نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا للكاتبة فرهينا روسين تقول فيه إنه عندما أعلن العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز عام 2011 عن منح
المرأة حقها في الاقتراع بحلول عام 2015، فقد برر المسؤلوون السعوديون القرار بأنه ينبع من الخصوصية
السعودية، وأنه لا بد من التحضير للأمر.
وأشارت روسين إلى أن الملك عبدالله قد توفي بدايه هذا العام، في الوقت الذي بدأت فيه النساء السعوديات هذا الأسبوع بتسجيل أسمائهن في قوائم الاقتراع.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه بحسب التقارير الصحافية المحلية، فإن هناك 70 امرأة سجلن للترشح في
الانتخابات البلدية التي ستعقد في شهر كانون الأول/ ديسمبر، وأن هناك 80 امراة سجلن انفسهن لكي يقمن بإدارة الحملات الانتخابية. وكان الملك الراحل عبدالله قد أعلن عن قراره في أوج الربيع العربي، حيث حاول منع وصول تأثيره إلى بلاده عبر سلسلة من الوعود الإصلاحية والمنح المالية للمواطنين.
وتلفت روسين إلى أن قرار المؤسسة السعودية قد يكون متأثرا بحملة للتحرر ومنح المرأة حق الترشح قادتها المرأة السعودية، كما تقول الناشطة والكاتبة والمؤرخة السعودية هاتون الفاسي: "لم يكن هذا ممكنا لولا الحراك الذي قادته المرأة من الداخل".
وتعلق الكاتبة بإن الفاسي، وهي الأستاذة المشاركة في جامعة الملك سعود قد أسهمت في هذه الحملة، وتقول: "نقوم بالنشاط المستمر للجصول على حقوقنا". وقد أضافت في حديث هاتفي: "في الوقت الحالي نقوم بإعادة تقويم خطواتنا من أجل الدخول في عالم الانتخابات والاقتراع والترشح للانتخابات للمجالس، وهي مطالب نطالب بها منذ عام 2004".
وترى الصحيفة أن الموقف المتشدد من
حقوق المرأة يكمن في السياق الديني والسياسي، مشيرة إلى العلاقة التي نشأت في القرن الثامن عشر بين مؤسس الحركة الوهابية الشيخ محمد بن عبدالوهاب وآل سعود، التي قامت على تبادل المصالح وتوفير الحماية للحركة الوهابية مقابل الولاء السياسي. وبعد انهيار الدولة العثمانية في القرن العشرين نشأت الدولة السعودية، التي واصلت تقاليد الحلف بين الوهابية وآل سعود على الأقل حتى الآن.
وينقل التقرير عن الباحثة في علم الاجتماع في جامعة الملك سعود فوزية أبو خالد قولها إن "هناك شعورا لدى جماعات مختلفة، بينها الجماعات المحافظة، بأن ما حدث في الماضي حيث كانت أصواتها هي التي تمثل المجتمع، قد لا يستمر" كما كان.
وتوافق الفاسي على ذلك، وتقول: "لن نقبل أي شيء أقل من الاعتراف بنا أو منحنا القدرات القانونية والحقوق". وتضيف أن "الحواجز التي نواجهها هي انعكاس لوضع المرأة في المجتمع. ولا توجد لدينا هيئة تمثلنا، ولا ينظر إلينا كوننا جماعة مستقلة، وينظر إلينا دائما بمرتبة بعد الرجل، فالمرأة في السعودية لا تزال بحاجة إلى محرم وموافقة مكتوبة من وكيلها الرجل، أبا كان أم أخا أو ابنا، من أجل مغادرة البلاد أو العمل، أو حتى إجراء عمليات جراحية معينة".
وتتابع الفاسي للصحيفة بأنه "أيا كان الحال، فإن الوضع القانوني للمرأة غير سليم، سواء كانت المرأة مطلقة أو كان الرجل ميتا أو مختفيا. فلا يتم تعريف وضع المرأة إلا من خلال ولي أمرها بعد زواجها، وهو الرجل".
وتبين روسين أن المرأة السعودية تواجه الكثير من العوائق الاجتماعية، على الرغم من وجود حركة نسوية في السعودية منذ الستينيات من القرن الماضي. وترى الفاسي أن قيام 47 امرأة سعودية عام 1990 بقيادة السيارة في تحد للتقاليد الاجتماعية، مع أنه لا يوجد قانون يمنعهن من القيادة، أظهر الحاجة إلى النشاط النسوي في المملكة، وتقول: "ففي اللحظة التي تم فيها اعتقالهن والضعط عليهن وطردهن من أعمالهن، ساد نقاش في المدينة حول أهمية النشاط الذي قمن به وقوته، وقد كان مختلفا عن أي نشاط سابق". واستدركت قائلة: "خلال العقود الماضية ظهرت قضايا أخرى ومطالب جديدة، مثل الاعتراف بقضايا المرأة، التي أصبحت قضية، وتشكلت من أجل ذلك جماعات جديدة بدأت بالعمل معا"، وهو ما يعيدها إلى النقطة الأولى، وهي أن المرأة السعودية تقوم بتغيبر الرؤية وطبيعة الخطاب حول النساء السعوديات اللاتي يطالبن بالتغيير وخلق وضع جديد ومختلف لهن.
ويورد التقرير أن الفاسي تقول إن "هناك الكثير من الحوارات التي تتخذ أشكالا عديدة، ولكننا في الوقت الحالي نركز على أهمية تسجيل المرأة لنفسها في قوائم الانتخابات في هذه الأسابيع الثلاثة المهمة، من أجل التبشير بما سيحدث في حال وصلت المرأة إلى السلطة، وعندها يمكن أن نغير وضعنا".
وتنتقد الكاتبة مواقف بعض المعلقين الغربيين، الذين ينظرون بسخرية للانتخابات المحلية السعودية ومشاركة المرأة بها، وتقول إنهم يتعاملون مع الموضوع من خلال مقارنة المرأة في السعودية بما حققته المرأة في الغرب، مشيرة إلى أنه في تقرير "فوكس دوت كوم" اقترح كاتبه منح السعودية الميدالية الذهبية، ولكن من الوزن الخفيف؛ لأنها منحت المرأة الحق بالتصويت أخيرا. وفي تقرير آخر نشره موقع "ثينكينغ بروغرس دوت كوم" تساءل كاتبه عما إذا كانت مشاركة المرأة في الانتخابات ستغير من واقعها وتعطيها صوتا.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أنه في الوقت الذي تعي فيه الفاسي ما يجب فعله، وهو كثير، فإنها تتحلى بالبراغماتية حول ما ترغب برؤيته في حياتها، وتقول: "نحاول أن نكون عقلانيات في ما نطالب به من حقوق. وفي الوقت الحالي، فنحن نحتفل ولا ننظر إلى السلبيات، ولا نريد تثبيط الدولة عن أن تقدم لنا حقوقنا، ولكننا نتعلم كيف نفاوض من أجلها، ونقدر ما وصلنا إليه حتى الآن".