انكمش نشاط قطاع التصنيع في
الصين بأسرع وتيرة في ما لا يقل عن ثلاث سنوات في آب/ أغسطس، حيث سجلت الطلبيات المحلية وطلبيات التصدير تراجعا حادا، ما عزز مخاوف المستثمرين بشأن قوة ثاني أكبر
اقتصاد في العالم.
وما يزيد من القلق أن قطاع الخدمات الصيني الذي كان أحد النقاط المضيئة في اقتصاد البلاد المتعثر، أظهر هو الآخر إشارات على التباطؤ، كما جاء في مسح مشابه للمسح الذي جاءت فيه نتائج نشاط قطاع التصنيع.
ومع ما يعانيه بسبب تراجع الطلب والاستثمارات في ظل زيادة الطاقة الإنتاجية عن المطلوب، فقد تضرر الاقتصاد الصيني أيضا من هبوط الأسهم وتخفيض قيمة اليوان بصورة مفاجئة في ما أسماه البعض "عاصفة مكتملة" من العوامل تضرب الأسواق العالمية، وقد تضر بالعلاقات بين الصين وكبار شركائها التجاريين.
وقال وزير المالية الياباني تارو آسو الثلاثاء، إنه سيكون مفيدا لمجموعة الاقتصادات العشرين الكبرى أن تناقش خلال اجتماعها المزمع هذا الأسبوع ما يحدث في الاقتصاد الصيني.
وقال بيل آدامز كبير الاقتصاديين لدى مجموعة "بي أن سي" للخدمات المالية، إن "الاضطرابات في أسواق المال جعلت الشركات والمستهلكين الصينيين أكثر حذرا"، في إشارة إلى تراجع الأسهم الصينية أكثر من 40 بالمئة منذ حزيران/ يونيو.
وقال آدامز إن الاقتصاد الصيني قد ينمو بنحو 6.5 بالمئة خلال النصف الثاني من العام، و6.2 بالمئة في 2016.
ويعتقد بعض المحللين أن مستويات النمو دون ذلك بالفعل، ما يضع مستوى النمو الرسمي الذي تستهدفه الصين والبالغ سبعة بالمئة على المحك.
وتسببت الأنباء حول تراجع أحوال الأعمال في موجة جديدة من بيع الأسهم الصينية، وهبط مؤشر "سي أس آي 300" لأسهم الشركات الكبرى المدرجة في شنغهاي وشنتشن أربعة بالمئة، مؤديا إلى تراجع الأسهم في أنحاء آسيا، إضافة إلى أسواق العقود الآجلة للأسهم في الولايات المتحدة.
وقال محللون إن القراءات السيئة التي تؤكد المراهنة على أن الصين التي خفضت أسعار الفائدة خمس مرات منذ تشرين الثاني/ نوفمبر، يتعين عليها تخفيف سياستها النقدية مرة أخرى في وقت قريب لتجنب تراجع الاقتصاد بشكل أكثر حدة بما قد يؤثر على النمو العالمي حتى في ظل تأهب البنك المركزي الأمريكي لرفع أسعار الفائدة.
وقال المكتب الوطني للاحصاءات اليوم الثلاثاء، إن المؤشر الرسمي لمديري المشتريات بقطاع التصنيع تراجع الي 49.7 الشهر الماضي من القراءة المسجلة في تموز/ يوليو والبالغة 50.0 متماشيا مع توقعات استطلاع للرأي أجرته "رويترز"، لكنه الأدنى منذ آب/ أغسطس 2012، وأقل من مستوى 50 نقطة الذي يفصل بين النمو والانكماش.
وهبطت الطلبيات الجديدة -وهي مؤشر على الطلب الداخلي والخارجي- إلى 49.7 في آب/ أغسطس مقابل 49.9 في تموز/ يوليو، كما أنها انكمشت طلبيات التصدير الجديدة للشهر الحادي عشر على التوالي.
وأشار مسح خاص لـ"كاسين/ماركت" ركز على المصانع الصغيرة إلى هبوط أكثر حدة مع تراجع القراءة النهائية لمؤشر "كاسين/ماركت" لمديري المشتريات الي 47.3 في آب/ أغسطس وهي أدنى قراءة منذ آذار/ مارس 2009.
وأظهر المسحان أن عمليات تسريح العمالة في قطاع الصناعات التحويلية سجلت أعلى وتيرة مع تقلص حجم الطلبيات من المصانع.
ومن المرجح أيضا أن إغلاق مصانع في شمال الصين لإخلاء سماء العاصمة بكين، لإجراء عرض عسكري كبير هذا الأسبوع كان له أثر على حجم الناتج الصناعي، كما أنه كان لتفجير كبير في مدينة تيانجين الساحلية أثر أيضا.
وتظهر شركات الخدمات الصينية إشارات واضحة على الضعف إلى درجة تجعل النمو في هذا القطاع غير كاف، ربما للاستمرار في تعويض الضعف المستمر في قطاع المصانع.
وتراجعت القراءة الرسمية لقطاع الخدمات قليلا إلى 53.4 نقطة، لكنها ظلت في منطقة النمو. إلا أن مؤشر مديري المشتريات في القطاع سجل هبوطا حادا إلى 51.5 وهو أدنى مستوى له منذ تموز/ يوليو 2014.
وأدى هذا إلى تراجع مؤشر مجمع لمديري المشتريات يضم قراءات المصانع والخدمات إلى أقل من 50 نقطة للمرة الأولى منذ نيسان/ أبريل 2014.
وفي إشارة أخرى على انتشار ضعف الاقتصاد لقطاع الخدمات أظهر مؤشر "كاسين/ماركت" لمديري المشتريات بقطاع الخدمات تراجع سوق التوظيف للشهر الثاني والعشرين على التوالي في آب/ أغسطس، حيث هبط التوظيف في قطاع الخدمات إلى مستوى 50.1 وهو مستوى يجعله بالكاد في منطقة النمو.
وقال اقتصاديون في بنك "إيه أن زد": "نعتقد أن هناك حاجة لتخفيف السياسة النقدية بشكل أكبر ولسياسة مالية فاعلة، إلى جانب التحرير المالي من أجل المحافظة على نمو بنحو سبعة بالمئة".
وأظهرت عدة تقارير أرباح من البنوك الصينية الكبرى الأسبوع الماضي أن هذه البنوك تكافح في ظل أبطأ نمو للأرباح في ست سنوات على الأقل وزيادة القروض المعدومة، وأن هبوط أسواق الأسهم في الأسابيع الأخيرة يرجح الحد من إسهامات القطاع المالي في الأشهر القادمة.
وقال هي فان، كبير الاقتصاديين لدى "كاسين إنسايت غروب"، إن "التقلبات الأخيرة في أسواق المال العالمية قد تؤثر على الاقتصاد الحقيقي وربما تصبح النظرة المتشائمة للمستقل ذاتية التحقق".
وأطلقت السلطات الصينية أكبر حملة لتخفيف السياسة المالية منذ الأزمة المالية العالمية في عامي 2008- 2009، في مسعى لوضع حد لتراجع النمو.
لكن البعض يتشكك في مدى فاعلية المزيد من التخفيف في السياسة النقدية في ظل تحذير البعض من "فخ سيولة"، إذا واصلت الصين ضخ السيولة في سوق آخر ما تريده الشركات فيه هو تحمل المزيد من الديون.
وكانت آخر مرة تخفض الصين فيها سعر الفائدة في 25 آب/ أغسطس، عندما أقدمت أيضا على تخفيض حجم الاحتياطيات النقدية التي يتعين على البنوك الاحتفاظ بها للمرة الثانية في شهرين