له في ساحات القتال سوى الترويج لشخصيته، حتى إن صفحته على "فيسبوك" تدار بالكامل من قبل أصدقاء له، لعدم تفرغه لذلك الأمر؛ بسبب انشغاله في القتال، كما يقولون.
اختفى "البطل الأسطوري" بعد نحو عام على ظهوره، بشكل تدريجي أو يكاد، من صفحات العراقيين على مواقع التواصل، على خلاف أول ظهور له، إذ إنهم روجوا له كثيرا، اعتقادا منهم بأنهم بذلك يدعمون وطنهم معنويا، لكنهم اكتشفوا بعد وقت، أن الآلة الإعلامية فشلت في اختيار شخصية تواجه الإعلام المضاد، وتحولت إلى شخصية طائفية لا تقل عنفا عن "الآخر".
الفيديوهات المرعبة التي تنشر على الشبكات الاجتماعية، أصبحت مصدرا للغضب والسخرية بعد أن خفت حدة القلق والرعب مع التعود على مشاهدة الأشلاء والجثث، فمليشيات "الحشد" و"داعش" تتنافسان على المركز الأول في البشاعة.